الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

كلمة لبنان في مؤتمر "غزة... بل كل فلسطين تستنصر جيوش المسلمين" فلسطين والنظام الدولي والأنظمة والمنظمات والمفاوضات

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

- لقد بدأ المكر بفلسطين لاحتلالها والهيمنة عليها منذ أواخر القرن التاسع عشر. ولكنّ الخلافة، ولا سيّما في عهد السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، كانت السدّ المنيع أمام هذه المؤامرة على الرغم من ضعفها وتهالكها آنذاك، ورحم الله ذلك السلطان إذ قال للصهاينة: "إن سقطت دولة الخلافة يومًا ستحصلون على فلسطين بلا ثمن". وهو ما حصل فعلاً.


- إنّ الصراع في فلسطين ليس بالدرجة الأولى مع اليهود الذين يحتلّونها، بل هو مع الإرادة الدولية التي كانت وراء تأسيس كيان يهود (وعد بلفور) والتي تتولّى حمايتها ورعايتها حتّى يومنا هذا، وبالتالي فإنّ المعركة أكبر من أن تُحصر بين أهل فلسطين واليهود المحتلين.


- لقد زرعت بريطانيا كيان يهود في فلسطين مُنشِئةً أزمة في قلب العالم العربي، من أجل أن تنصرف جهود شعوب المنطقة عن العمل للتحرُّر من الاستعمار وطرد النفوذ الغربي من البلاد إلى الاشتغال بقضية مُفتَعلة تكون دول الغرب حَكَمًا فيها بدل أن تكون عدوًّا يُكافَح ويُطرَد نفوذه من البلاد.


- لقد تسنّى للإرادة الدولية بدءًا من بريطانيا ووصولاً إلى الولايات المتّحدة حكّامٌ محليّون ينفِّذون هذه الخطّة، فساهموا في تسليم فلسطين منذ سنة 1948، وتمكّنوا من استغلال القضيّة الفلسطينية لتكريس عروشهم من خلال الزعم بأنّها قضيّة القضايا وأنّه لا يجوز لأيّ قضيّة أخرى أن تشوِّش عليها. فتاجرت الأنظمة الإقليمية بقضيَّة فلسطين، ثمّ باعتها حين أنشأت منظَّمة التحرير وظهرت بمظهر الداعم لمنظَّمات الكفاح المسلَّح.


- ارتمت حركات المقاومة الفلسطينية بأحضان الأنظمة التي تاجرت بها. وكانت ذريعة هذا الارتماء دائمًا أنّه لا بدَّ للمقاومة من أرض تقف عليها وتنطلق منها، فإذا بالغنم تحتمي بالذئاب.


- إنّ ثبات كيان يهود على أرض فلسطين طوال خمسة وستّين عامًا ليس ناشئًا عن قوّة هذا الكيان، فهو في حقيقته أوهن من خيوط العنكبوت. وإنما ثبّتته حالة الشلل التي تعتري الأمّة التي فقدت مجرَّد القدرة على مدّ اليد إلى بيت العنكبوت. وفي الحالات القليلة التي أَظهرت فيها إرادتها كانت فاقدة القدرة على تنفيذها، ذلك أنّها خسرت مع سقوط الدولة الإسلامية جهازها العصبي الذي كان بإمكانها أن تعبِّر من خلاله عن هويّتها وأن تنفِّذ إرادتها وتطلُّعاتها.


- إن تصنيف قضيّة فلسطين على أنّها قضيّة للفلسطينيين وحدهم هو خذلان لها إن لم يكن خيانة. فقد أُوكلت القضية من خلال إنشاء منظَّمة التحرير وما تبعها من منظَّمات مقاوِمة إلى الحلقة الأضعف في الأمّة، وهم أهل فلسطين الأسرى والمنكوبون الذين لا يملكون أرضًا ينطلقون منها لتحرير فلسطين. وأُعفيت الجيوش المحيطة بالأرض المحتلّة من هذه المهمّة المقدّسة المنوطة شرعًا بالأمّة الإسلامية، ولا سيّما الأقطار المجاورة للأرض المحتلّة.


