السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

التأمل في حياة النبي - صلّى الله عليه وسلم - يعني تطبيق الإسلام

 

(مترجم)

 

 

قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم:


((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )) [سورة الأنبياء:107]


عندما يتأمل المسلمون في جميع أنحاء العالم، مليّا في حياة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم إنما ينظرون إلى الرحمة المهداة في ولادته الشريفة وأخلاقه الكريمة وصفاته النبيلة وحياته التي تمثلت في التضحية والزهد والبساطة والتقوى كعبدٍ شاكر لله. كما ينظرون أيضا إلى المقام الذي حباه الله سبحانه وتعالى به في هذه الدنيا -فهو خير خلق الله وسيد المرسلين- وصاحب الشفاعة يوم القيامة، عندما يقوم الناس لرب العالمين.


فهل ننصف رسول الله، صلى الله عليه وسلم عندما نتأمل في حياته بحصر رحمته في العبادات فحسب؟ لا شك أن حياته عليه الصلاة والسلام تشمل رسالته ونبوته اللتين كانتا أساس بعثته كرسول للبشرية.


((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)) [سورة الأحزاب: 45-46]


كانت رسالة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم رحمة في تحديدها طريقة عيش متميزة، تمثلت في مجموعة من الأفكار التي بينت سبب وجودنا في الحياة، والغاية من وجودنا فيها، وماذا سيكون بعد هذه الحياة، ومصدر القوانين والقيم والنظم في المجتمع. ولد رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم في مجتمع غارق في الجاهلية؛ حيث الحكام يظلمون المحكومين، والفساد والغش متفشيان، وتعامل النساء كمجرد أشياء، وأموال الأيتام تؤكل ظلماً، وقيمة الإنسان تتحدد بلون جسده وطبقته في المجتمع. فخاض رسول الله، صلى الله عليه وسلم صراعاً قوياً ضد هذه الممارسات غير الإنسانية، وقادهم في طريق اقتلاع ظلام الجاهلية وإقامة مجتمع مبني على قوانين وقيم ونظم أتى بها الوحي من الله سبحانه وتعالى.


((الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)) [سورة إبراهيم: 1]


ذهب ربعيّ بن عامر كرسول إلى القائد الفارسي رستم في عهد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فأجابه عن سبب خروجهم من الجزيرة العربية قائلاً: "إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".


ومن المعلوم فطرةً أن الناس إن لم يعبدوا الله سبحانه وتعالى ويخضعوا للخالق المدبر، فإن الأمر سينتهي بهم إلى الخضوع إلى شيء آخر من مخلوقات الله. فقد خضع الناس في الأجيال السابقة إلى رجال آخرين كزعماء القبائل والأباطرة والملوك.


واليوم، لم يتغير شيء من ذلك! فها هم الناس يخضعون إلى قوانين وأحكام وضعها أناس آخرون مثلهم في شكل مستبدين وديمقراطيين. والذين يتحكمون بالشعوب اليوم هم السياسيون بالتواطؤ مع رؤساء كهنة الرأسمالية، ونعني المصرفيين والشركات التجارية الكبرى. والنتيجة هي عالم تسيطر عليه طريقة عيش تغرق الناس في ظلام اللهاث وراء الرغبات المادية فحسب، عالم تستخدم فيه النساء كأشياء جنسية باسم "تحرير" النساء، ويعيش نحو ثلاثة مليارات من البشر في العالم في فقر مدقع، على أقل من 2 دولار في اليوم، ولا يزال شر العنصرية متفشياً، والمسلمون وغيرهم لا يزالون يعيشون في خوف يوميّ من القصف والقتل.


تمسّك النبي عليه الصلاة والسلام بالقرآن والسنة، وعبد الله وحده؛ فنصره الله سبحانه وتعالى بإقامة سلطان الإسلام في المدينة المنورة وجميع الجزيرة العربية. وفعل مثل ذلك خلفاؤه من بعده، الخلفاء الراشدون، حيث طبقوا القرآن والسنة في واقع الحياة، فنصرهم الله تعالى بنشر نور الإسلام من بلاد فارس شرقا إلى مصر غرباً.


