- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال: قمة لشبونة وحلف الأطلسي
السؤال:
في يومي 19 و 20/11/2010 عقدت في لشبونة عاصمة البرتغال قمة ضمت الدول الكبرى ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقد أعلن أن هذه الدول اتفقت على استراتيجية جديدة للحلف تضمنت مواضيع مهمة منها موضوع أفغانستان وموضوع الدرع الصاروخي وموضوع العلاقة مع روسيا وكذلك المصادقة على توسيع صلاحيات الحلف لتتعدى منطقته إلى أي مكان في العالم يرى فيه الحلف تهديدا له. فهل أمريكا جادة في موضوع الانسحاب من أفغانستان؟ وماذا تهدف من موضوع الدرع الصاروخي؟ ولماذا أرادت توسيع صلاحيات الناتو؟ وما هو الموقف الروسي من كل ذلك؟ وهل استطاعت أمريكا أن تملي على هذه الدول ما تريد؟ وهل استطاعت أن تعزز موقفها الدولي؟
الجواب:
1- إن ما ظهر من البيان الختامي للقمة ومن التصريحات حول استراتيجية الناتو في أفغانستان تنص على البقاء فيها بشكل دائم، وتعتبر أفغانستان كمسألة مصيرية للحلف، فقد أعلن الأمين العام للناتو راسموسن قائلا: "اتفقنا مع الرئيس حميد كرزاي على شراكة طويلة الأمد ستستمر بعد انتهاء مهأمنا القتالية". وقال: "لنقل ببساطة إذا كانت حركة طالبان أو غيرها تأمل في رحيلنا فلتنس الأمر، سنبقى طالما كان ذلك ضروريا لإنهاء العمل". (بي بي سي 20/11/2010) وقد ورد في البيان الختامي "التأكيد على أن المهمة في أفغانستان أولوية للحلف". وكان أوباما قد طالب زعماء دول الناتو المجتمعين في لشبونة بأن: "يؤكدوا مجددا التزامهم الدائم في أفغانستان". (صحيفة إل بايس الإسبانية 19/11/2010) وقد ذكرت وكالة الأنباء الألمانية في 20/11/2010 أنه من المتوقع أن تنقل مقاليد الأمور في أولى الولايات إلى الجانب الأفغاني بحلول تموز من العام القادم مع احتفاظ قوات تابعة للحلف بالسيطرة الأمنية في أشد المناطق خطورة حتى عام 2014، على أن تقوم بدور المساندة بعد هذا التاريخ". فهذا يدل على أن أمريكا تريد أن تتظاهر بالانسحاب من مناطق أمنة أي التي لا يوجد فيها مقاومة شديدة من قبل المجاهدين لتظهر أنها تفي بوعودها التي قطعتها باسم رئيسها أوباما على نفسها بأن يبدأ الانسحاب في شهر تموز عام 2011، فيظهر للشعب الأمريكي وللناس عامة على أنها أوفت بوعودها -وكأن أمريكا قد حققت أهدافها وأنها على وشك أن تنسحب نهائياـ ولكن سيستمر وجود هذه القوات حتى عام 2014 في أشد المناطق خطورة، فهذا التفاف على قرار الانسحاب من أفغانستان وأن الاحتلال باق إلى هذا التاريخ وما بعد هذا التاريخ. فأمريكا تعمل في أفغانستان على تنفيذ سياسة أشبه بالسياسة التي اتبعتها في العراق بأن تضمن وجودها بشكل دائم تحت مسميات اتفاقيات أمنية أو استراتيجة أو شراكة أو غير ذلك. فقد قامت أمريكا في هذه القمة بالضغط على أوروبا لتستمر في دعمها في أفغانستان. فالكثير من الأوروبيين مكرهون على البقاء بجانب أمريكا بسبب أن هذه الحرب لا تجلب لهم مكسبا والمكاسب كلها لأمريكا وهم في الوقت نفسه يعانون من ضائقة مالية وإن شعوبهم لا ترى فائدة من استمرار هذه الحرب.
