- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح194) لمجلس الأمة حق إظهار عدم الرضا من المعاونين, والولاة والعمال
وللمسلمين حق حصر المرشحين للخلافة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:"لِـمَجلِسِ الأُمَّةِ حَقُّ إِظْهَارِ عَدَمِ الرِّضَا مِنَ الـمُعَاوِنِينَ وَالوُلَاةِ وَالعُمَّالِ, وَلِلمُسْلِمِينَ حَقُّ حَصْرِ الـمُرَشَّحِينَ لِلخِلَافَةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 111: لِـمَجْلِسِ الأُمَّةِ صَلَاحِيّاتٌ خَمْسٌ هِيَ:
1-(أ): استِشَارَةُ الخَلِيفَةِ لَهُ, وَإِشَارَتُهُ عَلَى الخَلِيفَةِ فِي الأَعْمَالِ وَالأُمُورِ العَمَلِيَّةِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِرِعَايَةِ الشُّؤُونِ فِي السِّيَاسَةِ الدَّاخِلِيَّةِ مِمَّا لَا تَحْتَاجُ إِلَى بَحْثٍ فِكْرِيٍّ عَمِيقٍ, وَإِنْعَامِ نَظَرٍ مِثْلُ شُؤُونِ الحُكْمِ، وَالتَّعلِيمِ، وَالصِّحَّةِ، وَالاقتِصَادِ، وَالتِّجَارَةِ، وَالصِّنَاعَةِ، وَالزِّرَاعَةِ، وَأَمْثَالِهَا، وَيَكُونُ رَأْيُهُ فِيهَا مُلْزِماً.
(ب): أَمَّا الأُمُورُ الفِكْرِيَّةُ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى بَحْثٍ عَمِيقٍ وَإِنْعَامِ نَظَرٍ، وَالأُمُورُ الَّتِي تَحْتَاجُ خِبْرَةً وَدِرَايَةٍ، وَالأُمُورُ الفَنِّيَّةُ وَالعِلْمِيَّةُ، وَكَذَلِكَ الـمَالِيَّةُ وَالجَيشُ وَالسِيَاسَةُ الخَارِجِيَّةُ، فَإِنَّ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَرْجِعَ لِلْمَجْلِسِ لِاستِشَارَتِهِ فِيهَا, وَالوُقُوفِ عَلَى رَأْيِهِ، وَرَأْيُ الـمَجْلِسِ فِيهَا غَيرُ مُلْزِمٍ.
2-لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُحِيلَ لِلْمَجْلِسِ الأَحْكَامَ وَالقَوَانِينَ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَتَبَنَّاهَا، وَلِلْمُسلِمِينَ مِنْ أَعْضَائِهِ حَقُّ مُنَاقَشَتِهَا, وَبَيَانِ وَجْهِ الصَّوَابِ وَالخَطَأِ فِيهَا, فَإِنِ اخْتَلَفُوا مَعَ الخَلِيفَةِ فِي طَرِيقِةِ التَّبَنِّي مِنَ الأُصُولِ الشَّرعِيَّةِ الـمُتَبَنَّاةِ فِي الدَّولَةِ، فَإِنَّ الفَصْلَ يَرجِعُ إِلَى مَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ، وَرَأْيُ الـمَحْكَمَةِ فِي ذَلِكَ مُلْزِمٌ.
3-لِلْمَجْلِسِ الحَقُّ فِي مُحَاسَبَةِ الخَلِيفَةِ عَلَى جَمِيعِ الأَعْمَالِ الَّتِي تَحْصُلُ بِالفِعْلِ فِي الدَّولَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنَ الأُمُورِ الدَّاخِلِيَّةِ أَمِ الخَارِجِيَّةِ أَمِ الـمَالِيَّةِ أَمِ الجَيشِ أَمْ غَيرِهَا، وَرَأْيُ الـمَجْلِسِ مُلْزِمٌ فِيمَا كَانَ رَأْيُ الأَكْثَرِيَّةِ فِيهِ مُلْزِماً، وَغَيرُ مُلْزِمٍ فِيمَا كَانَ رَأْيُ الأَكْثَرِيَّةِ فِيهِ غَيرَ مُلْزِمٍ. وَإِنِ اخْتَلَفَ الـمَجْلِسُ مَعَ الخَلِيفَةِ عَلَى عَمَلٍ قَدْ تَمَّ بِالفِعْلِ مِنَ النَّاحِيَةِ الشَّرعِيَّةِ, فَـيُـرْجَعُ فِيهِ إِلَى مَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ لِلبَتِّ فِيهِ مِنْ حَيثُ الشَّرْعِيَّةُ وَعَدَمُهَا، وَرَأْيُ الـمَحْكَمَةِ فِيهِ مُلْزِمٌ.
4-لَلْمَجْلِسِ الحَقُّ فِي إِظْهَارِ عَدَمِ الرِّضَا مِنَ الـمُعَاوِنِينَ وَالوُلَاةِ وَالعُمَّالِ, وَيَكُونُ رَأْيُهُ فِي ذَلِكَ مُلْزِماً، وَعَلَى الخَلِيفَةِ عَزْلُـهُمْ فِي الحَالِ. وَإِذَا تَعَارضَ رَأْيُ مَجْلِسِ الأُمَّةِ مَعَ رَأْيِ مَجْلِسِ الوِلَايَةِ الـمَعْنِيَّةِ فِي الرِّضَا أَوِ الشَّكْوَى مِنَ الوُلَاةِ وَالعُمَّالِ فَإِنَّ لِرَأْيِ مَجْلِسِ الوِلَايَةِ الأَوْلَوِيَّةَ فِي ذَلِكَ.
5-لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْضَائِهِ حَقُّ حَصْرِ الـمُرَشَّحِينَ لِلخِلَافَةِ مِنَ الَّذِينَ قَرَّرَتْ مَحْكَمَةُ الـمَظَالِـمِ تَوَفُّرَ شُرُوطِ الانعِقَادِ فِيهِمْ, وَرَأْيُ أَكْثَرِيَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ مُلْزِمٌ، فَلَا يَصِحُّ الانتِخَابُ إِلَّا مِنَ الَّذِينَ حَصَرَهُمُ الـمَجْلِسُ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذِهِ هِيَ التَّتِمَّةُ الثَّانِيَةُ وَالأَخِيرَةُ للـمَادَّةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
البَنْدُ الرَّابِعُ: وَأَمَّا البَنْدُ الرَّابِعُ فَدَلِيلُهُ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَزَلَ العَلَاءَ بْنَ الحَضْرَمِيَّ عَامِلَهُ عَلَى البَحْرَينِ؛ لِأَنَّ وَفْدَ عَبدِ القَيسِ قَدْ شَكَاهُ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، رَوَىَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ محمد بْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَتَبَ إِلَى العَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ رَجُلاً رَأْسُهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْفٍ الأَشَجِّ، وَاسْـتَخْلَفَ العَلاَءُ عَلَى البَحْرَيْنِ الْمُنْذِرَ بْنَ سَاوَى، فَشَكَا الوَفْدُ العَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَعَزَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَوَلَّى أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ، وَقَالَ لَهُ: اسْتَوْصِ بَعَبْدِ القَيْسِ خَيْراً، وَأَكْرِمْ سَرَاتَهُمْ»، وأيضاً فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ عَزَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الوِلَايَةِ لِـمُجَرَّدِ شَكْوَى النَّاسِ عَلَيهِ، وَقَالَ: «إِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ، وَلاَ عَنْ خِيَانَةٍ». مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الوِلَايَاتِ لَـهُمْ حَقُّ إِظْهَارِ السُّخْطِ, وَعَدَمِ الرِّضَا مِنْ وُلَاتِهِمْ وَأُمَرَائِهِمْ، وَأَنَّ عَلَى الخَلِيفَةِ عَزْلَـهُمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ، أَيْ أَنَّ لِـمَجَالِسِ الوِلَايَاتِ، وَكَذَلِكَ لِـمَجْلِسِ الأُمَّةِ - حَيثُ هُوَ وَكِيلٌ عَنْ جَمِيعِ الـمُسْلِمِينَ فِي الوِلَايَاتِ - أَنْ يُظْهِرَ عَدَمَ الرِّضَا مِنَ الوُلَاةِ وَالعُمَّالِ، وَعَلَى الخَلِيفَةِ عَزْلُـهُمْ فِي الحَالِ إِذَا كَانَتِ الشَّكْوَى مِنْ أَكْثَرِيَّةِ مَجْلِسِ الوِلَايَةِ أَوْ أَكْثَرِيَّةِ مَجْلِسِ الأُمَّةِ, وَعِندَ تَعَارُضِهِمَا فَالأَوَلَوِيَّةُ لِمَجْلِسِ الوِلَايَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ أَكْثَرُ عِلْماً وَدِرَايَةً بِأَحْوَالِ الوَالِي مِنْ مَجْلِسِ الأُمَّةِ.
البَنْدُ الخَامِسُ: وَأَمَّا البَنْدُ الخَامِسُ فَهُوَ مَسْأَلَتَانِ: الأُولَى حَصْرُ الـمُرَشَّحِينَ، وَالثَّانِيَةُ كَونُ الحَصْرِ بِسِتَّةٍ ثُمَّ بِاثْنَينِ. أَمَّا الأُولَى فَإِنَّهُ مِنْ تَتَبُّعِ كَيفِيَّةِ تَنْصِيبِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ هُنَاكَ حَصْراً لِلمُرَشَّحِينَ كَانَ يَتِمُّ مِنْ مُمَثِّلِي الـمُسْلِمِينَ مُبَاشَرَةً، أَوْ بِأَنْ يَطْلُبُوا ذَلِكَ مِنَ الخَلِيفَةِ لِيَحُصُرَ التَّرشِيحَ نِيَابَةً عَنْهُمْ. فَفِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ كَانَ الـمُرَشَّحُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبَا عُبَيدَةَ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَاكْتُفِيَ بِهِمْ أَيْ حُصِرَ فِيهِمْ، وَتَمَّ ذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ أَصْحَابِ السَّقِيفَةِ، ثُمَّ مُوَافَقَةِ الصَّحَابَةِ فِيمَا بَعْدُ حَيثُ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ. وَفِي أَوَاخِرِ أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه اسْتَشَارَ الـمُسْلِمِينَ نَحْوَ ثَلَاثَةِ شُهُورٍ يَبْحَثُ مَعَهُمُ الخِـلَافَةَ مِنْ بَعْدِهِ، وَبَعْدَ أَنْ نَاقَشُوهُ فِي ذَلِكَ وَافَقُوا عَلَى تَرشِيحِهِ لَهُمْ عُمَرَ أَيْ حُصِرَ التَّرشِيحُ فِي وَاحِدٍ.
وَقَدْ كَانَ الحَصْرُ أَكْثَرَ وُضُوحاً وَأَشَدَّ جَلَاءً بَعْدَ طَعْنِ عُمَرَ فَقَدْ طَلَبُوا مِنهُ، رضي الله عنهم، أَنْ يُرَشِّحَ لَـهُمْ فَجَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ، وَمَنَعَ غَيرَهُمْ، وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ. وَعِندَ بَيعَةِ عَلِيٍّt، فَهُوَ كَانَ الـمُرَشَّحَ الوَحِيدَ وَلَـمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيرُهُ، فَلَمْ تَكُنْ هُنَاكَ حَاجَةٌ لِلْحَصْرِ. وَكَانَ الحَصْرُ يَتِمُّ عَلَى مَلَأٍ مِنَ الـمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مِمَّا يُنكَرُ, وَلَا يُنَفَّذُ لَوْ كَانَ غَيرَ جَائِزٍ, حَيثُ فِيهِ مَنْعٌ لِحَقِّ الآخَرِينَ مِنَ التَّرشِيحِ. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ حَصْرَ الـمُرَشَّحِينَ لِلخِلَافَةِ جَائِزٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. فَلِلأُمَّةِ، أَيْ مُمَثِّلِيهَا، أَنْ تَحْصُرَ الـمُرَشَّحِينَ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الأُمَّةِ مُبَاشَرَةً، أَمْ بِتَفْوِيضِ الخَلِيفَةِ السَّابِقِ بِأَنْ يَحْصُرَ نِيَابَةً عَنْهُمْ.
هَذَا مِنْ حَيثُ الحَصْرُ. أَمَّا كَونُ الحَصْرِ فِي سِتَّةٍ ابتِدَاءً فَهُوَ استِئْنَاساً بِفِعْلِ عُمَرَ رضي الله عنه. وَأَمَّا كَونُ الحَصْرِ بَعْدَ ذَلِكَ بِاثنَينِ فَهُوَ استِئْنَاساً بِفِعْلِ عَبدِ الرَّحْمَن ِبْنِ عَوفٍ رضي الله عنه، وَكَذَلِكَ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى البَيعَةِ بِأَكْثَرِيَّةِ الـمُنتَخِبِينَ الـمُسْلِمِينَ، حَيثُ إِنَّ الـمُرَشَّحِينَ إِنْ كَانُوا فَوقَ اثنَينِ، فَإِنَّ الَّذِي يَنْجَحُ مِنْهُمَا قَدْ يَكُونُ بِنِسْبَةِ ثَلَاثِينَ فِي الـمِئَةِ مَثَلاً مِنَ الـمُنتَخِبِينَ أَيْ أَقَلَّ مِنْ أَكثَرِيَّتِهِمْ (فَوقَ خَمسِينَ فِي الـمِئَةِ)، وَتَتَحَقَّقُ الأَكْثَرِيَّةُ لِلفَائِزِ إِذَا كَانَ الـمُرَشَّحُونَ لَا يَزِيدُونَ عَنِ اثْنَينِ.
أَمَّا أَنْ يَكُونَ حَصْرُ مَجْلِسِ الأُمَّةِ لِلسِّتَّةِ وَلِلاثنَينِ مِنَ الـمُرَشَّحِينَ الَّذِينَ قَرَّرَتْ مَحْكَمَةُ الـمَظَالِـمِ تَوَفُّرَ شُرُوطِ الانعِقَادِ فِيهِمْ، فَذَلِكَ لِأَنَّ حَصْرَ مَجْلِسِ الأُمَّةِ هُوَ لِأَجْلِ أَنْ يُنْتَخَبَ الخَلِيفَةُ مِنْهُمْ أَيْ لَا بُدَّ أَنْ تَتَوَفَّرَ فِيهِمْ شُرُوطُ الانعِقَادِ. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ مَحْكَمَةَ الـمَظَالِـمِ تَسْتَبْعِدُ كُلَّ مَنْ لَا تَتَوَفَّرُ فِيهِمْ شُرُوطُ الانعِقَادِ مِنَ الـمُرَشَّحِينَ لِلخِـلَافَةِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَقُومُ مَجْلِسُ الأُمَّةِ بِعَمَلِيَّةِ الحَصْرِ مِنَ الـمُرَشَّحِينَ الَّذِينَ قَرَّرَتِ الـمَحْكَمَةُ تَوَفُّرَ شُرُوطِ الانعِقَادِ فِيهِمْ. وَمِنْ هُنَا كَانَ البَنْدُ الخَامِسُ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.