نشر الإسلام نوره على العالم مما يسمى اليوم المغرب إلى جنوب آسيا، موحداً الشعوب في أمة واحدة. فأخرج الله عز وجل به الملايين من الناس من حياة الحرب والصراع والفقر والحكم الاستبدادي إلى أمان وعدل ورحمة الإسلام؛ عصر ذهبي ازدهر فيه التعليم والعلوم والرعاية الصحية والتكنولوجيا.


يحيي المسلمون اليوم في جميع أنحاء العالم ذكرى حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم في وقت لا نطبق كأمة رسالته ولا نواصل مهمته النبيلة. فبلادنا تهيمن عليها الجاهلية نفسها أو مثلها التي كانت في مكة قبل 1400 سنة. والأسوأ من ذلك أن جميع البلاد الإسلامية اليوم تخضع إرادتها السياسية والاقتصادية للقوى الاستعمارية؛ الأمر الذي لم تشهده شبه الجزيرة العربية حتى في عهد الجاهلية. تعيش الأمة اليوم في ظلّ ظلام الحكام الفاسدين المستبدين -مجزأة إلى عدد من الدويلات الوطنية الضعيفة- يتحدّون سنة رسول الله عليه السلام في الحكم، والاقتصاد، والقانون والنظام، والعلاقات بين الرجل والمرأة في المجتمع، والشؤون الدولية.

 

فاستبدلت القوانين والأحكام العلمانية الوضعية بدولة الخلافة والحكم الذي جاءت به سنة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.


تكافح في جميع أنحاء العالم أعداد متزايدة من المسلمين من أجل فهم الإسلام كطريقة عيش تطبقها دولة، تحمل بعدها رسالة الإسلام رحمة للبشرية جمعاء. ولقد تعرضت هذه الرسالة وبعثة النبي عليه الصلاة والسلام للتهجم والسخرية في الغرب، وذلك لمنع الناس في الغرب بل وفي العالم بأسره من رؤية حقيقة الإسلام.

لقد استخدمت قريش من قبل أساليب الدعاية المغرضة نفسها عندما أطلق رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم دعوته في مكة المكرمة. لقد افتروا على شخصه الكريم، ومهمته كما نشهد اليوم. ولكن ذلك لم يمنعه عليه الصلاة والسلام من القيام بمهمته لإقامة هذا الدين. بل واصل - صلّى الله عليه وسلم - عمله صابراً معتمداً على الله سبحانه وتعالى، دون أن يسمح لأي من الصعوبات التي واجهته أن تبطّئ سيره في مهمته أو تحرجه عن الحديث عن حقيقة هذا الدين.


يجري في الغرب اليوم السخرية والهزء من شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام ومن مهمّته لمَنْع الناسِ من رؤية الرسالةَ الحقيقيةَ للإسلامِ الذي أتى به رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - كرحمة للبشرية، حيث يصفون الإسلام برجعية القرون الوسطى وظلمه للمرأة وبالبربرية والعنف. يحصل هذا في وقت يمكن أن ترى فيه الإنسانية كَيفَ جلبت الأنظمة العلمانية والديموقراطية الوضعية الفوضى إلى العالمِ فاقة في العالم الثالثِ، وحروباً على مصادر الثروة، وتملق الحكوماتِ الغربيةِ للمستبدين من أجل مصالحها، والآن إجراءات التقشف التي تقع على كاهل الجماهيرِ لمنع انهيار النظام الرأسمالي الفاسدِ.


هذا هو الصراع الذي يَحْدثُ بين الإسلامِ والعلمانيةِ، بين النظامِ الذي أوحى به الله تعالى والنظام الذي وضعه الإنسان على هواه والذي أصبح الآن مفلساً.


في الوقت الذي نستذكر حياةَ النبي عليه الصلاة والسلام دعونا نُذكي في أنفسنا الحماس نفسه والتصميمِ اللذين كانا لدى النبي، صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم. دعونا ننهض إلى مهمة حَمْل هذه الدعوة العظيمة إلى الناسِ في الغرب، فنقدم الإسلام كبديل للإنسانيةِ، ودولة الخلافة كدولة تتصدّى للأعمال الوحشية التي تمارسها الأنظمة الوضعية في العالم اليوم.


((لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ. فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)) [سورة التوبة: 128-129]

 

 

 

التاريخ الهجري :16 من ربيع الاول 1434هـ
التاريخ الميلادي : الإثنين, 28 كانون الثاني/يناير 2013م

حزب التحرير
بريطانيا

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع