بسم الله الرحمن الرحيم
﴿هَذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾
إلى أهل لبنان مسلمين وغير مسلمين
أيها الناس، إن خطابنا لكم في هذه الساعات الحرجة، خطاب الخائف الوجل على أهله وأمته، خطاب من يرى أنكم مستمرون في الاندفاع خلف هذه الطبقة السياسية المتعفنة الفاسدة، أو ما يخرج من رحمها من طروحات وحلول! خطاب من صار حاله وحالكم منطبقاً عليه ما رواه البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إنَّما مَثَلِي ومَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ ناراً، فَلَمَّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ جَعَلَ الفَراشُ وهذِه الدَّوابُّ الَّتي تَقَعُ في النَّارِ يَقَعْنَ فيها، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ ويَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فيها، فأنا آخُذُ بحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِا». نخاطبكم اليوم، ولا نزعم حلاً سحرياً آنياً لهذا الكيان بشكل مستقل وبشكله الذي هو عليه، بل هو خطاب الله تعالى ورسله لأهل القرى التي ظلمت نفسها، فأذاقها الله عز وجل وبال أمرها لما لم تستجب لله تعالى ورسله عليهم السلام وحملة دعوة الرسل.
يا أيها الناس، ها أنتم ترون ما وصل إليه حالكم، وتلمسون عمق الهاوية التي يتردى فيها البلد وأهله، حتى يكاد يصل إلى الارتطام، وترون الظالمين الفاسدين أهل الطبقة السياسية جميعهم، بل ومن يريدون الحلول من المنظومة ذاتها بفسادها وعلمانيتها، ومن يبحثون عن الحلول عند دول كبرى أو صغرى، هي في الحقيقة عدوةٌ لكم ولكل مخلصٍ يريد تخليص البلاد والعباد من ربقة الظلم والظالمين، ترون كيف يعيشون ترف الوقت في الصراع على السلطة! يلوحون لبعضهم بعضاً بجوعكم وفقركم وأمنكم، وهم في قصورهم يتنعمون!! ومع رؤيتكم ذلك لكن وكأن العيون ما زالت تُبعد نظرها عن الحل الحقيقي لكم وللبلد! والقلوب ما زالت منصرفةً، رغم كل ما حصل من إشارات وبينات ترشدكم إلى الطريق القويم.
أليست قد جاءتكم البينات يا أهل لبنان؟! حين تحول لبنان وعاصمته إلى ساحات للربا المسماة فوائد بنكية، حتى صار لبنان موئلاً لكل من يريد زيادة ماله دون وجه حق، فأصابكم تحذير الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾؛ سكتم وقبلتم بالربا فكانت الحرب من الله عز وجل، ضاعت أموالكم في تلك البنوك، وإن حصلتم على شيءٍ منها فهو لا يكاد يسد رمقاً، وتهاوت العملة التي بقيت في جيوبكم، حتى صرتم في أدنى مستويات الفقر وتكادون تصلون إلى الجوع.
أليست قد جاءتكم البينات يا أهل لبنان؟! حين خرج من بين أظهركم من أعمل قتلاً وأوغل في دماء أهلكم في سوريا واليمن والعراق وغيرها، وسكتم عنه، بل ومنكم من تحالف معه وما زال، فأصابكم قول ربنا عز وجل: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ وقول رسول الله ﷺ فيما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر: «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَماً حَرَاماً»، فهل ظننتم بسكوتكم أو أكثركم أنكم ناجون من غضب الله عز وجل، وأنه سيبقى لكم فُسحةٌ من الأمر؟!
أليست قد جاءتكم البينات يا أهل لبنان؟! حين التجأ إليكم أهلكم وجيرانكم وأنسابكم من أهل سوريا، بل ومِنْ قبلهم أهل فلسطين، ورأيتم العنصرية التي عامل بها بعضكم هؤلاء "اللاجئين والنازحين" فراراً بأعراضهم وأبنائهم، فما آويتم إيواءً كريماً ولا نصرتم، بل أحرقتم خيامهم التي لا تَرد حَراً ولا بَرداً ولا طارقاً يطرق بليلٍ أو نهار؛ وظن الكثيرون أن أهل فلسطين وسوريا يأكلون رزقهم، فأصابكم بخذلانكم لهم حديث رسول الله ﷺ فيما رواه السيوطي عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل أنه قال: «مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِماً فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللهُ تَعَالَى فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ يَنْصُرُ مُسْلِماً فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ».
أليست قد جاءتكم البينات يا أهل لبنان؟! حين ضرب قلب عاصمتكم انفجارٌ كاد يمحوها، انفجار المرفأ، فانخلعت معه القلوب كما انخلعت الجدران والسُّقُف، وكادت الأرض تنخسف من تحتكم، من مكانٍ غير متوقع، فما رجعتم وما عدتم، بل ما زلتم سائرين في سبلٍ لا توصل إلا إلى المزيد من الخراب، فأصابكم بذلك أو كاد ما أصاب أقواماً من قبلكم، يقول الله عز وجل: ﴿أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيّئَاتِ أَن يَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾، ويقول عز وجل: ﴿إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مّنَ ٱلسَّمَاء إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لّكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾.
أليست قد جاءتكم البينات يا أهل لبنان؟! حين مسكم اليوم الجوع وضيق الأرزاق، وما زال الكثيرون لا يشغلهم إلا الليرة والدولار والاحتكار الذي يمارسه التجار والتكسب على ألم الناس وضائقتهم، فأصابكم بذلك قول ربنا عز وجل: ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾.
أليست قد جاءتكم البينات يا أهل لبنان؟! حين وقعت فيكم وفيمن حولكم الفاحشة والأمراض والبلايا والكورونا، فأصابكم بذلك قول رسول الله ﷺ فيما رواه ابن ماجه وأخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمر قال: أقبلَ علينا رسول الله ﷺ فقال: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ! خِصاَلٌ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا...».
أليست قد جاءتكم البينات يا أهل لبنان؟! بما أصابكم من الخوف وتسليط الأعداء والذل وكثرة القتل والحروب وصرتم طوائف متناحرة، وما زلتم تتبعون الطائفية والمذهبية المحرمتين وزعماءهما، فأصابكم بذلك قول ربنا عز وجل: ﴿قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ ٱلآيَـٰتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُون﴾، فهل فقهتم ذلك؟! وقول رسول الله ﷺ فيما رواه ابن ماجه وأخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمر: «...وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ».
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾، والسلم بمعنى الإسلام أو الطاعة والاستسلام والانقياد لله تعالى.
يا أهل لبنان، كُل أهل لبنان، إنَّ تشكيل الحكومة كائنةً ما كانت، أو حصول انتخابات مبكرة أو متأخرة، أو تغيير وجوه الحكم مدنيةً كانت أو عسكريةً، أو تدخل المصرف من عدمه، والسير في منظومة صندوق النقد والبنك الدوليين، وارتماءكم في أحضان الدول الإقليمية على اختلافها، لن يغير شيئاً، سوى أنها إبرٌ مخدرةٌ لا يلبث أن يزول أثرها فيعود الحال لما كان عليه، بل أسوأ مما كان عليه، ما دمتم تدورون في منظومة الحل نفسها، السياسيون والطوائف والزعماء! ولو راجعتم عناوين الصحف منذ السبعينات - إن لم يكن من قبل - لرأيتم الأوجاع والآلام والصرخات نفسها!
يا أهل لبنان، كُل أهل لبنان، لا تتسع الورقات لكثير، لكن لعل ما ذكرناه يكون كافياً لتقفوا اليوم موقفاً وجودياً، ينقذكم من حمأة ما وقعتم فيه، وهو اختيار طريق التغيير الذي أراده الله العزيز الحكيم عز وجل، الذي ما زلنا ندعوكم إليه، ليلاً ونهاراً، وسراً وجِهاراً، الحل الإنساني الكوني القائم على دين الله تعالى الخاتم، فتعلنوا تبنيكم طريق استئناف الحياة الإسلامية، في دولة العدل والرشد، الدولة الإسلامية، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريباً بإذن الله - لا سيما أننا على رأس مئة سنةٍ من هدم الخلافة - وتعلنوا التحاقكم بركب الأمة، ونبذ الطوائف وزعمائها، والطبقة السياسية الفاسدة ورجالها، فتتحرروا من ربقتهم وربقة أسيادهم الإقليميين والدوليين.
وها نحن في حزب التحرير/ ولاية لبنان ندعوكم بشكل واضح لا لبس فيه، ونحن نعيش بينكم ويصيبنا ما أصابكم، ونعمل فيكم وبينكم، بمنهج متكامل بإذن الله تعالى، يُصلح الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية، ونمد أيدينا إليكم بدعوة صريحة ننبذ فيها وإياكم هذه الطبقة السياسية الفاسدة وحكمها وحلولها الترقيعية، ونسلك فيها وإياكم طريق الرشد والانقياد لله تعالى، فإن صدقتم الله عز وجل وصدقناه معكم، فإننا واثقون أن يصيبنا قول الله عز وجل: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾، وإلا فإنه واقعٌ ما أتم الله تعالى به قوله: ﴿وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾
التاريخ الهجري :4 من شـعبان 1442هـ
التاريخ الميلادي : الأربعاء, 17 آذار/مارس 2021م
حزب التحرير
ولاية لبنان