السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

خطبة جمعة الشخصية الإسلامية هي الملتزمة بأوامر الله ونواهيه

بسم الله الرحمن الرحيم

 

          الحمد لله الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً، الحمد لله الذي جعل الليل والنهار آيتين فمحى آية الليل، وجعل آية النهار مبصرة لنبتغي فضلاً من ربنا، ولنعلم عدد السنين والحساب وكل شيء فصله تفصيلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلّ اللهم عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً... أما بعد،

          أيها المسلمون: عالج الإسلام الإنسان معالجة كاملة لايجاد شخصية معينة له متميزة عن غيرها. فعالج بالعقيدة أفكاره وجعلها قاعدة يبني عليها كل أفكاره، ويكون على أساسها مفاهيمه، فيميز بذلك بين الفكر الصائب والفكر الخاطيء ، قال تعالى ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)  ( التوبة109)، فالذي لا يبني فكره وحياته على العقيدة الإسلامية، فإن الشرع اعتبره ظالماً بعيداً عن الهداية واعتبر أنه يلقي بنفسه في نار جهنم والعياذ بالله، فهو لا يريد أن يعرف الحق من الباطل، ولا يريد أن يميز بين الصواب والخطأ.

          إن الكيفية العملية لبناء حياتنا على أساس هذه العقيدة هي أن ننظر للحياة وما فيها من وقائع وأحداث وأشياء وأفعال من زاوية واحدة هي زاوية العقيدة الإسلامية، فنعقل الأمور بالحكم عليها من الإسلام فنفهم الحدث أو نفهم الشيء ما هو أو الفعل الذي نريد أن نفعله، فهما دقيقاً ثم ننزل عليه أدلة الإسلام لنعرف ما حكم الشرع فيه، أحلال هو أم حرام، هل فرض أم مندوب أم مباح أم مكروه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: » الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ حَذِرٌ وَقَّافٌ ، مُتَثَبِّتٌ عَالِمٌ وَرِعٌ ، لا يَعْجَلُ ، وَالْمُنَافِقُ هُمَزَةٌ لُمَزَةٌ حُطَمَةٌ ، لا يَقِفُ عِنْدَ شُبْهَةٍ ، وَلَا يَنْزِعُ عَنْ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ كَحَاطِبِ لَيْلٍ لَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ كَسَبَ وَفِي مَا أَنْفَقَ » أي يعقل الأمور بالقرآن والسنة فلا يضل طريقه.

          والإسلام لم يعالج العقيدة والأفكار فحسب، بل عالج ميول الإنسان، وهو عندما تميل حاجاته وغرائزه وتتطلب الاشباع فينظم الإسلام هذه الميول، بأن لا تشبع إلا بناءً على الأفكار التي آمن بها المسلم واعتقدها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به «وقال: »لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من أهله و ماله والناس أجمعين»، متفق عليه.

          فهل نحن عباد الله عقولنا ونفوسنا؛ أي ميولنا على هذه الشاكلة التي جاء الإسلام ليعالجها بهذه الكيفية؟ فتكون لنا الشخصية الإسلامية المتميزة، أم أن الأمر يحتاج منا إلى اهتمام وعمل حتى نوجد في أنفسنا ما يحبه الله عز وجل؟

          في الأربعاء الماضي تم افتتاح أكبر مصنع لإنتاج الإيثانول في أفريقيا، وهذا المصنع التابع لشركة سكر كنانة يهدف إلى إنتاج 65 مليون لتراً، سيتم تصدير90% منه إلى الاتحاد الأوروبي، و10% للسوق الداخلي، وذلك عبر خلطه مع البنزين بنسبة 10%، وهذا الطلب الأوروبي على الإيثانول تزامن مع ارتفاع أسعار البترول في الشهور الماضية،  فقامت أمريكا وغيرها من بلاد أوروبا بانتاج الايثانول لاتخاذه كوقود بديل أو مساعد، وبالتالي الإشارة إلى السودان بانتاج هذا السائل، وهم المشترون والمستفيدون الفعليون من هذا الانتاج! إن مادة الأيثانول المنتجة في كنانة تستخرج مباشرة من تخمير المولاص المتبقي من صناعة السكر، وقد كانت هذه الخميرة تستخدم كعلف غني بالبروتين لتقديمها للماشية وهذا الإيثانول تركيز نسبة الكحول فيه 99,8% بالوزن كحد أدنى .

          هذا هو الحدث، افتتاح ليس له مثيل في أفريقيا لانتاج الإيثانول وقد لاقى هذا الحدث قبولا عند كثير من أبناء المسلمين وما انفك الإعلام المرئي والمسموع والمقروء إلا ويشير بفوائد هذا المصنع وما سيحققه من فوائد. فيأتي السؤال أين ذلك من شخصيتنا التي يجب أن تكون شخصية إسلامية فهل فكرنا ولو للحظة؟ ماذا قال الشرع عن الايثانول؟ هل أحله الإسلام أم حرمه علينا، أي كيف عقلنا أمر مصنع الإيثانول، وعلام كانت ميولنا تجاهه؟ هل رضينا وفرحنا به أم لم نرض ولم نفرح؟ أم أن الأمر لم يحرك فينا شيئا؟ فهل رضينا أم سخطنا والذي نعلمه من ديننا أنه قد نظم لنا كل حياتنا ولم يترك لنا شاردة ولا واردة إلا وبين لنا ما يصلحنا فيه، قال تعالى: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:

          أيها المسلمون إن الإيثانول هو الخمر نفسه وهو المركب الثاني في مجموعته وهو المادة المسكرة؛ التي وردت فيها أدلة كثيرة تنهى عن شربها وصناعتها وحملها وغير ذلك ومنها قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) ) المائدة، وقوله صلى الله عليه وسلم: « « إن الله لعن الخمر ، وعاصرها ، وشاربها ، وساقيها ، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها » وقوله ( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا وَحَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ ) رواه أبو داؤود، وعن جابر بن عبد الله t أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: « إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ » فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ :« لاَ هُوَ حَرَامٌ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهَا ثُمَّ بَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ » (جملوها أي أذابوها). وروى مسلم عن وائل الحضرمي أن طارق ابن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال "إنما أصنعها للدواء " فقال: «إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» فهذه الأدلة تدل على التحريم العام للمسلمين في التعامل مع الخمر صناعة أو بيعاً أو استشفاءً وتحليل شيء من التعامل به لا بد له من دليل حتى يستثنى من الدليل العام . وهذا الإيثانول الذي يراد استخدامه كوقود يستعمله البعض في صناعة العطور حتى أن بعض العطور يكون الغالب فيها هذه الكحول كالكلونيا مثلاً، فهل سألنا أنفسنا يوماً هل يجوز استخدام هذه الكحول المسكرة في صناعة العطور وهل يجوز استخدام هذه العطور التي يدخل فيه الخمر بكميات يكون الغالب فيها ؟

          أيها المسلمون: لقد حبا الله أمتنا الإسلامية بثروات هائلة، وهي نعمة، الأصل أن نشكرها ولا نكفرها، ومن هذه الثروات البترول، وسعره الآن أصبح بعد الأزمة العالمية في تدني، فإذا ارتفع سعرها الأصل أن تستفيد من ذلك الأمة، هذا إذا كان البترول تعود ثروته إلينا ولا تبدد، والغرب بقيادة أمريكا بعد أن سيطر على اقتصاد العالم يريدنا ألا نستفيد من ارتفاع أسعار البترول مع أنهم يبيعوننا منتجاتهم بأعلى الأسعار فبحثوا عن بديل رخيص وهو هذا الخمر وهم لا دين لهم يستعملون أي شيء ، فأرادوا أن يستحمرونا فننتج في بلادنا الإسلامية السلعة المنافسة للبترول، فيستفيد الكفار ويستغنون عن كثير من البترول بالخمر الرخيص، فمن ناحية اقتصادية تجارية الأصل ألا ننتج هذا الإيثانول، وكذلك قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع سعر المولاص وبالتالي سعر العلف، مما قد يؤدي إلى غلاء اللحوم والألبان، هذا فضلاً عن الأدلة التي تحدثت عن حرمة الخمر.

          أيها المسلمون: إنه لا مخرج لنا إلا إذا عقلنا الأمور على أساس العقيدة وجعلنا ميولنا تبعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نحب إلا ما يحبه الله ولا نبغض إلا كل ما يبغضه الله ورسوله. قال صلى الله عليه وسلم »من أصبح وهمه غير الله فليس من الله ومن أصبح ولم يهتم بالمسلمين فليس منهم«.

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع