الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

لا عبرة باختلاف المطالع في إثبات بدء شهر الصيام والعيد

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أوردت صحيفة الحرة في عددها رقم (783) الثلاثاء 26/7/2011م، مقالةً للكاتب هشام علي إدريس، وقد تحدث الكاتب عن أنّ إثبات رؤية هلال رمضان لأهل كل بلد رؤيتهم لاختلاف المطالع، وأن إثبات رؤية المملكة العربية السعودية أمر متوارث ومخالف لمواقيت العبادات ويجب أن يصحح، بل ذكر الكاتب قولاً يحتاج إلى الدقة في النقل، فقد ذكر ما يلي: ( فإن ما توارثته بعض البلاد العربية الإسلامية من إثبات رؤية هلال رمضان على رؤية بعض البلاد الأخرى أمرٌ يخالف الشرع من حيث اختلاف المطالع، فلقد أجمع الفقهاء وأهل العلم في رؤية هلال رمضان أن لأهل كل بلد رؤيتهم بسبب اختلاف المطالع )... ثم ذكر الكاتب عددا من الفقهاء وذكر الكاتب حديث كريب، ثم قال الكاتب: ( حديث صحيح رواه أحمد ومسلم والترمذي. والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل بلد رؤيتهم. ومن هنا نرى أن ما ذهب إليه بعض الجمهور من العلماء بأن متى ما تم رؤية الهلال في أي بلد وجب على البلاد الأخرى الصيام مخالف لإثبات الرؤية، وهي التي تثبت وفقاً للميقات ولكل عبادة ميقات كما أن للصلاة ميقات، حيث تختلف مواقيت الصلاة من بلد لآخر ). أ.هـ

 

أقول مستعيناً بالله رداً على أخي الكاتب، إنّ هناك عدة نقاط يجدر بنا أن ننتبه لها، ويمكن إجمالها فيما يلي:

 

أولاً: تحديد بدء الصوم وتحديد الفطر أمر في غاية الخطورة! لأن اليوم الأول من رمضان إذا كان يوم صيام وقد ثبت شرعاً وأفطر آخرون، فهذا يعني الإفطار في نهار رمضان ونحن نعلم أن الإفطار في نهار رمضان من الكبائر، والذي يتعمد أن يفطر الناس في صيام واجب فإنه يتحمل وزر كل مَنْ تسبب في فطره، وكذا اليوم إذا كان يوم عيد وقام أحد الناس بزعم أن اليوم يوم صيام وهو يوم عيد، فإن الصيام في نهار العيد أيضا من الكبائر وكذا يتحمل ذاك الشخص وزر الصائمين في نهار العيد، أي من قام بمنعهم من الفطر بدعوى أن اليوم يوم صيام، ونسأل الله العافية لنا جميعا، فبالتالي فإن بحث هذا الأمر يحتاج إلى الدقة كما أن كل أحكام الإسلام أحكام دقيقة!

 

ثانياً: قول الكاتب: ( فلقد أجمع الفقهاء وأهل العلم في رؤية هلال رمضان أن لأهل كل بلد رؤيتهم بسبب اختلاف المطالع ) أقول إن هذا الكلام غير صحيح وهو مجافي للحقيقة، بل إن الكاتب جزاه الله خيراً قد نقض كلامه بعد أسطر قليلة عندما قال: ( ومن هنا نرى أن ما ذهب إليه بعض الجمهور من العلماء بأن متى ما تم رؤية الهلال في أي بلد وجب على البلاد الأخرى الصيام مخالف لإثبات الرؤية ). فإنه لم يحدث إجماع كما ذكر الكاتب، بل الحقيقة هي أن الغالب الأعم من الأئمة الأعلام  يرى خلاف ذلك، وهو أنه لا عبرة باختلاف المطالع وأنه يجب على المسلمين بدء الصوم في يوم واحد والإفطار كذلك في يوم واحد. لذلك كان الواجب على الكاتب أن يكون دقيقاً في نقله، وهذا أمرٌ واجب في نقل الأخبار عموما فكيف إذا كان الأمر أمر دين يتوقف عليه حال الناس ومآلهم إما إلى نار والعياذ بالله وإما إلى جنة، نسأل الله عز وجل أن نكون من أهلها.

 

ثالثاً: قول الكاتب: ( فإن ما توارثته بعض البلاد العربية الإسلامية من إثبات رؤية هلال رمضان على رؤية بعض البلاد الأخرى أمرٌ يخالف الشرع من حيث اختلاف المطالع )، فالسؤال كيف يكون قول الفقهاء هو الشرع؟ بمعنى آخر هل قول الفقهاء هو الشرع؟ فالشرع هو ما شرعه الله لعباده، وهذا الشرع يؤخذ من الأدلة الشرعية، وقول الفقهاء ليس دليلاً وبالتالي ليس شرعاً، ولكن أقوالهم يجوز تقليدها والعمل بها باعتبارها اجتهاداً شرعياً صواباً يحتمل الخطأ، وكما قال الأمام مالك رحمه الله كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب المقام ( صلى الله عليه وسلم ). فالرسول عليه السلام يؤخذ قوله ولا يرد! أما قول الفقهاء فيؤخذ من قولهم إن كان صواباً ويردّ قولهم إذا كان خطئاً، والذي نقيس به صحة قولهم أو خطأه هو الشرع أي الدليل الذي استندوا فيه على اجتهادهم، ولكن لا يصح أن نسمي أقوالهم ( شرعاً )، فأقوالهم اجتهاد شرعي يحتمل الصواب والخطأ، في المسائل التي تحتمل الاجتهاد!

 

رابعاً: قول الكاتب: ( وأن إثبات رؤية المملكة العربية السعودية أمر متوارث ومخالف لمواقيت العبادات ويجب أن يصحح )، أقول: إن رؤية الهلال ليس مربوطا ببلاد الحرمين والأخذ بإثباتهم أو إثبات غيرهم من المسلمين بل هو أمر شرعي، والأصل ألا نبخِّس ذلك فنصفه بكلمة متوارث وكأنه عادة جاهلية يجب الانقلاع عنها! غير أنَّ هذا الأمر هو بيت القصيد فهناك أدلة مستفيضة تدل على الأخذ برؤية غيرنا من إخواننا المسلمين، فالشرع لم يقل أن يرى السودانيون أو المصريون وان لكل أهل بلد رؤيتهم، بل جاءت النصوص عامة لكل المسلمين دون تمييز لمكان أو لمسلمين دون مسلمين، ومن ذلك: ما رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: ( لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ )، وروى ابن خزيمة في صحيحه عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا تقدموا هذا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة )، فقوله عليه السلام لا تصوموا خطاب لجمع المسلمين، ولكن لم يشترط أن يرى الهلال كل المسلمين، وقد أخذ الرسول بقول شخص واحد في بدء الصوم وهذا الشخص ليس من أهل المدينة بل من البادية بعد أن أكد للرسول انه من المسلمين، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: ( أبصرت الهلال الليلة فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله؟ قال: نعم، قال: قم يا فلان فأذن بالناس فليصوموا غدا) رواه ابن خزيمة. فالقول باختلاف المطالع لم تدل عليه الأحاديث التي تأمر المسلمين الصيام بناءً على الرؤية. بل دلت على أن المسلمين في ذلك سواء.

 

خامساً: إن الصلاة فيها اختلاف في المواقيت بين البلدان فيمكن أن نصلي صلاة العشاء هنا في الخرطوم بينما في أمريكا لم يصل المسلمون صلاة العصر بعد! ولكن اختلاف المواقيت في الصلاة لا يعني أنها تحدث كذلك في بداية الشهر أي في اليوم نفسه فمثلاً اليوم هو يوم 26/7/2011م فهل هناك دولة في العالم اليوم فيها يوم 25/7 أو يوم 27/7 مثلاً؟ بالطبع لا فالدنيا كلها اليوم فيها واحد ويمكن أن يكون هناك فرق في بداية اليوم من بلد لآخر فالمعلوم أن الشمس تشرق ثم تسير غرباً فاليوم يبدأ في المشرق قبل بلاد المغرب كل على حسب البعد من المشرق، ولكن الشاهد في الأمر أن أبعد نقطتين في الكرة الأرضية ليس الفارق الزمني بينهما كما يظن البعض 12 ساعة، بل 9 ساعات فقط!  والإثني عشر ساعة هي جزء من اليوم فكيف بالتسع ساعات؟

 

لذلك لا يمكن أن نقول إن هناك فرقا في التوقيت في اليوم فاليوم واحد في الدنيا فيوم 26/7 يوم الثلاثاء هو يوم الثلاثاء في كل الدنيا، إذاً فلا يصح أن نقول إن هناك اختلافاً في المواقيت، فاختلاف المواقيت خاص بالصلاة، ولا علاقة له ببدء الصوم في يوم واحد، وختمه في يوم واحد. وهذا القول يجعلنا نفكر ما ذنب أهل أسوان في مصر ألا يصوموا إذا صام أهل وادي حلفا في شمال السودان كما صام أهل الجنينة في أقصى غرب السودان؟ والمسافة بين وادي حلفا وأسوان لا تذكر بالنسبة للمسافة بين وادي حلفا والجنينة، بل إن الشرع أمر بصيام الجميع معاً.

 

وتحديد بدء الصوم في العالم أمر ميسور للمسلمين، خاصة مع وجود وسائل الاتصال والإعلام الحديثة ولكن الذي يرفض أن يوحد المسلمين هم حكام المسلمين أنفسهم!  وذلك أن الهلال يكون في بعض البلاد رؤيته أيسر من البلاد الأخرى، فمثلاً في هذا العام يقال أنه يمكن رؤية الهلال في جنوب أفريقيا بسهولة أو في نيجريا، والمسلمون موجودون بكثرة في هذه البلاد، بل يمكن للمسلمين أن يرسلوا الوفود إلى البلاد التي يتوقع فيها رؤية الهلال، فإذا أراد الحكام توحيد المسلمين ذلك لفعلوا! ولكنهم يتمتعون عندما تختلف الأمة في يوم هو واحد في الدنيا فكيف هنا يكون أول رمضان وفي بلد آخر يكون اليوم الثاني من رمضان؟ لذلك عند ثبوت رؤية الهلال في أي بلد يمكن أن يعمم ذلك على أجهزة الإعلام فيصوم المسلمون كلهم في يوم واحد ويفطرون في العيد في يوم واحد فالمسلمون صومهم واحد وعيدهم واحد.

 

سادساً: أما حديث كريب والذي نصه: ( عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَقُلْتُ رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْتُ أَوَ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).

 

أقول لقد فهم الفقهاء الذين قالوا باختلاف المطالع في الصوم، خطأ قول ابن عباس على أنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن قول ابن عباس ( هكذا أمرنا رسول الله ) هو فهم ابن عباس رضي الله عنهما وليس قول الرسول عليه السلام! فحدث الالتباس من هنا، وكون أن القول هو فهم ابن عباس يعني أنه ليس قول رسول الله صلى عليه وسلم وبالتالي فإن قول ابن عباس رضي الله عنهما يضبط بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي دلت على عموم الأمر ( لا تصوموا حتى تروا ) وهو مخالف لفهم ابن عباس رضي الله عنه، لذلك فإن الجمهور لم يأخذوا بقول ابن عباس ( فهمه ) إنما اخذوا بأحاديث الرسول التي تدل على وحدة الصوم ووحدة الفطر، لذلك قال الفقهاء لا عبرة باختلاف المطالع. والذين أخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم رأوا الهلال لم يقل لهم الرسول عليه الصلاة والسلام لنا رؤيتنا ولكم رؤيتكم بل أمر المسلمين أن يصوموا وفقاً لرؤيتهم، وكذا أمر المسلمين بالإفطار عند ثبوت شهر شوال.

 

 

سابعاً: إن الأمة الإسلامية في قدرتها أن توحد اليوم بدء صيامها وعيدها، وذلك بأن يكون لها إمام يوحدها كما أوجب الشرع على الأمة أن يكون لها إمام يقودها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيرفع الخلاف بين الأمة، ويحميها من أعدائها ويطعم جائعها ويرعاها حق الرعاية، ولكن لغياب نظام الخلافة تفنن الاستعمار في تفتيت الأمة وانتهاك حرماتها، وخلاصة القول إن توحيد بدء الصوم فرض وتوحيد العيدين فرض، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المعتصمين بحبله المتين.

 

 

والله المستعان

 

  

عبد الله عبد الرحمن (أبو العز)

عضو المجلس القيادي لحزب التحرير في ولاية السودان

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع