خطبة جمعة توحيد بدء الصوم فرض ومظهر من مظاهر وحدة المسلمين
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ عليه وآله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. وبعد
قال الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران 102-103). أيها الأحبة الكرام بعد ان امرنا المولى سبحانه في الآية الأولى بأن نتقيه حق التقوى، نهانا ألا نموت إلا على ملة الإسلام، وهذه الملة هي التي تجمعنا، وهي التي توحدنا، وهي مصدر وحدتنا. وأمرنا ربنا في الآية الثانية أن نعتصم جميعاً بحبله وهو القرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. أيها الأحبة الكرام نحن أمة واحدة، فديننا واحد ملتنا واحدة وقبلتنا واحدة ونحن أمة واحدة، وبالتالي فإننا إذا أخذنا نحصي مظاهر وحدتنا لوجدنا مشقة في الحصر.
أيها المسلمون: بعد أيام سنستقبل شهر رمضان الكريم، وهذا الشهر مع كثرة فضائله وخيراته فإنه ايضاً مظهر من مظاهر وحدة المسلمين، فالأمة الإسلامية العظيمة التي قد اتسعت رقعة بلادها، وكثر أفرادها ففاقوا المليار، وهم اخوة لا فرق بين من يعيش في السودان أو مصر أو اندونيسيا أو المغرب، فهذه الأمة الكريمة ستصوم بعد ايام صوماً واحداً في هذا الشهر الكريم. غير انه يلاحظ أن بعض الأمور تحدث في بدء الصوم وفي ختمه تتنافي مع هذه الوحدة رغم توفر الأدلة التي توجب البدء في يوم واحد، ورغم توفر إمكانات الرؤية والاتصال بين المسلمين لايصال خبر ثبوت هلال رمضان أو هلال شوال. ففي العام الماضي حدث اختلاف عظيم حيث صام المسلمون في ثلاثة أيام مختلفة (السبت والأحد والاثنين) وذلك أمام مرأى ومسمع العالم عامة والمسلمين بخاصة، والمشكلة انه يستحيل أن يبدأ الشهر بثلاثة أيام مختلفة، فالشهر القمري هو تسعة وعشرون يوماً، وإذا لم ير الهلال تكمل العدة ثلاثين يوماً. والمشكلة أنه في واجب صيام رمضان أن الافطار في نهار رمضان كبيرة من الكبائر، وإذا علم المسلمون أن هذا اليوم هو اليوم الأول من رمضان وأفطروا ذلك اليوم، اي في نهار رمضان فهذا كبيرة من الكبائر، وكذلك إذا ثبت هلال شوال ولم يفطر المسلمون، فإنه أيضاً كبيرة من الكبائر.
أما سبب عدم تحقيق المسلمين لهذه الوحدة في بدء الصوم فلسببين:
الأول: إدخال الحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر، وهذا أدى للخلاف بسبب اختلاف الفلكيين أنفسهم، فالحساب ظني ويختلف في المشرق عنه في المغرب من حيث الاقتران وولادة الهلال، فمثلاً هنا في جامعة الخرطوم أحد الفلكيين يصّر أن يوم الجمعة القادم هو أول أيام رمضان، وفي ماليزيا برنامج رصد الأهلة يقول أن السبت الذي يلي الجمعة القادمة هو أول أيام رمضان، فأي الحسابين أصح؟ وقد انجر كثير من أبناء المسلمين لهذه الأقوال مع أن الأصل فينا أن ننظر كيف يثبت دخول الشهر القمري في الإسلام، فقد روى مسلم من طريق ابن عمر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: »لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلالَ وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ»، وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ»، فهو عليه الصلاة والسلام لم يكتف بالأمر بالصوم عند الرؤية وإنما جاء النهي هنا عن الصيام دون الرؤية، والصيام بالحساب الفلكي لا شك في أنه صيام دون رؤية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: عن ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: »إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلاثِينَ».
