- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال
المستجدات السياسية في إندونيسيا
السؤال: أدى الجنرال السابق برابوو سوبيانتو (73 عاما) في 2024/10/20 اليمين الدستورية رئيسا جديدا لإندونيسيا أمام البرلمان، وذلك بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في شباط/فبراير الماضي وإعلان فوزه في 2024/3/20 ولم تتأخر أمريكا في تهنئته.. فبعث وزير خارجيتها بلينكن تهنئته، وقال ("تنظر واشنطن إلى تعاون وثيق مع برابوو".. الجزيرة، 2024/3/20)، وكذلك سارع لزيارة الصين في 2024/4/1 حتى قبل تنصيبه! أي وهو رئيس منتخب لم يتسلم صلاحياته حينها، وعقد لقاء مع رئيسها شي وقال: ("إنه يدعم بصورة كاملة تطوير علاقات أوثق بين إندونيسيا والصين، ويرغب في مواصلة سياسة الصداقة التي انتهجها الرئيس جوكو مع الصين"... رويترز، 2024/4/1).
والسؤال الآن: هل لهذه التهنئة المتسارعة من أمريكا.. والزيارة المتسارعة للصين.. هل لهما دلالة على العلاقة الإندونيسية مع أمريكا وكذلك مع الصين؟ وبعبارة أخرى هل سيجري تغيير في سياسة إندونيسيا بالنسبة لأمريكا؟ وكيف ستسير سياستها تجاه الصين؟ ثم ما هي سياستها تجاه عدوان يهود على غزة؟
الجواب: حتى يتضح الجواب نستعرض الأمور التالية:
أولاً: السياسة الأمريكية وإندونيسيا:
1- بدأت أمريكا بالعمل على أن تحل محل الاستعمار الهولندي بعدما تحررت منه إندونيسيا عام 1949، وذلك عن طريق تقديم المساعدات والقروض، ولكن إندونيسيا رفضت ذلك، لأنها أدركت أنها وسيلة للهيمنة وبسط النفوذ، فلا تريد أن تتخلص من استعمار هولندا لتدخل تحت استعمار أمريكا بشكل آخر، فمارست أمريكا عليها الضغوطات وأثارت لها القلاقل والاضطرابات، ومن ثم خضع رئيسها أحمد سوكارنو، فقبل المساعدات والقروض الأمريكية عام 1958، وبدأت أمريكا تنفذ إلى البلاد وتبحث عن المزيد من العملاء، فتمكنت من كسب عملاء جدد في الجيش على رأسهم محمد سوهارتو الذي قام بانقلاب عسكري عام 1966 على أحمد سوكارنو. وقد عملت أمريكا على تقوية نفوذه بمساعدته للقضاء على الشيوعيين، ومن ثم ساعدته لتخليص تيمور الشرقية من المستعمرين البرتغاليين عام 1975. ولكنها عندما أرادت أن تفصل تيمور الشرقية عن إندونيسيا ماطل سوهارتو بتنفيذ مطلبها. فأثارت له أمريكا المشاكل الاقتصادية، وقد لعبت أدواتها المالية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي دورا مهما في جعل الأوضاع تتأزم ومن ثم تندلع الاحتجاجات الطلابية وأعمال شغب حتى اضطرت سوهارتو إلى أن يعلن استقالته عام 1998. فرمت به أمريكا بواد سحيق كما ترمي بأي عميل يتأخر في تنفيذ مشاريعها أو عندما تنتهي صلاحياته!
2- ومن بعد سوهارتو تولى نائبه يوسف حبيبي رئاسة البلاد لمدة عام ونيف بين عامي 1998 و1999، وقد لبى طلبات أمريكا بالموافقة على إجراء استفتاء حق تقرير المصير لتيمور الشرقية تمهيدا لانفصالها عن البلاد، وتعهد بعدم المطالبة بها، ووضع نظام الانتخابات تحت مسمى التحول الديمقراطي. ومن ثم تولى عبد الرحمن وحيد الحكم لنحو سنتين بين عامي 1999 و2001 وقد أقاله البرلمان بتهم الفساد. وعين مكانه ميغاواتي سوكارنو ابنة أحمد سوكارنو أول رئيس لإندونيسيا وشغلت منصب الرئاسة بين عامي 2001 و2004، وتم في عهدها إعلان فصل تيمور الشرقية عن إندونيسيا عام 2002 لترتكب الخيانة كمن سبقها!
3- وقد جرت انتخابات رئاسية مباشرة في البلاد حسب التعديلات الجديدة ويتولى الرئيس فترتين على الأكثر إذا أعيد انتخابه كل واحدة تستمر 5 سنوات، فانتخب يودويونو من عام 2004 إلى عام 2014. وفي تلك السنة جرت انتخابات رئاسية فاز فيها جوكو ويدودو، ومن ثم جرى انتخابه للمرة الثانية عام 2019 وانتهت ولايته في شهر تشرين الأول 2024. فقد حرص ويدودو على استمرار تبعية النظام الإندونيسي لأمريكا، وفي زيارته الأخيرة لأمريكا ولقائه رئيسها جو بايدن يوم 2023/11/13 اتفق معه على تعزيز الشراكة الاستراتيجية وتعزيز مركزية رابطة دول جنوب شرق آسيا واختصارها "آسيان"، حيث تحاول أمريكا السيطرة على القرار في هذه الرابطة التي فيها دول عديدة ليست كلها تحت هيمنتها، فتعمل على استخدام إندونيسيا لتحقيق هذا الغرض حتى تتمكن من استخدامها للوقوف في وجه الصين أو التأثير عليها، وذلك لمنعها من فرض هيمنتها على منطقة بحر الصين الجنوبي. وقد أشار وزير خارجية أمريكا بلينكن عندما بعث تهنئة بمناسبة استقلال إندونيسيا يوم 2024/8/17 فقال "في خطوة تاريخية جديدة في علاقاتنا التاريخية، عمل الرئيس جوكو ويدودو والرئيس الأمريكي جو بايدن على رفع مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة وإندونيسيا إلى شراكة استراتيجية شاملة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي" (اليوم السابع 2024/8/17)
4- وقد أعلن عن فوز برابوو سوبيانتو "وهو صهر الرئيس السابق محمد سوهارتو" ونائبه جبران ابن الرئيس المنتهية ولايته جوكو ويدودو في الجولة الأولى من الانتخابات التي جرت يوم 2024/2/14 بنسبة 58,58%. علما أن جبران لا يحق له الترشح لنائب الرئيس لكون عمره 36 عاما، حيث تمنع القوانين ترشح الأشخاص للمناصب العليا مثل الرئيس ونائبه دون عمر 40 عاما. ولكن رئيس السلطة القضائية الإندونيسية وهو صهر الرئيس ويدودو أجرى تعديلا قبل الانتخابات سمح بموجبه لمن دون الأربعين الترشح لمثل هذه المناصب. وكان الرئيس ويدودو نفسه يفكر في كيفية تمديد ولايته إلا أنه لم يتمكن من ذلك فعقد صفقة مع برابوو لتأييده بأن يجعل ابنه جبران نائبا للرئيس. ولقد دعمت الدولة بشكل ظاهر وبكل أجهزتها ابتداء بالرئيس ويدودو إلى الجيش والمخابرات والشرطة انتخاب برابوو، ولم تعترض أمريكا على ذلك كعادتها في مثل هذه الحالات. ويذكر أن زملاءه الضباط في الجيش كانوا يلقبونه بفتى أمريكا، وقد تدرب هناك، في فورت بينينغ بولاية جورجيا الأمريكية، وفي فورت براغ بولاية كارولينا الشمالية الأمريكية. ولم تتأخر أمريكا في المباركة بفوزه عندما أعلن رسميا عن فوزه يوم 2024/3/20. فبعث وزير خارجيتها بلينكن تهنئته، وقال "تنظر واشنطن إلى تعاون وثيق مع برابوو" (الجزيرة 2024/3/20) ما يؤكد ولاءه لها وتعزيز هذا الولاء!