- لقد اشتركت المنظَّمات الفلسطينية كلُّها بالخطيئة حين جعلت سقف مطالبها من الأقطار المجاورة الدعم والتعاطف والمؤازرة والإيواء. فهي بذلك رضيت باستقالة دول الطوق والجوار من مسؤوليّتها عن تحرير فلسطين. كما ساهمت في عزلتها حين ربطت سياساتها ببعض الأنظمة، فكانت تحالفاتها في كثير من الأحيان تسير في خطّ معاكس مع قضايا الأمة في المنطقة، وذلك حين تحالفت مع أنظمة معادية للإسلام وأمّته. فمن المفارقات العجيبة التي لطالما طُلِب منّا أن نستسيغها أن تكون المقاومة حليفة لأنظمة عميلة وخائنة لله ولرسوله وللمؤمنين كالنظامين السوري والإيراني في السنوات الأخيرة وكالنظامين العراقي والأردني من قبل...


- إنّ جعل قضيّة فلسطين قضيّة خاصّة بالفلسطينيين هو أحد حلقات تجزئة قضايا الأمّة الإسلامية وصرفها عن حمل قضيّة واحدة، ألا وهي النهوض من انحطاطها وضعفها عن طريق استئناف الحياة الإسلامية، وذلك عبر إقامة الدولة الإسلامية التي تجمع شمل الأمّة وتستعيد هويّتها بإعادة السيادة للشرع والسلطان للأمّة، وتطرد النفوذ الغربي من البلاد، وتمسك بعوامل القوّة الكامنة فيها، لتحريكها باتجاه تحرير فلسطين وسائر البلاد المحتلّة، ولمعالجة المشكلات المتشابكة والمعقّدة الناشئة عن شلل الإرادة والقرار في الأمّة طوال قرن من الزمان.


- إنّ مسيرة المفاوضات التي انطلقت منذ سنين طوال مع كيان يهود المحتلّ من أجل الوصول إلى تسوية معه وإلى إحلال السلام مكان حالة الحرب هي عين الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، إذ هي مؤسَّسة على الإقرار بحقّ هذا الكيان بالوجود على أرض فلسطين ولو على جزء منها، بل هي اعتراف له بالأراضي التي أقرّته عليها القرارات الدولية المتعاقبة، وهي الأراضي التي تُشكِّل حوالي 85% من فلسطين المحتلّة، والتي باتت دولُ العالم - بما فيها الكثير من دول العالم الإسلامي - تسمّيها (إسرائيل).


- إنّ تاريخ المفاوضات يثبت فعليًّا وبما لا يدع مجالًا للشكّ أنّ الإرادة الدولية وإرادة كيان يهود اجتمعتا على جعل المفاوضات وسيلة لاستنزاف قوى أهل فلسطين وإهدار طاقاتهم وصرف تفكيرهم عن الصراع المصيري لتحرير الأرض من رجس يهود إلى مساومات تفصيلية تتعلّق بمطالب آنية ومعاشية يومية، ما أدّى إلى تحوُّل العدوّ الأساسي الذي يرعى كيان يهود - وهو النظام الدولي ومعه وكلاؤه من حكّام المسلمين - إلى وسيط يُركَن إليه ليكون حَكَمًا بين الضحية والجلّاد. وأقرب مثال على ذلك الركونُ هذه الأيام وبعد العدوان الإجرامي على غزّة الذبيحة إلى النظام الخائن العميل في مصر الذي لطالما كان الشريك الأكبر في الحصار المضروب على أهل غزّة، ليكون وسيطًا بين السلطة الفلسطينية الائتلافية وكيان يهود. مع أنّ الشرع - فضلًا عن الواقع المحسوس والمَعيش - يفرض أن يُتّخذ هذا النظام عدوًّا بوصفه أحد المتواطئين مع كيان يهود ورعاته الدوليين. قال تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾.


- إن طلب الحماية الدولية هو تآمر على فلسطين وتضليل لا يمكن أن ينطلي على عاقل، فواهمٌ من ظن أن القوات الاستعمارية الدولية تحفل بدماء المسلمين أو تكترث لخراب ديارهم، فعلى العكس، فلقد كانت أداة لقتل المسلمين وتخريب ديارهم كما في سبرينتشا وأفغانستان وغيرها، وواهم أو مضلِل من ظن أن قوات الدول التي تدعم الكيان اليهودي المحتل بالمال والعتاد وتوفر الغطاء السياسي لجرائمه ستكون سنداً أو برداً وسلاماً على أهل فلسطين!


- إن طلب السلطة الحماية الدولية من هؤلاء المستعمرين هو سعيٌ لتكريس احتلال الأرض المباركة واستبدال احتلال بآخر، وهو تكريس لسعي السلطة لسلخ فلسطين عن عمقها وامتدادها الإسلامي، وهو سعي لخراب فلسطين على أيدي الصليبيين الجدد، بل إنها تسفر عن غايتها الرامية لاستغلال تلك الدماء التي تسيل في غزة، وتنفيذ المشروع الأمريكي للمنطقة المسمى بحل الدولتين!. وهو من قبل ومن بعد معصية لله القائل ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، فغزة وفلسطين لا تتطلع لحماية بان كي مون أو أوباما أو هولاند أو كاميرون ولا يرون في هؤلاء المستعمرين مخلصين، بل تتطلع لصنو الفاروق وصلاح الدين، قادة يخرجون من بين ظهرانيها، يحركون جيوشهم لتحرير الأرض المباركة فيلقنون يهود ومن تآمر معهم درساً ينسيهم وساوس الشياطين، ويقتلعون كيانهم من فلسطين من جذوره.


- قد يُخيَّل للرائي وهو يرقب هذا المشهد المحبِط من تعامل الحكاّم الجدد مع قضية فلسطين أنّ الثورات كانت شرًّا على المسألة الفلسطينية. ولكنّ النظرة يجب أن تكون أبعد مدًى وأوسع أُفقًا. فالثورة لمّا تنتهِ والحراك السياسي في تونس وليبيا ومصر واليمن بالكاد قد بدأ. إذ قد انطلقت الثورة بشكل عفويّ في هذه الأقطار دون أن تتزوّد بأيّ مشروع سياسي، إذ كانت على ما تحويه من طاقة إسلاميّة بارزة مقتصرةً في انطلاقتها على رفض الظلم والطغيان والتجبّر الذي مارسه الطغاة الجبابرة على مدى عشرات السنين من حكمهم للبلاد. ولكنّ أهل هذه البلاد بعدما استعادوا الثقة بقدرتهم على تقرير مصيرهم واختيار أنظمتهم وتحديد سياساتهم وجدوا أنفسهم أمام ضرورة التفكير في المشروع السياسي الذي يجب أن يحلّ محلّ الأنظمة السياسية العفنة التي فرضها الغرب وعملاؤه عليهم منذ عشرات السنين. وهذا الحراك بدأ يؤذِن منذ الآن بأنّ الأمّة لن تختار سوى الإسلام نظامًا للحياة والمجتمع والدولة. ولَئِن بدأ اختيارها مشاعريًّا وسطحيًّا في حدود ما عُرض عليها من مشاريع وشعارات سياسية فإنّ الواقع المستجدّ يتحدّاها لتُنعِم التفكير في المشروع السياسي الحقيقي الذي ينقلها إلى الحياة الإسلامية من جديد ويعيد إليها هويَّتها التي أضاعتها منذ قرن من الزمان، وحينئذ سيكون أمل فلسطين أكبر وأعظم.


- ولنتذكر دائمًا أنّ فاتح فلسطين الأوّل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لم يكن فلسطينيًّا، وأنّ السلطان صلاح الدين الأيوبي محرِّر بيت المقدس من الفرنجة المحتلّين لم يكن فلسطينيًّا ولا عربيًّا، وأنّ خليفة المسلمين السلطان عبد الحميد الثاني الذي حافظ على فلسطين وحماها من المؤامرة الصهيونية ورفض بيعها بقناطير الذهب لم يكن أيضًا فلسطينيًا ولا عربيًّا، ولكنّهم كانوا جميعًا قادة مؤمنين عبّروا عن أُمّتهم حقّ التعبير وكان وليّهم الله ورسوله والذين آمنوا، لا كحكّام هذا الزمان الذين أخلصوا الولاء لأميركا والغرب وحلفائهم من اليهود. فالتاريخ يُثبت فضلاً عن نصوص الشرع أنّ هذه الأمّة حين كانت تواجه أعداءها بوصفها أمّة إسلامية لا بأوصاف قومية أو وطنية أو غيرها، وتحت الراية الإسلامية، كانت الغلبة دائمًا لها، وفاءً من الله تعالى لها بوعده:


﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾

 

 

أحمد القصص
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير / ولاية لبنان

 

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع