- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
العقدة الكبرى والعقد الصغرى
الحلقة الثالثة والأربعون
تاسع عشرَ: عقدة النظرة الخاطئة إلى المرأة
لقد زَيَّنَ اللهُ سبحانه وتعالى للإنسان حبَّ نوعِه الآخر، وجعلَ هذا الحبَّ دافعاً لحفظ النوع البشريّ واستمرارِه، فوجدتْ في الإنسانِ غريزةُ النوع، التي تدفعُه بمظاهرها المتعددة إلى حفظ نوعه، فكان من مظاهرها الميلُ الجنسيّ نحو النوع الآخر، وكان من مظاهرها العطف والحنان، مشاعر الأبوة والبنوة والأخوة، ولكن الدافع وحدَه لا يحدد السلوك الصحيح للإشباع، فلا بد من مفهوم يتحكم بالسلوك ليحددَ الإشباعَ الصحيح.
فلما تعدّدت مشاربُ الناس في استقاء المفاهيم، تعددت النظراتُ، وتعددت السلوكات والتصرفات، ووقع الناس في عقدة النظرة إلى النوع الآخر فوقعوا في القلقِ والاضطرابِ، ووقعوا في السلوك الخاطئ، والإشباعِ الخاطئ والشاذّ، فوقعوا في الشقاء.
ونظراً لسيادةِ شريعةِ الغابِ بين البشر في حال غياب شرعِ الله، فإن منطقَ القوةِ هو الذي فرضَ نفسه، ومنطق القوة هذا جعل من الرجلِ سيداً، ومن المرأة أمةً وخادمةً.
وكذلك فإنّ تخصيصَ كل واحدٍ منهما بوظيفة دون الآخر، جعلَ بعضَ الناس يقعون في الخلط، فظنوا أن تخصيص الوظيفة ينقصُ القدرَ، أو يهضمُ الحق، فبنيت نظرتهم على هذا الوهم، فوقعوا في الظلم، ووقعوا في الشقاء.
إن النظرةَ الصحيحةَ للنوع الآخر لا بدّ أن تنبثقَ من الحلِّ الصحيح للعقدة الكبرى، من العقيدةِ الإسلامية، ولا يمكن أن يعيشَ كلٌّ من الذكرِ والأنثى حياةً سليمة نقيةً بدون هذه النظرة، قال الله سبحانه وتعالى عن كلٍّ من الذكرِ والأنثى: (بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) فكل رجلٍ جاء من رجلٍ وامرأة، وكل امرأة جاءت من رجلٍ وامرأة، لا فرق بينهما في الأصل، ولا فرق بينهما في الإنسانية، ولا فرقَ بينهما في الكرامةِ الممنوحةِ للإنسانِ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النساءُ شقائقُ الرجالِ)، والله تعالى لما كرّمَ الإنسانَ كرّمَه بوصفِه إنساناً، ليس بوصفِه رجلاً أو امرأة، فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً).
قلنا إن النظرةَ الصحيحةَ للنوع الآخر لا بدّ أن تكون منبثقة عن الحلّ الصحيح للعقدة الكبرى، حتى لا تنشأ عقدةٌ فرعيةٌ عند الإنسان فتقض مضجعه وتؤرقه، والنظرةُ الصحيحةُ للنوع الآخر قامت بتوزيع المهامِّ في الحياةِ بين الرجلِ والمرأة، وفرضت على كل منهما واجبات، وأعطت كلاّ منهما حقوقاً، وكلاهماً مكلفٌ بعبادة الله تعالى، وكلاهما مكلفٌ بعمارة الأرض، فكلاهما مستخلفٌ في الأرض، وليس الاستخلاف خاصاً بالرجلِ دونَ المرأة، أو بالمرأة دون الرجل.
ومعَ التنوّع في الجنسِ البشري، إلا أنّ التنوعَ يؤدي إلى التكامل، ولا بد من وجودِ كل نوعٍ لتستمر الحياة البشرية، ويستمرَّ تقدّمُ البشرية، ويتحقق الاستخلاف في الأرض.
قال الله سبحانه وتعالى في سورة الروم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، فالله خلق لنا أزواجاً من أنفسنا، وجعل المودةَ والرحمة بيننا، وجعل هذا التنوّع والاختلاف المؤديَ للتكاملِ جعلَه آيةً عظيمةً من دلائلِ عظمته وقدرته سبحانه، وحسن تقديره وتدبيره عزّ وجلّ.
ولذلك فإن النظرةَ الصحيحة للمرأة حصرتْ نظرةَ الذكورة والأنوثة في مجالٍ محدّد، وهو مجالُ الحياةِ الزوجية، وجعلت الزواج وسيلة إشباع الميل الجنسي بين النوعين، فنظمت إشباع هذا الميل عند كل من الذكر والأنثى بهذا النظام العجيب، نظام الزواج، الذي يضمن الإشباعَ الصحيح، فيحقق الراحةَ والطمأنينة، والسكنَ الذي وصفَه الله تعالى.
وهذا الإشباع بهذه الطريقة المحددة يبعد الإنسان عن فوضى الغرائز، ويجنبُه تضاربُها الذي يؤدّي به إلى الشقاء والقلق، فلا يشكّل له هذا الدافعَ مصدرَ قلق، ولا مصدرَ همّ وغمّ.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو محمد – خليفة محمد - الأردن