2- وأما موضوع علاقة الناتو بروسيا فقد عقدت قمة بين دول الناتو وروسيا تحت اسم جلسة (مجلس روسيا - الناتو) بحثت هذه العلاقة بين الجانبين بعدما تجمدت على أثر أزمة جورجيا في آب/أغسطس/2008. فقد أعلن في القمة أن دول الحلف أخرجت روسيا من اعتبارها عدوة للحلف وأنها تشكل أي خطر عليه وذلك يحدث لأول مرة وهي على وشك أن تعلن شراكة استراتيجية مع الحلف. فقد صرح الرئيس الروسي مدفيديف: "أن مرحلة البرودة والادعاءات المتبادلة في العلاقات بين روسيا والناتو قد انتهت". وقال: "نحن ننظر إلى المستقبل بتفاؤل ونحاول تطوير العلاقات بين روسيا والناتو على كافة الاتجاهات" (روسيا اليوم 20/11/2010) ولكنه أشار إلى وجود خلافات ما زالت عالقة مثل قضية جورجيا فقد قال معلقا عليها "إن هذه القضية يجب أن لا تصبح عقبة" وأشار إلى الخلافات الأخرى بدون ذكر اسمها فقال: "لا يجب أن تؤدي إلى قطع العلاقات".(المصدر نفسه) وذكر أن: "روسيا ودول الناتو اتفقتا على مواصلة بحث قضية الدرع الصاروخية الأوروبية" وأضاف بأن: "دول الناتو نفسها لا تتصور النتائج التي يمكن أن تترتب على هذا الدرع... ومع ذلك فيجب أن تكون شاملة وليست لخدمة دولة بعينها أو مجموعة من الدول دون غيرها". وأضاف أيضا: "أن ظهور منظومة الدفاع الصاروخي قد يقضي على توازن القوى النووية، وذلك يجب تجنبه لأن تغيير هذا التوازن سيؤدي إلى سباق التسلح في نهاية المطاف". (المصدر نفسه) وذكر هذا المصدر أيضا قول مدفيديف بأن موسكو عرضت على الناتو إنشاء ما يسمى بمنظومة (قطاعية) للدفاع الصاروخي دون أن يوضح تفاصيل هذا الاقتراح.
يفهم من تصريحات الرئيس الروسي بأنه لم يتم بعد اتفاق نهائي بين روسيا والناتو على موضوع الدرع الصاروخي وعلى موضوع الشراكة بينهما. وأن روسيا ما زالت متوجسة من ذلك، حيث ذكر أن دول الناتو نفسها لا تتصور النتائج من نصب الدرع الصاروخي. ويظهر أنه يشير إلى الدول الأوروبية التي لا تعرف عواقب ذلك بأنها ستقع تحت السيطرة الأمريكية الكاملة وأن ذلك سيحدث توترا عالميا فتعود الهواجس الأمنية إليها. ويشير مدفيديف إلى هاجس سباق التسلح أي أن الدول الأخرى وعلى رأسها بلاده ستعمل على تطوير أسلحتها لمواجهة الواقع الجديد الذي أوجدته أمريكا، أي للدفاع عن نفسها وللوقوف في وجه أمريكا التي ستتسلط على الدول الأخرى لأن الدفاعات التي أقامتها أمريكا محصنة وستعمل على إرهاب الأطراف الأخرى لإخضاعها لسياساتها.
وقد اعترف أوباما بأنه لم يتحقق اتفاق نهائي مع روسيا حول هذا الموضوع فقال: "لقد بذلنا جهودا كثيرة في إعادة ترتيب العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي العملية التي أدت إلى نتائج محددة لكلا الطرفين. والآن نحن نقوم بإعادة ترتيب العلاقات بين الناتو وروسيا". وأضاف: "نرى في روسيا شريكا وليس منافسا، اتفقنا على تعميق تعاوننا في عدة مجالات وأهم هذه المجالات هو التعاون في مجال الدفاع الصاروخي". (روسيا اليوم 20/11/2010) فروسيا لم تحصل على ما تهفو إليه، ولذلك لم يتم الاتفاق نهائيا بينها وبين الناتو أي بينها وبين أمريكا حول الدرع الصاروخي وحول موضوع الشراكة، وتريد أن تستمر المفاوضات حتى تحصل على شيء مهم بالنسبة لها، فهي راغبة في الاتفاق ولا ترفضه نهائيا، وأهم ما تهدف إليه أن تكون شريكة لأمريكا في إدارة شؤون العالم كما كانت عليه في عهد الاتحاد السوفياتي حتى تعتبر دولة عظمى. ولا تريد أن تكون تابعة لأمريكا سواء، بانضمامها إلى الناتو أم غير ذلك من أشكال التبعية. فتريد أن تتميز بكونها دولة كبرى ذات سياسة دولية مستقلة. فقد صرح مدفيديف قائلا: "إما أن نشارك بالكامل ونتبادل المعلومات ويتم تكليفنا بحل هذه المسائل أو تلك، وإما أن لا نشارك على الإطلاق. وإن روسيا لن تقبل بأن تكون مجرد دولة ملحقة بالحلف. وإذا لم نشارك بتاتا فعندها سنضطر إلى أن ندافع عن أنفسنا لأسباب مفهومة". (فرانس برس 21/11/2010) وقد ذكر مدفيديف: "إنه لا يرى إمكانية لانضمام روسيا إلى حلف الناتو، لكنه لم يستبعد فرصة تقارب وثيقة بين الجانبين في حال تغير الحلف وتحقيق شفافية أكبر في العلاقات بينهما". وأعلن أن "روسيا وافقت على نقل الشحنات إلى أفغانستان عبر أراضيها". (روسيا اليوم 20/11/2010)
فروسيا قد وافقت على التعاون مع دول الحلف لنقل معداته عبر أراضيها إلى أفغانستان. وهذه خدمة مجانية تقدمها روسيا لأمريكا في سبيل الحصول على بعض المكاسب منها في الوقت الذي لم تحصل فيه على شيء منها أي من أمريكا. وإن كانت روسيا ترى أن الوضع في أفغانستان يمكن أن يهددها إذا ما انهزم الناتو أمام المجاهدين هناك، ولكن انتصار أمريكا هناك سيهدد نفوذها أي نفوذ روسيا في منطقة آسيا الوسطى، فعلى روسيا أن تحسب حسابات لذلك، وأن تتذكر أن هزيمتها على عهد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان مكنت أمريكا من الوصول إلى هذه المنطقة. وهكذا فإنه يظهر أن أمريكا تريد أن تأخذ كل شيء من روسيا بدون أن تعطيها شيءا سوى الوعود الفارغة. ولا تريد أن تشركها في حل قضايا العالم وإنما تريد أن تشركها في مهمات تتعلق بخدمتها تحت اسم الشراكة مع الناتو وليس معها مباشرة على قدم وساق. فروسيا لم تقع في الفخ بالكامل وإن كانت تحوم حول الطعوم الخادعة بسبب استعدادها للتفاوض وأنها ترغب بأن تكون شريكا كاملا!
3- أما منظومة الدرع الصاروخية فهي لإيجاد هيمنة كاملة لأمريكا على أوروبا حيث تضعها تحت حمايتها وتوجد الهواجس الأمنية لها دائما لإحكام قبضتها عليها ومنعها من أن تصبح قوة عالمية مستقلة عنها تنافس أمريكا، وتجعلها تهمل نفسها بتطوير قوتها العسكرية الذاتية، بل تجعلها تهمل ترسانتها النووية حتى لا تعود لها قيمة عندما تجمدها ولا تعمل على تطويرها وتحديثها، وهذا ما تخوفت منه فرنسا وتحاول أن تعمل على تلافيه. فقد قامت بعقد اتفاقية بينها وبين بريطانيا لتحديث ترسانتهما النووية وتطوير التكنولوجيا النووية لديهما عندما عقدت قمة بين الطرفين مؤخرا في بداية هذا الشهر، أي في 2/11/2010 وكذلك اتفق الطرفان على إنشاء قوة تدخل عسكرية مشتركة من قواتهما وذلك للاستقلال بقرارهما عن أمريكا وللقيام بأعمال تخدم مصالحهما بعيدا عن هيمنتها. ولكن ما تمخضت عنه قمة لشبونة، وعدم معارضة بريطانيا للدرع الصاروخي الذي تقترحه أمريكا يدل على ضعف موقفهما وأنهما يائستان من تحقيق أي شيء في هذه القمة التي ظهرت فيها السيطرة الأمريكية.
وخطة الدرع الصاروخي شكلها دفاعي ولكنّ محتواها هجومي تهدف إلى محاربة ما يسمى بالإرهاب والدول المارقة وأسلحة الدمار الشامل وتهديد الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية أي أن أمريكا باسم الناتو أكدت السياسة التي اتبعتها منذ بداية هذا القرن وخاصة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر/2001 وقد عارضتها بعض الدول منها فرنسا وألمانيا بداية الأمر، وبطبيعة الحال روسيا كذلك، ولكن قمة لشبونة احتوت موقف فرنسا وألمانيا، وخففت موقف روسيا، وهذا يعتبر نجاحا لأمريكا وتخويلا لها في أن تستمر في سياستها العدوانية. فسياسة أمريكا على عهد بوش كانت بدون أخذ موافقة الآخرين ولكن سياستها الحالية على عهد أوباما، هي امتداد لسياستها على عهد سلفه، ولكنها تسير بأخذ موافقة الآخرين.
4- أما الخطة الجديدة والاستراتيجية الجديدة القائلة بتوسيع صلاحيات الناتو وتوسيع مجاله، فإنها تديم استمرار وجود الناتو الذي كان يجب أن يُلغى بعد انعدام السبب الذي أقيم من أجله هذا الحلف وهو سقوط الاتحاد السوفياتي والشيوعية وحلف وارسو، فتديم استمراره باختلاق أعداء جدد واصطناع أعمال تهدد دول الناتو. ومع أن القمة لم تصرح بالعدو المفترض لحلف الناتو، ولا المقصود من الدرع الصاروخي بشكل محدد، إلا أن البحث في جعل الدرع الصاروخي في تركيا يُظهر أن المقصود هو المنطقة الإسلامية لمنع حصولها على أسباب القوة أو إقامة الخلافة فيها، ما يُبين مدى الحقد الذي يحمله الكفار المستعمرون تجاه الإسلام والمسلمين، وكذلك يكشف مدى الجريمة التي يرتكبها حكام تركيا عندما تكون تركيا محط الدرع الصاروخي!
5- والخلاصة هي أن أمريكا في هذه القمة قد استطاعت أن تفرض هيمنتها على دول الناتو وتملي عليها إرادتها، وخاصة على أوروبا الغربية لتجعلها تحت حمايتها والحيلولة دون استقلالها عنها وتشكيل قوة مستقلة لها. وخففت من معارضة روسيا لخططها، فلم تقف دولة من الدول الكبرى في وجهها وتنغص عليها أو تخربط عليها الأمور أو تخلط الاوراق من جديد. فتكون أمريكا بهذه القمة قد عززت وضعها الدولي الذي اهتز على إثر الأزمة المالية وعلى إثر انتكاساتها في العراق وأفغانستان. هذا بالإضافة إلى أن توسيع صلاحيات الحلف والبحث في أن تكون تركيا مكاناً للدرع الصاروخي قد كشف مدى خطورة هذه القمة على الإسلام والمسلمين، والواجب أن يدرك المسلمون هذا الخطر ويقطعوا دابره بالعمل الجاد المجد لإقامة الخلافة التي ترد كيد الكفار المستعمرين إلى نحورهم، وتجعل تدبيرهم في تدميرهم، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.