- الموافق
- 1 تعليق
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح 120) شَرْعُ مَنْ قَبلَنا ليس من الأدلةِ الشرعيةِ المعتبرة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ العِشْرِينَ بَعدَ الـمَائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "مَشرُوعُ الدُّستُورِ - نِظَامُ الحُكْمِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 12: الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالقِيَاسُ هِيَ وَحْدَهَا الأَدِلَّةُ الـمُعتَبَرَةُ لِلأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذِهِ هي الـمَادَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ.
يُتَابِعُ الشَّيخُ - رَحِمَهُ اللهُ - بَيَانَ الأَدِلَّةِ غَيرِ الـمُعتَبَرَةِ لِلأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ, وَمِنهَا شَرعُ مَنْ قَبلَنَا, وَإِلَيكُمْ بَيَانَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
وَأَمَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ:"شَرعُ مَنْ قَبلَنَا شَرعٌ لَنَا" فَإِنَّهُمْ يَستَدِلُّونَ بِقَولِهِ تَعَالَى: (إِنَّا أَوحَينَا إِلَيكَ كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نُوحٍ). (النساء 163) وَقَولِهِ تَعَالَى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا). (الشورى 13) وَقَولِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ أَوْحَينَا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ). (النحل 123)
فَهَذِهِ الآيَاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّنَا مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعِ الأَنبِيَاءِ السَّابِقِينَ، وَأَيضًا فَإِنَّ الأَصْلَ فِي الرَّسُولِ r أَنَّهُ جَاءَ لِيُبَلِّغَ عَنِ اللهِ مَا يَجِبُ التَّقَيُّدُ بِهِ. وَعَلَى ذَلِكَ فَكُلُّ حَرفٍ فِي القُرآنِ، وَكُلُّ عَمَلٍ صَدَرَ عَنهُ، أَوْ قَولٍ نَطَقَ بِهِ، أَو تَقرِيرٍ حَصَلَ مِنهُ، يَجِبُ التَّقَيُّدُ بِهِ إِلَّا مَا وَرَدَ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ أَو بِغَيرِهِ، فَكُلُّ مَا وَرَدَ بِالقُرآنِ أَو بِالحَدِيثِ نَحنُ مُطَالَبُونَ بِهِ إِلَّا مَا جَاءَ نَصٌّ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِأَصْحَابِ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ أَو جَاءَ نَصٌّ بِنَسخِهِ، وَمَا لَـْم يَرِدْ مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ فَنَحنُ مُطَالَبُونَ بِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ لَـمْ يَذكُرهَا عَبَثًا فِي القُرآنِ فَلا بُدَّ أَنْ نَكُونَ مُخَاطَبِينَ بِهَا.
وَهَذَا الاستِدْلَالُ خَطَأٌ. أَمَّا بِالنِّسبَةِ لِلآيَاتِ، فَإِنَّ الـمُرَادَ بِالآيَةِ الأُولَى أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيهِ كَمَا أُوحِىَ إِلَى غَيرِهِ مِنَ النَّبِيَّينَ. وَالـمُرَادُ بِالآيَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ شَرَعَ أَصْلَ التَّوحِيدِ, وَهُوَ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا. وَالـمُرَادُ مِنَ الآيَةِ الثَّالِثَةِ اتَّبِعْ أَصْلَ التَّوحِيدِ لأَنَّ الـمِلَّةَ مَعنَاهَا أَصْلُ التَّوحِيدِ. وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الآيَاتِ الَّتِي مِنْ هَذَا القَبِيلِ مِثلُ قَولِهِ تَعَالَى: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه). (الأنعام 90) وَغَيرِهَا. وَأَمَّا قَولُهُ تَعَالَى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّورَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ). (المائدة 44) فَإِنَّ اللهَ عَنَى بِهَذَا أَنبِيَاءَ بَنِي إِسرَائِيلَ لَا محمداً عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالـمُسلِمُونَ لَيسَ لَهُمْ إِلَّا نَبِيٌّ وَاحِدٌ.
وأما ما رُوِيَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنْ رسولِ اللهِ r أنه قال: «الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عِلاَّتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ». أَخرَجَهُ مُسلِمٌ، فَإِنَّ مَعنَى قَولِهِ: "دِينُهُمْ وَاحِدٌ" يَعنِي التَّوحِيدَ الَّذِي لَـمْ يَختَلِفُوا عَلَيهِ أَصْلًا، وَلَا يَعنِي أَنَّ مَا بُعِثُوا بِهِ مِنْ دِينٍ هُوَ وَاحِدٌ عِندَ الجَمِيعِ بِدَلِيلِ قَولِهِ تَعَالَى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنهَاجًا). (المائدة 48) وَمِنْ هَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الأَدِلَّةَ لَا تَصلُحُ لِلِاستِدْلَالِ، وَالاستِدلَالُ بِهَا عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبلَنَا شَرْعٌ لَنَا خَطَأٌ.
عَلَى أَنَّ هُنَاكَ أَدِلَّةٌ تَنهَى عَنِ اتِّبَاعِ شَرْعِ مَنْ قَبلَنَا نَهيًا مُطلَقًا سَوَاءٌ جَاءَ بِالقُرآنِ وَالحَدِيثِ أَمْ لَا. قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَبتَغِ غَيرَ الإِسلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقبَلَ مِنهُ).(آل عمران 85) وَقَـالَ تَعَالَى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسلَامُ). (آل عمران 19) فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ دِينٍ غَيرِ دِينِ الإِسلَامِ لَا يُقبَلُ اعتِنَاقُهُ مِنْ أَحَدٍ مُطلَقًا، فَكَيفَ يُطْلَبُ مِنَ الـمُسلِمِينَ أَنْ يَتَّبِعُوهُ؟. وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لـِمَّا بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيمِنًا عَليهِ). (المائدة 48)
وَهَيمَنَةُ القُرآنِ عَلَى الكُتُبِ السَّابِقَةِ لَا تَعنِي التَّصدِيقَ بِهَا، إِذْ قَالَ فِي الآيَةِ نَفسِهَا: (مُصَدِّقًا) وَإِنَّمَا تَعنِي نَاسِخًا لَهَا. وَأَيضًا فَقَدِ انعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الشَّرِيعَةَ الإِسلَامِيَّةَ نَاسِخَةٌ لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ.
وَفَوقَ هَذَا فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعقُوبَ الـمَوتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعبُدُونَ مِنْ بَعدِي قَالُوا نَعبُدُ إِلَهكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحنُ لَهُ مُسلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعمَلُونَ). (البقرة 134)
فَاللهُ أَخبَرَنَا أَنَّهُ لَا يَسأَلُنَا عَمَّا كَانَ أُولَئِكَ الأَنبِيَاءُ يَعْمَلُونَ، وَإِذَا كُنَّا لَا نُسأَلُ عَنْ أَعْمَالِهِمْ فَلَا نُسأَلُ عَنْ شَرِيعَتِهِمْ؛ لأَنَّ تَبلِيغَهَا وَالعَمَلَ بِهَا مِنْ أَعمَالِهِمْ، وَمَا لَا نُسأَلُ عَنهُ فَإِنَّنَا غَيرُ مُطَالَبِينَ بِهِ, وَغَيرُ لَازِمٍ لَنَا. وَأَيضًا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ» أَخرَجَهُ مُسلِمُ. وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ» أَخرَجَهُ مُسلِمُ فَذَكَرَهُنَّ وَفِيهَا: «وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً».
فَالرَّسُولُ r قَدْ أُخبِرَ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَبلَ نَبِيِّنَا r إِنَّمَا بُعِثَ إِلَى قَومِهِ خَاصَّةً، فَيَكُونُ غَيرُ قَومِهِ لَـمْ يُبعَثْ إِلَيهِمْ، وَلَـمْ يُلزَمُوا بِشَرِيعَةِ نَبِيٍّ غَيرِ نَبِيِّهِمْ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ لَـمْ يُبْعَثْ إِلَينَا أَحَدٌ مِنَ الأَنبِيَاءِ، فَلَا تَكُونُ شَرِيعَتُهُمْ شَرِيعَةً لَنَا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا وَرَدَ صَرِيحًا فِي آيَاتٍ مِنَ القُرآنِ. قَالَ تَعَالَى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا). (هود 61), وَقَالَ: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا). (هود 50), وقال: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيبًا). (هود 84)
وَمِنْ هَذَا كُلِّهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ شَرَائِعَ مَنْ قَبلَنَا لَيسَتْ شَرِيعَةً لَنَا لِثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ:
أحدها:لِأَنَّ الأَدِلَّةَ الَّتِي يَستَدِلُّونَ بِهَا إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَصْلِ التَّوحِيدِ, وَلَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ شَرَائِعِ الأَنبِيَاءِ وَاحِدَةٌ.
والثاني: لِأَنَّ النُّصُوصَ وَرَدَتْ بِالنَّهْيِ عَنْ كُلِّ شَرِيعَةٍ غَيرِ شَرِيعَةِ الإِسلَامِ.
والثالث:لِأَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُرْسِلَ لِقَومِهِ خَاصَّةً, وَنَحُنُ لَسْنَا مِنْ قَومِهِ؛ فَلَيسَ مُرْسَلًا لَنَا, فَلَسْنَا مُخَاطَبِينَ بِشَرِيعَتِهِ وَلَا نُلْزَمُ بِهَا. وَبِذَلِكَ لَا تُعتَبَرُ شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
وسائط
1 تعليق
-
بارك الله فيكم وفتح عليكم وبكم أستاذنا الفاضل