وعدم أخذ الحساب في اثبات الشهر لا يمنع الأخذ به استئناساً لمعرفة الأوقات التي يمكن أن يتحرى فيها الهلال، ومعرفة الزوايا الأفضل للرؤية. ونحن إذا دققنا في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم نجد أنه لعامة المسلمين (تروا الهلال) وليس الخطاب خاصاً بفئة معينة كعلماء الفلك.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد،
أما السبب الثاني لهذه المشكلة في العالم الإسلامي اليوم هي أن كل دولة في بلاد المسلمين تعتبر نفسها كلاً وليس جزءً من الأمة الإسلامية، وإن نصّت بعض الدساتير فيها على غير ذلك، فصارت كل دولة تتخذ قراراتها دون مراعاة لسائر المسلمين، لأنها تعتبر نفسها كياناً مستقلاً عن سائر المسلمين ولا حق للمسلمين خارج كيانها للتدخل فيه، ومن ذلك إعلان الصيام وإعلان الافطار، فترى كل دولة تعلن وكأنه لا يوجد مسلمون في غيرها، وهذا هو السبب في بقاء الاختلاف بين الدول في العالم الإسلامي، ولو أن هذه الدول تعتبر نفسها أجزاء من كلٍ لربما توحدت المواقف في كثير من المسائل والقضايا كنصرة المستضعفين من المسلمين الذين قد ضاعوا بسبب هذه الدويلات. ونحن لو فكرنا قليلاً نجد انه مثلاً لو ثبت هلال رمضان في منطقة وادي حلفا في أقصى شمال السودان ولم يثبت في أسوان بأقصى جنوب مصر، فإن أهل الخرطوم سيصومون، ولكن لماذا لا يصوم أهل أسوان وهم أقرب لوادي حلفا، فنحن اخوة ولا عبرة باختلاف المطالع، والاختلاف في بدء الصوم ليس كالاختلاف في مواقيت الصلاة من بلد لآخر، فأبعد نقطتين في الأرض الفارق في التوقيت الزمني بينهما تسعة ساعات وهو جزء من اليوم وبالتالي فإن اليوم في العالم كله هو يوم الجمعة وليس هناك بلد اليوم فيها يوم السبت أو الخميس. أما هذه الحدود الوهمية فهي صناعة الكافر المستعمر ولا ينبني عليها شرع، فلا فرق بين المسلمين أينما سكنوا فكلنا أمة واحدة. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: أبصرت الهلال الليلة، فقال : »أتشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله ؟ قال: نعم، قال: قم يا فلان فأذن بالناس فليصوموا غدا» رواه ابن خزيمة.
أيها المسلمون: إذا ثبت هلال رمضان بالرؤية الشرعية فإنه يجب على المسلين جميعاً الصيام ولا يجوز لنا أن نأخذ بالحساب ولا أن نكتفي برؤيتنا دون رؤية غيرنا، فنحن أمة واحدة. ولكن البعض يقول على كل اهل بلد ان يأخذوا بأمر الحاكم الذي عليهم وهذا الكلام لا دليل عليه، وكيف إذا أخذ هذا الحاكم بالحساب الفلكي أو لم يهتم برؤية غيره من المسلمين، فهذا لا يؤخذ منه لمخالفته أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالواجب علينا أيها الأحبة الكرام أن تتوحد الأمة الإسلامية كما تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، فيجب علينا أن نسعى لتوحيد الأمة بالطريقة الشرعية وذلك بأن يكون للمسلمين إمام واحد يأمر المسلمين في كل مكان أن يتحروا الرؤية وعند ثبوتها يأمر فلاناً أن أعلم المسلمين في العالم ببدء رمضان. فهذا هو الواجب ونسأل الله عز وجل أن يعيد علينا مثل هذه الأيام وأمتنا واحدة يقودها رجل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونسأله عز وجل أن يبلغنا رمضان وأن يعيننا على صيامه وقيامه وأن يتقبل منا أجمعين صالح الأعمال. آمين...