- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال
زيارة بلينكن للصين
السؤال:
نشرت شبكة التلفزيون الصيني العالمية CGTN)) في 2023/6/30: (انتقدت وزارة الخارجية الصينية الولايات المتحدة لإدلائها بتصريحات غير مسؤولة حول العلاقات الثنائية. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مقابلة في وقت سابق إن واشنطن ستواصل الدفاع عن مصالحها الخاصة، وستستمر في القيام بأفعال والإدلاء بتصريحات لا تحبها الصين بغض النظر عن الخلافات بين الجانبين. واعترضت وزارة الخارجية الصينية هذه التصريحات..) علماً بأن (العربية) كانت قد نشرت قبل أسبوع من ذلك في 2023/6/23: (وأحد التوقعات من زيارة بلينكن أن تقوم وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين بزيارة رسمية للصين قريباً. وقد تذهب وزيرة التجارة جينا ريموندو، وأيضاً جون كيري "مبعوث بايدن المعني بالمناخ" في زيارات أيضاً... ومن المحتمل أيضاً أن يزور الرئيس شي "سان فرانسيسكو" في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل لحضور اجتماع التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، حيث قد يجتمع مع بايدن).
فكان المتوقع أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة بعد زيارة بلينكن للصين في 18-19من شهر 2023/06م أن تكون علاقات تهدئة لا أن تعود الأوضاع للتوتر من جديد! فهل زيارة بلينكن للصين لم تكن منتجة أم أنها كانت شكلية فحسب؟ والمعذرة عن طول السؤال.. وجزاك الله خيرا.
الجواب:
لكي يتضح الجواب نستعرض الأمور التالية:
أولاً: خلفية الأوضاع بالنسبة لزيارة بلينكن للصين:
1- إن أوضاع العلاقات بين أمريكا والصين هي أوضاع متوترة بقدر ما. ذلك على الأقل منذ الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فقد وضعت الحكومة الأمريكية قيودا مختلفة على تجارة ومنتجات الصين، وفرضت رسوماً جمركية عالية على بعض السلع الصينية، كما فرضت عقوبات على شركات صينية من مثل هواوي ورؤسائها. وهذه السياسة لم تبطلها حكومة بايدن. وقد ردت حكومة الصين بسياسة مماثلة. وهذه وحدها كافية لإيجاد التوتر في العلاقات بين الدولتين.
2- لقد عمل الصينيون طويلا على أن يصبحوا مستقلين في مجال التكنولوجيا بموجب خطة الصين 2025، وزاد من ذلك أن الطريقة التي تعامل بها الأمريكيون مع شركة هواوي وغيرها من الشركات الصينية أوجدت توتراً جعل الصين تخطط لبناء رقائق السيليكون الخاصة بها. ويتوقع المحللون الأمريكيون أن الصين ستحقق خلال خمس إلى سبع سنوات استقلالاً في صناعة الرقائق... وكل هذا يولد تنافساً أقرب إلى التصادم بين الدولتين.
3- وعلى الصعيد العسكري والأمني، فإنه في شباط/فبراير الماضي، تم تحليق ما يشتبه في أنه منطاد تجسس صيني في المجال الجوي الأمريكي، ومع أن الصين نفت ذلك إلا أن هذا الأمر قد تسبب في إلغاء زيارة بلينكن لبكين التي كان مخططاً لها أن تتم في شباط/فبراير الماضي... ثم كانت مناورات من السفن الحربية الصينية في مضيق تايوان، وردت أمريكا بمناورة للمدمرة الأمريكية في مضيق تايوان في الشهر الماضي معتبرة بحر الصين الجنوبي مياهاً دولية حرة... وفي الشهر الأخير اقتربت طائرة حربية صينية من طائرات أمريكية، ومن ثم توترت الأجواء بين الدولتين... وهكذا لم تتم زيارة بلينكن حينها...
4- إن أمريكا عقدت اتفاقيات عسكرية وأمنية متعددة لمضايقة الصين، وقد اتخذت إدارة بايدن سلسلة من السياسات في هذه الاتجاهات، ويشمل ذلك المبادرات التي تهدف إلى مواجهة الصين عسكريا، ولا سيما اتفاقية أوكوس AUKUS مع أستراليا والمملكة المتحدة، والحوار الأمني الرباعي "كواد" مع أستراليا والهند واليابان، فضلا عن محاولات توسيع دور الناتو في آسيا، وعقدت أمريكا مع الفلبين معاهدة لاستخدام خمس قواعد عسكرية إضافية لتصبح تسع قواعد في الفلبين، وغير ذلك.
ثانياً: أما زيارة بلينكن للصين فهي لم تكن شكلية بل كانت لها أهداف:
1- محاولة تخفيف التوتر الناتج عن الأمور السابقة، فقد صدر بيان الخارجية الأمريكية يوضح أن الهدف من هذه الزيارة هو إعادة فتح قناة الاتصال بين الدولتين لإيجاد التفاهم بينهما، وقناة اتصالات بين العسكريين، وفتح المجال لمزيد من التعاون وتقويته بين الدولتين... ويتبين أيضا من البيان أن زيارة بلينكن حققت أهدافا لكنها لم تنجح في تحقيق الاتصال بين العسكريين...
2- نشرت صحيفة الشرق الأوسط في 19 حزيران/يونيو 2023: (وعلى الرغم من اللغة الإيجابية التي استخدمها الزعيم الصيني، تعبيراً عن رضاه بعد اجتماع استمر 35 دقيقة مع بلينكن، فقد أوضح الأخير أن بكين رفضت معاودة فتح القنوات العسكرية مع واشنطن، علماً بأن هذه المسألة تُشكل أولوية لدى إدارة الرئيس جو بايدن، وهي كانت من الأهداف الرئيسية لهذه الزيارة. ومع ذلك، كان الاجتماع الذي عقد في قاعة الشعب الكبرى بمثابة إشارة إلى أن البلدين لا يريدان وصول علاقاتهما إلى عداء صريح، وأنهما يدركان أن تنافسهما وجهودهما الدبلوماسية ينطويان على مخاطر هائلة).
3- وأضافت الصحيفة، (بعد يومين من الاجتماعات مع المسؤولين الصينيين الكبار، قال بلينكن إن الولايات المتحدة وضعت أهدافاً محددة للرحلة وحققتها، لافتاً إلى أنه أثار موضوع الاتصالات العسكرية "بشكل متكرر". وأضاف "من الضروري للغاية أن تكون لدينا هذه الأنواع من الاتصالات (...) هذا أمر سنواصل العمل عليه"، في جهد بدأ منذ عام 2021 حين رفضت الصين أكثر من عشرة طلبات من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لإجراء حوارات رفيعة المستوى مع الجانب الصيني. ومع ذلك، وصف بلينكن مناقشاته السابقة مع كبار المسؤولين الصينيين بأنها "صريحة وبناءة")... صحيفة الشرق الأوسط، 2023/6/19).
4- وهكذا فقد كانت إحدى القضايا الرئيسية التي لم يتم حلها هي استعادة الاتصالات العسكرية بين الولايات المتحدة والصين. ولا تزال الاتصالات بين كبار المسؤولين العسكريين بين البلدين مجمدة، وأثار حادثان أخيران مخاوف من أن العلاقة المشحونة قد تتحول إلى صراع. فقد رفضت الصين مؤخراً اجتماعاً بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الدفاع الصيني لي شانجفو في سنغافورة... وقال بلينكن إنه على الرغم من أنه أثار الحاجة إلى مثل هذه القنوات "بشكل متكرر" في اجتماعاته، إلا أنه "لم يكن هناك تقدم فوري". وأضاف "في هذه اللحظة، لم توافق الصين على المضي قدما في ذلك. أعتقد أن هذه مشكلة يجب أن نواصل العمل عليها". وقال "من المهم جداً أن نستعيد تلك القنوات" (سي إن إن، 2023/6/19).
5- ولا شك أن زيارة بلينكن حققت تقدما بقدر ما. ولكن كما قال بلينكن إن التقدم لم يكن سهلاً. وقال بلينكن قبل مغادرة الصين: ("كانت العلاقة في مرحلة عدم الاستقرار، وأدرك الجانبان الحاجة إلى العمل على استقرارها". وأضاف "لكن التقدم صعب. يستغرق وقتاً. وهو ليس نتاج زيارة واحدة، أو رحلة واحدة، أو محادثة واحدة. أملي وتوقعي هو: سيكون لدينا اتصالات أفضل، ومشاركة أفضل في المستقبل"... وأضاف "كان المسؤولون الأمريكيون يقللون من أهمية احتمالية حدوث اختراق كبير، لكنهم يأملون أن تمهد زيارة بلينكن الطريق لمزيد من الاجتماعات الثنائية، بما في ذلك الرحلات المحتملة لوزيرة الخزانة جانيت يلين ووزيرة التجارة جينا ريموندو". كان من المأمول أن يمهد ذلك الطريق لعقد قمة بين شي جين بينغ وبايدن في وقت لاحق من هذا العام"... رويترز، 2023/6/20).
6- أما في موضوع حرب أوكرانيا، فقد نشرت الجزيرة نت (ورحّب بلينكن باقتراحات الصين من أجل إحلال سلام دائم في أوكرانيا، وقال إن الصين أكدت عدم تقديمها أي دعم لروسيا في حربها على أوكرانيا، مشيرا مع ذلك إلى تخوفه "من تورط شركات صينية في ذلك"... الجزيرة نت، 2023/6/19). وقال بلينكن (إن الصين أكدت للولايات المتحدة ودول أخرى أنها لن تقدم مساعدات فتاكة لروسيا و"لم نر أي دليل يتعارض مع ذلك"، على الرغم من أنه أشار إلى أن تطمينات الصين تتماشى مع التصريحات المتكررة التي صدرت في الأسابيع الأخيرة... سي إن إن، 2023/6/19).
7- وفي موضوع تايوان، نشرت صحيفة الشرق الأوسط أن الوزير الصيني (شدَّد مجدداً على موقف بلاده حول ملف تايوان، وحيال ما تعتبره بكين تقارباً متواصلاً في السنوات الأخيرة بين واشنطن والسلطات التايوانية المنبثقة عن حزب مؤيد لاستقلال هذه الجزيرة. وقال تشين غانغ، على ما أفادت وزارته: "مسألة تايوان هي في صلب مصالح الصين الجوهرية، والمسألة الأهم في العلاقات الصينية الأمريكية والخطر الأكبر". وشدَّد على أن "الصين تحض الولايات المتحدة على احترام مبدأ الصين واحدة"؛ أي عدم إقامة علاقات رسمية مع تايوان، "واحترام التزامها عدم دعم الانفصاليين التايوانيين". من جهته، أكد كبير مسؤولي الشؤون الخارجية الصيني وانغ يي، لوزير الخارجية الأمريكي، أن بلاده لن تقدم "أي تنازلات" بشأن تايوان"... الشرق الأوسط، 2023/6/19). ومن جانبه، قال بلينكن (إن بلاده لا تدعم استقلال تايوان، وتتوقع حلا سلميا للقضية، مشيرا إلى أن اتفاقهم مع الصين "مبني على انتهاج حل سلمي بشأن أي خلافات تتعلق بتايوان، ونحن ندعم الصين واحدة"... الجزيرة نت، 2023/6/19). وقد نقل موقع بي بي سي قول بلينكن (إن هناك قلقاً متزايداً بشأن "الأعمال الاستفزازية" للصين في مضيق تايوان، لكنه يكرر أن الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان. ويقول إنه إذا كانت هناك أزمة بشأن تايوان، فمن المحتمل أن "يؤدي ذلك إلى أزمة اقتصادية يمكن أن تؤثر على العالم بأسره". وأَوْضح أن 50٪ من حركة الحاويات التجارية تمر عبر مضيق تايوان كل يوم. و70٪ من صادرات أشباه الموصلات (semi conductor) مصنوعة في تايوان... بي بي سي، 2023/6/19).
ثالثاً: ومن ذلك كله يتبين ما يلي:
1- لا يوجد تغير في الموقف الأمريكي تجاه تايوان... فالولايات المتحدة لم تعترف باستقلال تايوان (علما بأنه يوجد نحو 15 دولة تعترف باستقلال تايوان رسميا بما فيها الفاتيكان). وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقرر الاعتراف باستقلال تايوان رسميا، إلا أنها تعامل تايوان بوصفها دولة مستقلة بدليل أنه يوجد مكتب أمريكي في تايبيه يعمل كسفارة أمريكية، وعقدت أمريكا اتفاقيات دفاعية مع تايوان وتزودها بأنواع الأسلحة المتطورة، وغير ذلك من المساعدات. وتصرح أمريكا بالدفاع عن تايوان في حال نشوب هجوم عسكري عليها من الصين، وقد أكد بايدن ذلك في أيار/مايو من العام الماضي، فقد حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن من (أن الصين تلعب بالنار في مسألة تايوان وتعهد بالتدخل عسكرياً لحماية الجزيرة إذا تعرضت لهجوم... بي بي سي 2022/5/23).
2- إن هذه الزيارة و"نتائجها" ليست كافية لتهدئة الأجواء بين البلدين ولكنها قد تكون فاتحة مؤقتة لباب التهدئة بينهما ومقدمة لزيارات أخرى... وكما جاء في السؤال فإن أحد التوقعات من زيارة بلينكن (أن تقوم وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين بزيارة رسمية للصين قريباً. وقد تذهب وزيرة التجارة جينا ريموندو، وأيضاً جون كيري (مبعوث بايدن المعني بالمناخ)، في زيارات أيضاً، نظراً لأن كليهما مسؤول عن القضايا التي تربط بين الصين والولايات المتحدة في مصالح مشتركة للتعاون. ومن المحتمل أيضاً أن يزور الرئيس شي "سان فرانسيسكو" في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل لحضور اجتماع التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، حيث قد يجتمع مع بايدن). ولكن لا يعني ذلك أن باب التوتر بين البلدين قد أغلق وفتح باب جديد من التهدئة الدائمة بين الدولتين فهذا مستبعد لأن مصالحهما مختلفة...
فحلفاء أمريكا حول الصين كاليابان وكوريا الجنوبية والفلبين ثم مسألة تايوان... كل ذلك سيحول دون إغلاق باب التوتر بل سيبقى (موارباً) ليفتح من جديد حسب مصالح الدولتين...
3- لكن من الأهداف المهمة لهذه الزيارة التي لم تتحقق هو أن أمريكا كانت تريد فتح قناة اتصال بين العسكريين الصينيين والأمريكان، وذلك لأغراض أشبه بالتجسس! وكأن الصين أدركت ذلك فرفضت هذه القنوات رفضاً قاطعاً وهذا ما أغضب بلينكن حتى وإن لم يُظهره بشكل صريح ولكنه كان يشع في كلامه وتصريحاته كما بيناه أعلاه وأعود للتذكير بها:
* (وعلى الرغم من اللغة الإيجابية التي استخدمها الزعيم الصيني، تعبيراً عن رضاه بعد اجتماع استمر 35 دقيقة مع بلينكن، أوضح الأخير أن بكين رفضت معاودة فتح القنوات العسكرية مع واشنطن، علماً بأن هذه المسألة تُشكل أولوية لدى إدارة الرئيس جو بايدن، وهي كانت من الأهداف الرئيسية لهذه الزيارة).
* (بعد يومين من الاجتماعات مع المسؤولين الصينيين الكبار، قال بلينكن إن الولايات المتحدة وضعت أهدافاً محددة للرحلة وحققتها، لافتاً إلى أنه أثار موضوع الاتصالات العسكرية "بشكل متكرر". وأضاف "من الضروري للغاية أن تكون لدينا هذه الأنواع من الاتصالات (...) هذا أمر سنواصل العمل عليه").
* (وأثار حادثان أخيران مخاوف من أن العلاقة المشحونة قد تتحول إلى صراع. فقد رفضت الصين مؤخراً اجتماعاً بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الدفاع الصيني لي شانجفو في سنغافورة.. وقال بلينكن إنه على الرغم من أنه أثار الحاجة إلى مثل هذه القنوات "بشكل متكرر" في اجتماعاته، إلا أنه "لم يكن هناك تقدم فوري". وأضاف "في هذه اللحظة، لم توافق الصين على المضي قدما في ذلك. أعتقد أن هذه مشكلة يجب أن نواصل العمل عليها". وقال "من المهم جدا أن نستعيد تلك القنوات").
4- ولعل هذه المواقف من الصين بقيت عالقة في ذهن بلينكن لأنه لم يستطع إنجاز الاتصالات العسكرية فكانت تصريحاته الأخيرة التي وردت في السؤال... وكذلك التي نقلها موقع سبأ في 2023/6/29: (ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا" عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ رداً على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قولها: "ليس سراً أن هناك خلافات بين الولايات المتحدة والصين".. وأضافت: إن "ما قالته الولايات المتحدة وما فعلته ينتهك القواعد الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية".. مشددة على معارضة بلادها لهذا الأمر..) وصدق القوي العزيز: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُون﴾.
الخامس عشر من ذي الحجة 1444هـ
2023/7/3م