5- وأعلن عن تعيين برابوو رسميا وعن أدائه اليمين الدستوري ومن ثم تشكيله حكومة جديدة يوم 2024/10/20. وبقي خلال الفترة الانتقالية من فوزه في الانتخابات حتى تنصيبه رئيساً أي نحو سبعة أشهر يشغل منصبه السابق كوزير للدفاع في عهد سلفه ويديدو.. وقد أجرت أمريكا خلال هذه الفترة مناورات ضخمة مع إندونيسيا في منطقة سيداوارغو بجزيرة جاوة التي تقع ضمن بحر الصين الجنوبي، يوم 2024/8/26 استمرت مدة أسبوعين. وشاركت فيها اليابان وتايلاند وبريطانيا وسنغافورة وفرنسا وكندا ونيوزلندا. وكذلك قام بالعديد من الزيارات الخارجية ومنها إلى أمريكا حيث التقى وزير دفاعها أوستن في البنتاغون. وقالت السفيرة الأمريكية لدى إندونيسيا كمالا شيرين الخضير ("إن علاقة بلادها مع الرئيس الإندونيسي الجديد تمتد إلى سنوات حتى قبل أن يتقلد منصبه وزيرا للدفاع عام 2019"... الجزيرة 2024/10/20)، أي أثناء ما كان ضابطا في الجيش حيث تدرب في قواعدها وعلى يد ضباطها، وأثناء توليه قيادة الجيش على عهد سوهارتو.. وكذلك نشر موقع VOI - Voice of Indonesia في 2024/10/29 أي بعد تنصيب برابوو بأيام:
(بحث وزير الدفاع الإندونيسي، شفري شمس الدين، والسفيرة الأمريكية لدى إندونيسيا، كامالا شيرين لخضر، فرص التعاون الدفاعي بين البلدين، بما في ذلك الأمن البحري. فقد صرح رئيس مكتب العلاقات العامة بالأمانة العامة لوزارة الدفاع الإندونيسية، العميد إدوين أدريان سومانتا، يوم الاثنين، أن السفيرة الأمريكية أعربت إلى وزير الدفاع الإندونيسي عن رغبة الولايات المتحدة في زيادة التعاون في مجال الأمن البحري. في اجتماع بمكتب وزارة الدفاع الإندونيسية، أعربت أيضا السفيرة الأمريكية عن رغبة بلادها في مواصلة مناورات درع سوبر جارودا التي تقام حاليا بشكل روتيني مرة واحدة سنويا في إندونيسيا. وفي الاجتماع، شكر شفري السفيرة كمالا على زيارتها وأعرب عن التزام إندونيسيا بتعزيز الشراكة التي تم تأسيسها بين البلدين).
وبتدبر ما سبق يتبين أن الرئيس الإندونيسي الجديد برابوو منذ إعلان فوزه في الانتخابات في 2024/3/20 وحتى تنصيبه في 2024/10/20، وأيضاً بعد ذلك.. هو يسير على نهج من سبقوه، بل ازداد التصاقاً بأمريكا، وأن نفوذها ما زال هو المستحكم في إندونيسيا!!
ثانياً: سياسة الصين مع إندونيسيا:
1- قام برابوو بزيارة للصين يوم 2024/4/1 كرئيس منتخب وإن لم يتسلم صلاحياته حينها، وعقد لقاء مع رئيسها شي وقال: "إنه يدعم بصورة كاملة تطوير علاقات أوثق بين إندونيسيا والصين، ويرغب في مواصلة سياسة الصداقة التي انتهجها الرئيس جوكو مع الصين" بينما قال شي: "إن بكين تنظر إلى علاقاتها مع إندونيسيا من منطلق استراتيجي وطويل الأجل، وتستعد لتعميق التعاون الاستراتيجي الشامل"... رويترز، 2024/4/1). علما أن للصين نشاطاً اقتصادياً كبيراً في إندونيسيا على مستوى العلاقات التجارية وعلى مستوى الاستثمار، والدولتان عضوان في منظمة آسيان.. وهذا يتطلب التعامل بينهما بحيث لا تقف إندونيسيا في موقف المعادي للصين وهي تحتفظ بتبعيتها للسياسة الأمريكية كما بيناه أعلاه.
2- نشرت الجريدة الكويتية على موقعها في 2024/11/9: (الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الإندونيسي برابو سوبيانتو يتصافحان خلال حفل التوقيع في قاعة الشعب الكبرى في بكين في أول محطة خارجية له، منذ أن تولى منصبه قبل ثلاثة أسابيع، التقى الرئيس الإندونيسي برابو سوبيانتو نظيره الصيني شي جينبينغ في بكين، وتعهد بالحفاظ على علاقات وثيقة مع الصين، الشريك التجاري الأول لإندونيسيا، وواحدة من أهم المستثمرين الأجانب فيها. وقال سوبيانتو، الجنرال السابق البالغ 73 عاماً، خلال لقاء شي، "تنظر إندونيسيا إلى الصين، ليس فقط كقوة عظمى، لكن كحضارة عظيمة"، مضيفاً أن الدولتين لديهما علاقات وثيقة منذ قرون"، "وبالتالي أعتقد أنه من الطبيعي فحسب الآن في الوضع الحالي، الجيوسياسي والجغرافي الاقتصادي، أن تصبح إندونيسيا والصين شريكتين وثيقتين جداً في الكثير جدا من المجالات". وتعهد شي بدعم إدارة سوبيانتو وشكره لزيارته الصين أولاً، قائلاً إنه يؤمن بأن "إندونيسيا ستلتزم بمسار تنمية مستقل، وستواصل إحراز إنجازات جديدة في رحلة تحقيق الرخاء الوطني والتجديد الوطني، وستلعب دورا مهما على الصعيدين الإقليمي والدولي". وتعد الصين وإندونيسيا حليفين اقتصاديين رئيسيين، لكن البلدين دخلا في مشادات كلامية بشأن الأحقية بالسيادة في بحر الصين الجنوبي، ومن المقرر أن يتوجه سوبيانتو بعد يكين إلى واشنطن، تلبية لدعوة من الرئيس الأمريكي جو بايدن، في إطار جولة دولية تشمل أيضاً البيرو والبرازيل وبريطانيا...).
وبتدبر ذلك يتبين أن العلاقة بين إندونيسيا والصين لا تتجاوز النواحي التجارية التي لا تؤثر في النفوذ السياسي لأمريكا في إندونيسيا.. فالنواحي التجارية هي الأساس فإذا انتقلت إلى النفوذ والسيادة وبحر الصين الجنوبي دخلا في مشادات!
ثالثاً: سياسة إندونيسيا تجاه قضايا المسلمين
1- إنه من المعلوم أن إندونيسيا بلد إسلامي عريق، إذ بدأ أهلها يدخلون في الإسلام منذ القرن الأول الهجري، فتعداده البشري يقترب من 300 مليون نسمة، أكثريتهم مسلمون تصل نسبتهم إلى 90%، ومساحته كبيرة تصل إلى أكثر من 1,9 مليون كم2، وهو غني بثرواته ومواده الخام، فلديه إمكانية أن يصبح دولة كبرى إذا وضع مشروع الدستور الإسلامي محل التطبيق فيه وتولت حكمه قيادة إسلامية سياسية واعية.
2- وأما سياسة الرئيس الجديد الخارجية تجاه قضايا المسلمين، فإنها على شاكلة سلفه يتبنى وجهة النظر الأمريكية. فقد صرح برابوو يوم 2024/6/1 في كلمة خلال قمة حوار شانغريلا أكبر منتدى أمني في آسيا والذي يعقد في سنغافورة فقال: ("إن مقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن ذي المراحل الثلاث بخصوص وقف إطلاق النار في غزة خطوة في الاتجاه الصحيح" وأضاف: "عندما تقضي الحاجة وعندما تطلب الأمم المتحدة ذلك، نحن على استعداد للمشاركة بقوات حفظ سلام كبيرة للحفاظ على وقف إطلاق النار ومراقبته، وكذلك توفير الحماية والأمن لجميع الأطراف وجميع الجوانب" ودعا "إلى حل عادل للوضع في فلسطين" وقال "وهذا يعني أن الحقوق في الوجود ليست لإسرائيل فحسب، بل يعني أيضا حقوق الشعب الفلسطيني في أن يكون له وطنه ودولته وأن يعيش في سلام"... رويترز، 2024/6/1). علما أن الواجب عليه أن يقوم وينصر أهل غزة فيرسل قوات وأسلحة كافية لردع العدو المتوحش الذي يمعن فيهم بالقتل، خاصة وأن هذا العدو يتقصد الأطفال والنساء والرجال العزل والأهداف المدنية من منازل ومدارس ومستشفيات. وكل مساعدة إندونيسيا لأهل غزة هي بناء المستشفى الإندونيسي، وقد دمره كيان يهود عدو الإسلام والمسلمين الذي تدعمه أمريكا وترسل له من وراء البحار الأسلحة الفتاكة والمعدات والمساعدات بدون توقف.. ومع كل هذا فإن الرئيس الجديد برابوو يعزز علاقاته بأمريكا أكثر ويلتصق بها أكثر ويلبي مطالبها بسبب علاقاته القديمة معها ودعمها له.
رابعاً: وبهذه العقليات السياسية التي تتولى الحكم في إندونيسيا وتوالي أمريكا، تضيع الفرصة على البلاد لأن تصبح دولة كبرى فيما لو تولت الحكم فيها قيادات سياسية إسلامية واعية مخلصة تطبق الدستور الإسلامي المنبثق من عقيدة أهل البلاد ودينهم الإسلام الحنيف، ومن ثم تعمل على توحيد البلاد الإسلامية وخاصة المجاورة لها كماليزيا لتكون نقطة ارتكاز لدولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
التاسع من جمادى الأولى 1446هـ
الموافق 2024/11/11م