خطبة جمعة غياب الإسلام هو سبب المعاصي والمشكلات
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً، الحمد لله الذي جعل الليل والنهار آيتين فمحى آية الليل، وجعل آية النهار مبصرة لنبتغي فضلاً من ربنا، ولنعلم عدد السنين والحساب وكل شيء فصله تفصيلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم فصلّ عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً... أما بعد،
يقول المولى عز وجل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) [المائدة: 3]، وقال عز وجل: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 89]. في هاتين الآيتين الكريمتين يُبّن لنا المولى سبحانه وتعالى إكمال دينه وتبيانه لنا لكل شيء، فدين الإسلام شمل لنا تنظيم كل علاقاتنا، وبناءً على ذلك يمكن أن يعرَّف الإسلام بأنه الدين الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لتنظيم علاقة الإنسان بخالقه ونفسه، وغيره من بني الإنسان؛ وعلاقة الإنسان بخالقه تشمُلُ العقائد والعبادات، وعلاقة الإنسان بنفسه تشمل الأخلاق والمطعومات والملبوسات، وعلاقته بغيره من بني الإنسان تشمل المعاملات والعقوبات. وهذه العلاقات كلها إذا لم ننظمها كما أمر الشرع لا تكون حياتنا حياة إسلامية، فهناك عقيدة وشرائع وأحكام مفصّلة يجب الالتزام بها دون التفريط فيها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: 208]. وقد جعل الشرع عقوبات لمن يخالف النظام الشرعي، حيث ان المجتمع يكون سائراً بنظام الإسلام في كل شيء، وعندما يشذ أحد أفراد الأمة عن النظام فإن العقوبات تكون رادعة وزاجرة له ومطهرة لذنبه. ولكن العقوبات لا تستقيم مع غياب نظام الإسلام، فالعقوبات أحكام قليلة جداً بالنسبة لنظام الإسلام ككل، فالبعض يفهم ديننا فهماً خاطئاً بأنه قطع وجلد وقصاص، فهذا ليس الإسلام، إنما الإسلام نظامه كاملاً ينفذ، فالعقوبات جزء يسير منه عند انفلات أحد من نظام الإسلام الذي اختاره الله عز وجل لنا لتنظيم حياتنا.
والآن يشكو كثير من الناس غياب تطبيق العقوبات الرادعة في الشارع العام مثلاً، أو في الحفلات الغنائية، فيعتبر البعض أن المشكلة تكمن فقط في عدم وجود عقوبات تطبق، مع أن المشكلة هي غياب نظام الإسلام، فمنه تطبيق العقوبات. فإذا أخذنا مثالاً واحداً يتعلق بالزي الشرعي للنساء في الشارع العام، كيف هو نظامنا الذي نعيش به؟ وأين هو من ديننا؟ فهل هو وفق ديننا أم غير ذلك؟ وهل هناك عقوبات شرعية مطبقة عليها لمخالفة الشرع؟ أو بمعنى آخر عندما خرجت نساؤنا وفتياتنا وبناتنا إلى الشارع العام، هل تقيدنا بالزي الشرعي؟ وهل كانت القوانين والنظم تبين ما هو الزي الشرعي للمرأة المسلمة بأدق تفاصيله أم تركت الأمر مبهماً وتركته للعرف.
نحن نجد الآن أيها الأحبة الكرام ما يحدث في الشارع العام لا يختلف عليه اثنان انه ليس زياً شرعياً، ولكن رغم ذلك نجد أن النظام العام أصبح يسمح بذلك، فلا اهتمام أصلاً، فأصبحت ما لا يقل عن 95% من النساء يخرجن إلى الشارع العام ويفتقدن شرطاً من شروط الزي الشرعي أو كل الشروط، وهي أولاً: أن يكون الزي ساتراً لكل العورة، والمرأة كلها عورة ما عدا الوجه والكفين. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: »يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلا هَذَا وَهَذَا وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ». وثانياً: أن تلبس المرأة ثوبين عندما تخرج للشارع العام وليس ثوباً واحداً. عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأضْحَى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ قَالَ لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا»، رواه مسلم. والشرط الأخير: أن لا يكون في ذلك الزي تبرج - والتبرج هو إظهار الزينة مطلقاً - كأن يكون ضيقاً على الجسد. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لا أَرَاهُمَا بَعْدُ نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاتٌ مُمِيلاتٌ عَلَى رُءُوسِهِنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لا يَرَيْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا...»
وعليه إذا خرجت المسلمة بلبسة واحدة وهي ساترة لعورتها ولم تلبس ثوباً آخر عليها تكون قد فقدت شرط الثوبين، كأن تلبس جلباباً أو ملحفة، وإذا لبست الثوبين وكان في لبسها تبرج بأن يكون ضيقاً، تكون ففقدت أيضاً شرطاً وعندها أيضاً لا يكون الزي شرعياً.
أيها المسلمون: إذا أخذنا هذه الجزئية فقط، وهي أنه ما لا يقل عن نسبة 95% يخرجن إلى الشارع العام ويقفتقدن شروط الزي الشرعي أو شرطاً إن ذلك ليدل على غياب نظام الإسلام عن حياتنا، فهذا سيسألنا الله عز وجل عنه، سيسألنا عن تطبيق الإسلام وعن ماذا فعلنا لأجله، فهذا ما بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم من أجله وأمرنا الشرع بالتأسي به صلى الله عليه وسلم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وآله وصحبه الكرام النجباء، ومن تبعه بإحسان إلى يوم اللقاء وبعد،،،
أيها المسلمون: إذا نظرنا إلى العقوبات الموجودة نصاً في القانون الجنائي والمطبقة فعلاً، نجد أمراً عجيباً، حيث تقول المادة (152) ما يلي:
1- من يأتي في مكان عام فعلاً أو سلوكاً فاضحاً أو مخلاً للآداب العامة أو يتزيا بزي فاضح أو مخل للآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام، يعاقب بالجلد بما لا يتعدى أربعين جلدة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً.
2- يُعد الفعل مخلاً للآداب العامة إذا كان ذلك معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل.
أيها المسلمون: نجد في هذه المادة عدة أمور يجب الانتباه لها أولها، أن المادة لم تبيّن الزي الشرعي الذي يجب أن تلبسه المرأة في الشارع العام، فكل يعتبر الزي محتشماً وفق ما يراه ووفق هواه وبالتالي يشكل تطبيق المادة أنها لم تحدد زياً يحتكم إليه الجميع. ثانياً: عندما فصّلت المادة الفعل المخل بالآداب ربطته بدين الفاعل أي إذا كان نصرانياً فإنه يفعل ما يراه في دينه، وهذا يؤدي إلى تطبيق الزي مثلاً على المسلمين فلا يطبق على غيرهم، وهذا سيجعل مشكلة كبرى منها التهاون مع عدم وضوع ما هو فاضح. ثالثاً: ربط الفعل المخل بالآداب بالعرف في البلد يجعله أيضاً بعيداً عن الإسلام، لأن العرف ليس شرعاً، والعرف يتغير بتغير سلوك الناس.
أيها المسلمون: لذلك نجد في قضية الصحفية المحاكمة بهذه المادة نفسها أنها تصرّ على أنها ترتدي زياً محتشماً وغير فاضح، فكل ينظر إلى الحشمة بزاوية مختلفة، ولكن الفيصل هو الإسلام الذي فصّل ونظّم ذلك، ولكن القانون يفتقد ذلك.
أيها المسلمون: يقول المولى سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: 11]. وبالتالي فإن حياتنا لن تستقيم حتى يكون نظام الإسلام مطبقاً كاملاً بيننا، فنتقيد بأحكام الإسلام وأهلينا وأن نأطر بعضنا البعض أطراً على الإسلام، فنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وتكون كل القوانين والدستور فقط قائمة على أساس العقيدة فإلا فإن الله عز وجل سيسألنا كما سيسأل الرسل، قال تعالى: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف: 6].