الثلاثاء، 22 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿إنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾

 

ستجري في قرغيزستان انتخابات برلمانية في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2021م، وستكون هذه المرة بنظام مختلط بخلاف سابقاتها، أي سيستخدم فيها النظام النسبي حيث يكون التصويت لقوائم حزبية على مستوى البلد وكذلك سيستخدم في الوقت نفسه نظام الأغلبية حيث يكون التصويت أيضاً لمرشحين معينين في دائرة معينة إذ يقسم البلد إلى دوائر انتخابية متعددة... وتستمر الحملة حتى 27 تشرين الثاني/نوفمبر.

 

إن على المسلم الالتزام بالحكم الشرعي، ولذلك نود أن نبين لمسلمي قرغيزستان الحكم الشرعي في هذه الانتخابات البرلمانية، ولمعرفة الحكم الشرعي فيها لا بد من معرفة واقع الانتخابات البرلمانية وذلك بالوقوف على أعمال أعضاء البرلمان وأعمال ذلك البرلمان وحقوقه ومسؤولياته، وعلى ضوء ذلك يمكننا الوصول إلى الحكم الشرعي في الانتخابات البرلمانية.

 

وبالاطلاع على المواد ذات العلاقة من دستور قرغيزستان (المادة 76، المادة 80، المادة 85)، يتضح أن أعمال البرلمان الرئيسة هي: التشريع وسن القوانين وتعديلها وتفسيرها، إعطاء الثقة لرئيس الوزراء ونوابه وأعضاء مجلس الوزراء، التصديق على المعاهدات الدولية أو نقضها، الرقابة والمحاسبة... وبالنظر في هذه الأعمال يتبين أن الأعمال الثلاثة الأولى هي أعمال غير جائزة شرعاً فيما العمل الرابع وهو الرقابة والمحاسبة عمل جائز شرعاً إن كان وفق الأحكام الشرعية:

 

1- فالتشريع في الإسلام هو لله وحده، ولا يصح للمسلم أن يجعل نفسه مشرعاً مكان الخالق سبحانه، بل الواجب هو النزول عند الحكم الشرعي وأخذه دون نقاش، كما أنه لا يصح له أن يجعل الأحكام الشرعية خاضعة للتصويت والاختيار، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾، والبرلمان بالصلاحيات الحالية هو فكرة غربية منبثقة عن العلمانية وفصل الدين عن الحياة والدولة حيث يجعل الرأسماليون التشريع للشعب عن طريق أعضاء البرلمان ممثلي الشعب حسب قولهم، وهذا يناقض الإسلام الذي يحصر التشريع في الخالق سبحانه.

 

2- أما إعطاء الثقة للحكومة فهو نوع من التوكيل لها لتطبق أحكام الكفر، حيث إن الحكومة في الأنظمة الديمقراطية تطبق الدستور والقوانين التي يضعها البشر من دون الله، ولا شك أنه لا يجوز توكيل أي شخص ليطبق على الناس أحكام الكفر لأن الله أمر بالحكم بأحكام الشرع فقال عز من قائل: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾، وعليه فإن إعطاء الثقة لحكومة تحكم بغير الشرع هو حرام ظاهر الحرمة.

 

3- وأما المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية فإن هذه المعاهدات مبنية على الدستور والقوانين الوضعية، وفيها مخالفات شرعية ظاهرة، وغالباً ما يكون فيها إعطاء سبيل للكفار على المسلمين، وهو أمر لا يصح شرعاً لقوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.

 

4- أما مراقبة الحكومة ومحاسبتها وفق أحكام الشرع فهو أمر واجب على المسلمين وهو داخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعليه أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، ومن ذلك ما رواه الترمذي في سننه عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ»، قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. لكن مراقبة الحكومة ومحاسبتها وفق القوانين الوضعية أمر غير جائز.

 

وفي ضوء هذا البيان يظهر أن العمل الوحيد الذي يمكن أن يكون جائزاً في البرلمان هو المحاسبة ولكن وفق أحكام الشرع، ولذلك فإن من يريد أن يترشح للبرلمان عليه أن يراعي أموراً عدة ليكون ترشحه غير مخالف للشرع، ويمكن إيجازها بما يلي:

 

أ- أن يبين للناس بوضوح رفضه التشريع من دون الله ورفضه أنظمة الكفر ورفضه إعطاء الثقة لحكومة تطبق الكفر، وأن يظهر بصراحة أنه يعمل على تغيير أنظمة الكفر وإقامة نظام الإسلام الذي هو الخلافة الراشدة مكانها، وأن يلتزم بذلك كله فعلاً إذا ما نجح في الانتخابات.

 

ب- أن يتبنى برنامجاً مستنبطاً من الكتاب والسنة ويعمل على اتخاذ قبة البرلمان منبراً لقول الحق ولمحاسبة الحكومة على أساس الإسلام إذا ما جرى انتخابه.

 

ج- لا يجوز له أن يكون ضمن حزب أو مجموعة تتبنى غير الإسلام وتدعو إليه كالأحزاب القومية والعلمانية ونحوها، بل إذا ترشح في قائمة حزبية فينبغي أن يكون برنامج هذه القائمة مستنبطاً من الكتاب والسنة وأن يكون هدفها هدم أنظمة الكفر وإقامة الإسلام مكانها. ولا يجوز للقوائم أن تترشح إلا إذا تبنت الإسلام ودعت إلى تطبيقه بإقامة الخلافة وإزالة أنظمة الكفر، كما لا يجوز لها أن تدخل في تحالفات انتخابية مع مجموعات غير قائمة على أساس الإسلام.

 

وكذلك لا يصح التصويت لشخص ليدخل البرلمان إلا إذا توفرت فيه الشروط المذكورة في الأعلى، لأن التصويت هو نوع من الوكالة، والوكالة لا تصح في محرم، بل يجب أن تكون في أمر جائز، فلا يصح التصويت لشخص أو جهة لتشرع من دون الله أو لتنفذ أحكام الكفر أو لتمضي اتفاقيات ومعاهدات مخالفة للشرع أو لتحاسب الحكومة على غير أساس الإسلام.

 

إن بعض المسلمين يبررون لأنفسهم الترشح للبرلمان قائلين إن دخولهم البرلمان سيمكنهم من تحقيق بعض المصالح للمسلمين من مثل بناء المساجد والمدارس ومقاومة منع الخمار... أو يمكن أن يؤدي مستقبلاً إلى إقامة دولة الإسلام عندما يكثر المرشحون المسلمون... إلخ، ونسي هؤلاء أن تحقيق مصالح المسلمين لا يجوز أن يكون بمخالفة الشرع، كما نسوا أن هناك من سبقهم إلى هذا القول في بلاد إسلامية عدة وشاركوا في الانتخابات البرلمانية ودخلوا البرلمانات، لكن نتيجة عملهم كانت وبالاً على الإسلام والمسلمين، ويكفي مثلاً على ذلك ما حصل في مصر الكنانة.

 

ومن المسلمين من يقول إن عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية يجعل حملة الدعوة الإسلامية منفصلين عن المجتمع... وهذا غير صحيح، لأن عدم المشاركة لا يعني العزلة، بل على حملة الدعوة الإسلامية أن يخوضوا غمار المجتمع وأن يتفاعلوا مع المجتمع تأسياً برسول الله ﷺ الذي خاض صراعاً قوياً مع المجتمع في مكة، ولكنه لم يشارك الكفار في سلطتهم بل كان قوله ﷺ باتّاً في التقيد بالشرع وعدم التنازل عن أي شيء من الإسلام، حين قال: «وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ»، كما جاء في سيرة ابن هشام.

 

إن من الواضح أن السلطات في قرغيزستان لن تسمح لأي شخص أو جماعة بالترشح وفق الشروط الشرعية التي ذكرناها في الأعلى، ولذلك فإن الخيار الوحيد الوارد هو عدم المشاركة في هذه الانتخابات والابتعاد عن الحرام. قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

 

 

التاريخ الهجري :8 من ربيع الثاني 1443هـ
التاريخ الميلادي : السبت, 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2021م

حزب التحرير
قرغيزستان

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع