بسم الله الرحمن الرحيم
التجسس على حَمَلة الدَّعوة الإسلامية واعتقالهم وتعذيبهم حرام ومن أكبر المنكرات
إن "حِزب التَّحرير"، هو حزب سياسي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم بإقامة الدولة الإسلامية، وهو يدرك أن طريقه مفروش بالأشواك ومحفوف بالمخاطر، وأن إقامة الدولة الإسلامية ليست من السهولة بحيث يستوزر المستوزرون ويتربعون في دَسْتِ الحكم بأي طريق ساروا، وعلى أي حال كانوا.
وإن قيام "حِزب التَّحرير" كان امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وطريقته في حمل الدعوة هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: ﴿وَمَا ءاتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾. ولذلك فهو يقوم بأعمال الصراع الفكري والكفاح السياسي، فيبيّن المعروفَ ويدعو إليه ويأمر به، ويبيّن المنكرَ وينهى عنه، ومن ذلك بل أهمُّ ذلك منكراتُ الحكام والسياسيين الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، ويسوسون الناس بأحكام الكفر، ويتآمرون عليهم بتنفيذ مخططات الكفر والاستعمار، ويخدعونهم بالوعود الكاذبة وبمعسول الكلام، ليحافظوا على مناصبهم ومصالحهم.
ولقد دأب الحكام في هذه الدولة وأجهزتُهم على التشدق برعاية مصالح المواطنين، وإيجاد الحلول لمشاكلهم، والمحافظة على أرزاقهم وأموالهم، وأمنهم وكرامتهم، والسهرِ على ما يسمونه "الحريات العامة"، ومن ذلك "حرية الرأي والتعبير"، وقد اعتاد الناس سماع هذه الوعود دون أن يلمسوا منها شيئاً، بل حالهم من سيئ إلى أسوأ. أفإذا قام حَمَلة الإسلام ببيان مفاسد وبطلان ما يقوم به الحكام وأجهزتهم، وبيانِ حقيقة ما تعاني منه الأمة وشعوبها، وحقيقةِ الحلول الشرعية الناجعة لها، تقوم أجهزة الأمن - بل الرعب - التي كثرت وتعددت، بالتجسس عليهم، وبملاحقتهم واعتقالهم، واستعمال شتى أساليب التعذيب معهم، من "شنق" من الأيدي والأرجل، وجلد بالسياط، إلى استعمال الكراسي الكهربائية، وغير ذلك من أساليب وحشية، ثم بعد ذلك يخرجون علينا بوسائل إعلامهم ليقولوا بأنّ "الحريات" مصونة، وبأنهم "ديمقراطيون"، وبأن مساحة التعبير واسعة...
إنهم يوظفون مخابراتهم في المساجد وعلى أبوابها، وفي الأسواق وحيث يستطيعون، للتجسس على حَمَلة الدّعوة، ويقومون باعتقالهم تعسُّفياً، وبمجرد الظنِّ بأنهم ربَّما كانوا من "حِزب التَّحرير"، ولمجرد أنهم يوزّعون نشرات يؤيدون ما فيها من آراء وحلول، ومن دعوة إلى عقيدتهم ودينهم، ويعتقلون شباباً في الشوارع، أمام أعين الناس بأساليب منحطة دنيئة، حيث يشهرون مسدساتهم وهم بثياب مدنية، إنهم يوظفون أجهزتهم للتجسس على المسلمين في المساجد، وبخاصة في صلاة الجمعة، ليتجسسوا على خطبة الخطيب، وعلى الذين يقولون كلمة خير أو يوزعون نشرة تدعو إلى الإسلام. وقد حصل منهم غير مرة أن لاحقوا في الشوارع حَمَلة الدّعوة، وأثاروا الناس بقولهم: "حرامي، حرامي"، من أجل أن يساعدهم الناس على اعتقال حَمَلَة الدّعوة الإسلامية. فليتنبّه المسلمون إلى هؤلاء، ولا يُغَشّوا بهم.
أين ما يتشدّقون به من حريّات؟، أين ما يسمّونه دولة القانون؟، أين ما يسمّى بالإعلام الحر؟، وأين النزاهة أو الصدق في أي شيء؟. وبعد، فهل أصبح الإسلام جريمة؟!، هل حمل الدعوة الإسلامية والرأيُ الإسلامي ممنوع؟، وهل المسلم الملتزم في تفكيره ورأيه وسلوكه وسياسته بالحكم الشرعي مجرم؟! الإسلام هو عقيدتنا وشريعتنا ومنهاج عيشنا في الحياة ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾. فإن كانوا يريدون دولة على غير أساس الإسلام، فلقد أعطاهم الغرب منذ آل الأمر إليه ما يريدون وما يريد، فلا أرضاً قطعوا ولا ظهراً أبقوْا، فإلى أين يسيرون؟!
إننا ندرك أن ما يقومون به يخدم الحمْلة العالمية للقضاء على الإسلام كبديل حضاري، وعلى حَمَلَتِه وعلى الصحوة الإسلامية وتقدّمها. ولقد حاولوا وجربوا سنين طويلة، ولم يظفروا بنائل، ولن يظفروا - بإذن الله -، فطمأنينتنا بطاعة الله، وسعادتنا بالصبر على البلاء والنجاح في الابتلاء، وعقيدتنا أن ﴿الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾، فليتّقوا الله في حَمَلة الدعوة أو فَلْيَيْأسوا فيما يحاولونه، فلقد سبق السيفُ العَذَلَ، واتسع الْخَرْق على الرَّاقع، ولله الحمد والمنّة.
لقد كان الأولى بأجهزة "الرعب" هذه والعاملين معها أن يكونوا عيوناً على أعداء الأمة، وأن يكشفوا خطط الكافر المستعمر وجواسيسه، لا أن يكونوا جواسيس على حَمَلة الدعوة ومرتادي المساجد، وعلى الذين يدْعُون الأمة إلى الله ورسوله وإلى ما يُحْيِيها.
وبما أن حالهم هو ما هم عليه، فإننا نُذَكِّرهم بأنّ الحكم الذي يقوم على التجسس والإكراه وكمّ الأفواه والقمع، محكوم بالتحول إلى حكم بوليسي، لا وسيلة له إلا الإرهاب والتسلط، والكبت والقهر وسفك الدماء، وهذا أمرٌ لن يدوم، ورعاية شؤون الناس بمفاهيم الأحكام العسكرية، وبمقاييس القمع والقهر مآلها الخراب والدمار.
إنّ الإسلام يحرِّم إيذاء النّاس وتعذيبهم وضربهم بالسياط والتجسس عليهم...، روى مسلم عن هشام بن حكيم قال: أشهَد لسمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا»، وقال صلى الله عليه وسلم : «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس...» رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم وهو يطوف حول الكعبة: «ما أطيَبَكِ وما أطيَبَ ريحكِ، ما أعظمكِ وما أعظم حرمتكِ، والذي نفس محمد بيده لحرمةُ المؤمن أعظمُ عند الله حرمةً منكِ، ماله ودمه، وأن لا نظنّ به إلا خيراً» رواه ابن ماجه. وقال تعالى: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا﴾ وقال صلى الله عليه وسلم: «إيّاكم والظنَّ فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسَّسُوا ولا تجسَّسُوا» رواه البخاري ومسلم.
ونقول لِحَمَلة الدعوة في سبيل الله: إنَّ هذا هو طريق النبيّ وطريق سائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً، وطريق الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وهو امتحان لما في قلوب المؤمنين. والنصوص الشرعية في ذلك أكثر من أن تحصى، قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءامَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.
أيها المسلمون: اعملوا مع حَمَلة الدعوة، وغُذُّوا السَّيْرَ في سبيل إقامة حكم الله في الأرض، بإقامة الدولة الإسلامية، دولةِ الخلافة، دولة الهدى والنور ورعاية شؤون الناس بالعدل والحق، ولا يلفتنَّكم عن ذلك وعدٌ أو وعيد، ولا مِنَحٌ أو مِحَن، واهتدوا بقول نبيّكم صلى الله عليه وسلم: «فما تظنُّ قريش، فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله به، حتى يظهرني الله أو تنفرد هذه السالفة» رواه أحمد والطبراني. قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾، وقال: ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾.
التاريخ الهجري :28 من شـعبان 1421هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2000م
حزب التحرير
ولاية لبنان