جواب سؤال
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال:
إني أعمل في مهنة ذات مساس بالتصوير، وأتعرض خلالها إلى الأعمال التالية:
* تعديل الصور وتصحيحها (أي إزالة التجاعيد، تغيير لون العين أو بعض ميزات الوجه إلخ..).
* رسم صور الأشخاص والحيوانات الشبيهة بالواقع...
* استعمال الصور والرسوم الجاهزة في الطباعة.
* استخدام الصور أو الرسوم أو الشعارات للمصممين الآخرين بدل رسمها بنفسي.
* رسم رموز الناس أو الحيوانات (على سبيل المثال معالم في الطريق مثل "عبور المشاة" أو "الباب عند الحريق" أو "ممنوع التنزه مع الكلاب").
* رسم أجزاء جسم الإنسان أو الحيوان (على سبيل المثال صورة المصافحة أو إصبع سبابة أو رأس الحصان... كشعار).
* رسم صور الأشخاص والحيوانات غير الشبيهة بالواقع (كاريكاتورية).
* رسم أحرف الحكايات الخرافية غير الموجودة في الواقع أصلاً.
أرجو بيان الحكم الشرعي في هذه الأعمال، وبارك الله فيكم؟
الجواب:
قبل الإجابة على أسئلة التصوير نؤكد على أمرين:
الأول: إن الأجوبة أدناه هي عن الحكم الشرعي في التصوير، أي الرسم باليد، فهذا هو المعنى الوارد في الأحاديث، وليس التصوير بالآلة "الكاميرا"، فهذا مباح ولا تنطبق الأحاديث عليه.
الثاني: إن الأجوبة أدناه هي عن الصور المستوية المسطحة التي لا ظل لها، أما التصوير الذي له ظل، أي التماثيل، فإنها حرام في جميع حالاتها للأدلة الشرعية في ذلك باستثناء لعب الأطفال حيث وردت أدلة تجيزها كما هو مبين في آخر الأجوبة.
والآن هذه أجوبة أسئلة التصوير التي أرسلت:
بالنسبة إلى السؤالين:
* تعديل الصور وتصحيحها (أي إزالة التجاعيد، تغيير لون العين أو بعض ميزات الوجه إلخ..).
* رسم صور الأشخاص والحيوانات الشبيهة بالواقع...
فإن هذين السؤالين يتعلقان برسم الأشياء ذوات الأرواح، أو إجراء تعديلات بالرسم اليدوي على صور الأشياء ذوات الأرواح كإزالة التجاعيد وبعض ميزات الوجه... وهذه ينطبق عليها التحريم الوارد في الأدلة، سواء أكان الرسم بالقلم اليدوي أو كان باستعمال "الفارة" على الحاسوب "الكمبيوتر"، فما دام الرسم بالجهد البشري محاكاة لذي روح فالتحريم ينطبق عليه، أخرج البخاري من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا». وأخرج من طريق ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ».
وبالنسبة إلى السؤالين:
* استعمال الصور والرسوم الجاهزة في الطباعة.
* استخدام الصور أو الرسوم أو الشعارات للمصممين الآخرين بدل رسمها بنفسي.
أي نقلها من الآخرين دون رسمها من قبل السائل، فهذه ينطبق عليها حكم اقتناء الصور، وهي ثلاثة أنواع:
أ- إذا كان نقلك لها لتضعها على ما يستعمل في أماكن العبادة مثل سجادات الصلاة أو ستائر المسجد أو دعاية وإعلان للمساجد، ونحو ذلك... فهذا حرام لا يجوز، ومن الأدلة على ذلك:
حديث ابن عباس أن الرسولصلى الله عليه وآله وسلم أبى أن يدخل الكعبة حتى مُحيت الصور التي فيها، فرفضُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دخولَ الكعبة إلا بعد أن محيت الصور هو قرينة على الترك الجازم لوضع الصور في أماكن العبادة، فيكون دليلاً على التحريم للصور في المساجد:
أخرج الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ يَعْنِي الْكَعْبَةَ لَمْ يَدْخُلْ وَأَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ»
ب- أما إن كان نقلُ السائل للصور المرسومة من غيره، نقلُها لاستعمالها في غير أماكن العبادة، فإن الأدلة الواردة بيّنت أن هذا جائز:
- مع الكراهة إن كان نقل الصور لاستعمالها في أماكن للاحترام أو التعظيم كستائر للبيوت أو وسائل إيضاح للمؤسسات الثقافية أو على قمصان تلبس أو ثياب... أو في المدارس والمكاتب والإعلانات التي لا علاقة لها بالعبادة، أو كأن تعلق في صدر الغرفة أو تلبس لتحسين الهيئة ونحو ذلك... فكل هذا مكروه.
- ومباحة إن كان نقل الصور لاستعمالها في غير أماكن العبادة وفي غير الأماكن المحترمة كأن تكون على بساط أرضي يوطأ أو على "فرشات" يُنام ويستلقى عليها، أو وسائد يتكأ عليها، أو رسومات على الأرض تُداس أو نحوها... فكل هذا مباح.
ومن الأدلة على ذلك:
- حديث أبي طلحة عند مسلم بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة» وفي رواية من طريقٍ رواها مسلم أنه قال: «إلا رقماً في ثوب» فهذا يدل على استثناء الصورة المرقمة في ثوب، ومفهومه أن الملائكة تدخل البيت الذي فيه رقم في ثوب أي صورة مرسومة رسماً.
وهذا يعني أن الصورة المستوية "رقماً على ثوب" جائزة لأن الملائكة تدخل البيت الذي فيه صور مستوية. ولكن وردت أحاديث أخرى تُبيّن نوع هذا الجواز:
- حديث عائشة رضي الله عنها الذي أخرجه البخاري قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ» والقرام نوع من الثياب، وكان موضوعاً كساتر على باب البيت، وتلوُّن وجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونزع الستار هو بمثالة طلب ترك لوضع الستار على الباب إذا كان فيه صور، فإذا ضُّم هذا مع جواز دخول الملائكة البيت الذي فيه صور "رقماً على ثوب"، فإنه يدل على أن طلب الترك غير جازم، أي مكروه، ولأن مكان الصور هذا كان في ستار منصوب على الباب، وهو مكان محترم، فإذن وضع الصور في مكان محترم مكروه.
- حديث أبي هريرة الذي أخرجه أحمد من قول جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «وَمُرْ بِالسِّتْرِ يُقْطَعْ فَيُجْعَلَ مِنْهُ وِسَادَتَانِ تُوطَآَنِ»، فجبريل قد أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بإزالة الستر عن المكان المحترم، وعمل وسادتين منه توطآن، وهذا يعني أن استعمال الصور المرسومة من آخرين في أماكن غير محترمة مباح.
وبالنسبة للسؤالين:
* رسم رموز الناس أو الحيوانات (على سبيل المثال معالم في الطريق مثل "عبور المشاة" أو "الباب عند الحريق" أو "ممنوع التنزه مع الكلاب").
* رسم أجزاء جسم الإنسان أو الحيوان (على سبيل المثال صورة المصافحة أو إصبع سبابة أو رأس الحصان... كشعار).
إن الجواب على هذين السؤالين هو:
إذا كانت الرموز التي تُرسم تدل على صورة لها روح، فهي حرام، لأن الأحاديث وصفت التحريم المحرم بذي روح، وهذا الوصف ينطبق على الصور الكاملة أو النصفية أو الرأس المتصل به أجزاء واضحة من الجسم كاليدين أو نحو ذلك.
أما إذا كانت الرموز لا تدل على صورة لها روح مثل رسم يد وحدها أو رسم إصبع يشير إلى شيء أو رسم يدين تتصافحان أو نحو ذلك... فلا ينطبق عليها التحريم.
أما رسم رأس وحده دون اتصاله بأجزاء واضحة من الجسم فهذه فيها خلاف فقهي، والذي أرجحه هو عدم تحريم رأس وحده لا يتصل به أي جزء من الجسم، وذلك لأن الأحاديث التي تجيز قطع رأس التمثال ليبقى كالشجرة مثل حديث أبي هريرة الذي يقول فيه جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأن التمثال لا يعود حراماً إذا قُطع رأسه... «فمر برأس التمثال الذي في باب البيت فليقطع ليصير كهيئة الشجرة»، «... فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ يُقْطَعْ فَيُصَيَّرَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ...» أخرجه أحمد. هذا الحديث يعني أن الرأس وحده، وباقي التمثال وحده، كل منهما ليس حراماً، ولا يتأتى القول إن عدم التحريم هو لجسم التمثال المقطوع رأسه، وأما الرأس المقطوع فهو حرام، لأن أمر جبريل للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقطع رأس التمثال يعني أن هذا القطع جائز، وبالتالي فإن ما يترتب عليه جائز.
وللعلم فإن الحنابلة والمالكية يجيزون الرأس وحده، وأما الشافعية، فعندهم خلاف... فأكثر فقهائهم في تحريم الرأس وحده، وآخرون منهم يجيزونه.
أما السؤالان الأخيران:
* رسم صور الأشخاص والحيوانات غير الشبيهة بالواقع (كاريكاتورية).
* رسم أحرف الحكايات الخرافية غير الموجودة في الواقع أصلاً.
فإن جوابهما هو أن هذه الصور ما دامت تدل على كائن ذي روح، حتى وإن لم يكن مشابهاً للواقع، فإنه حرام لأن النصوص تنطبق عليه، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم أمر عائشة رضي الله عنها أن تنزع السترة التي كانت على الباب لأن عليها صوراً لخيول ذوات أجنحة، وبطبيعة الحال فليس هناك خيولٌ في الواقع ذوات أجنحة.
أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَّرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الْأَجْنِحَةِ فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُه» والدرنوك نوع من الثياب.
وأكرر ما قلته في بداية الأسئلة أن الرسوم المحرمة هي التي ليست للأطفال، أما إذا كانت للأطفال، كالرسوم الكاريكاتيرية للأطفال أو الرسوم الخيالية للأطفال، أو في إلهائهم وتسليتهم، أو في تعليمهم... فكل هذا جائز للأدلة الواردة في ذلك ومنها:
أخرج أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ قَالَتْ بَنَاتِي...»
وحديث عائشة رضي الله عنها الذي أخرجه البخاري قَالَتْ: «كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...». أي بلعب على شكل بنات.
وحديث الربيع بنت معوذ الأنصارية رضي الله عنها الذي أخرجه البخاري «...وَنَجْعَلُ - وفي رواية مسلم ونصنع - لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ»، أي تلهيهم باللعبة حتى موعد الإفطار.
وكل هذه الأحاديث تجيز لُعب الأطفال حتى وهي على شكل تمثال لذي روح، وبذلك فإنها جائزة من باب أولى وهي على شكل صور مستوية مهما كانت.