الأربعاء، 02 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/04م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 


الإيرادات والنفقات في باكستان تحت ظل الخلافة

 

 

النظام الحالي في باكستان يضمن المصالح التجارية للمستعمرين الكفار

 

إنّ إيرادات خزينة الدولة ضرورية لرعاية شؤون الناس وإدارة نفقات الدولة، مثل الصحة والتعليم والقوات المسلحة... ولكن في ظل النظام الحالي في باكستان، سواء أكانت الديمقراطية أم الدكتاتورية اللتان حكمتا البلاد بالتناوب، فإن هذه الأنظمة تضمن المصالح التجارية للمستعمرين الكفار، ومن أجل تحقيق ذلك فإنّ الحكومة تقوم بتعاون وثيق مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتطبيق سياسات مذلة من الضرائب التنازلية والخصخصة، والضرائب التنازلية تلحق الضرر بالفقراء والمدينين بشكل مباشر، لأنها لا تأخذ في الاعتبار المصاعب المالية التي يمر بها الناس. هذه السياسات حرمت السكان من مصادر ضخمة من الإيرادات، ومن ثم تم تحميل الناس عبء نفقات الدولة من خلال فرض ضرائب عديدة وبأسماء شتّى، والتي خنقت النشاط الاقتصادي وأضافت بؤسا إلى بؤس الشعب، فغصبت من الناس جميع مدخراتهم وأملاكهم، فالضرائب تُضرب على المواد الغذائية والملابس والمأوى والدخل والميراث والإدارة والصحة والتعليم... ما يجعل الحصول على "الكماليات" حكراً على قليل من الناس، وكثير من الاحتياجات غير متوفرة للجميع، علاوة على ذلك، وعلى جانب النفقات، فإنّ النفقات هي في المقام الأول لتأمين احتياجات المستعمرين الكفار وعملائهم، وتُهمل شؤون الناس الأساسية والكمالية.

 

إن حكام باكستان يعتزمون أخذ الضرائب من الجميع دون مراعاة للأحكام الشرعية، التي لا تجيز فرض الضرائب على الفقراء والمدينين، بل توجب أن يُعطى لهم من مال الزكاة، والأنكى من ذلك أنهم سينفقون أكثر من ثلاثة تريليونات روبية لتسديد الفوائد الربوية على القروض الحكومية، على الرغم من عظم حرمة الربا في الإسلام، فهو مدعاة لإعلان الحرب من الله سبحانه وتعالى ورسوله ﷺ، فلماذا هذه الضجة الكبيرة؟! وبدلاً من رفض دفع الفائدة الربوية (الثلاثة تريليونات روبية) كما يوجب الإسلام، سيأخذ حكام باكستان المزيد من القروض الربوية لتغطية عجز الميزانية البالغ (ثلاثة تريليونات ونصف روبية)، بالتالي، فإن الحكومة الحالية تُغرق باكستان في مستنقع الديون الربوية، كما فعلت الحكومات السابقة. ففي عام 1971م، حيث كانت ديون باكستان تبلغ ثلاثين مليار روبية، وبحلول عام 1991م ارتفعت إلى 825 مليار روبية، وبحلول عام 2011م ارتفعت ديون باكستان إلى عشرة تريليونات روبية، وتضاعفت الآن أربع مرات، حيث تقترب من أربعين تريليون روبية خلال عشر سنوات فقط!

 

هذا هو واقع الإيرادات والنفقات في باكستان في ظل النظام الاستعماري بغضّ النظر عمّن هو في الحكم، وما إذا كان نظام الحكم فيها ديمقراطيا أم ديكتاتوريا، لأنّ الإنسان في الديمقراطية والدكتاتورية هو الذي يضع القوانين وفقا لأهوائه ورغباته بدلا من تطبيق ما أنزله الله سبحانه وتعالى.

 

حرمان المجتمع من إيرادات الممتلكات العامة

 

بتطبيق الرأسمالية الديكتاتورية والديمقراطية في باكستان حرمت الدولة عامة الناس من مصادر دخل هائلة، من خلال خصخصة الممتلكات العامة، مثل خصخصة النفط والغاز والكهرباء، فملّاك النفط والغاز والكهرباء من المحليين والأجانب جنوا عائدات ضخمة من الأرباح من هذه الموارد القيّمة. على سبيل المثال فإنّه يمكن لدولة الخلافة بيع الفائض من موارد الطاقة إلى الدول الأجنبية غير المحاربة للمسلمين والإسلام بأسعار حقيقية، وإنفاق العائد على ما فيه خدمة للرعايا، وبهذا تستطيع الخلافة ضمان استفادة الأمة نفسها من ثرواتها، بدلا من أن تصبح مصدرا للبؤس من خلال إشراك الشركات الخاصة في جني الأرباح، فإنّ الحكومة بهذه السياسة تضيف إلى أعباء الناس المزيد منها من خلال فرض مزيد من الضرائب الضخمة على الطاقة، فترتفع الأسعار على المواطن، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ طريقة الرأسمالية في التعامل مع الملكية الخاصة فيما ينبغي أن يكون مملوكا من قبل الدولة في المقام الأول (مثل الآلات الثقيلة والأسلحة والاتصالات والبناء والنقل العام...) طريقة فاسدة، بحيث تتيح للأفراد أن يهيمنوا على السوق، ولكن في ظل الخلافة القادمة قريبا بإذن الله فإنّ مثل هذه الأمور تكون في المقام الأول تابعة لمؤسسات الدولة، ويُسمح للشركات الخاصة الموجودة في البلاد من دخول هذا الميدان ولكن تحت إشراف الدولة؛ وذلك لمنع هيمنة هذه الشركات على دور الدولة كما يحدث في هذه الأيام. على عكس الرأسمالية والشيوعية، فإن موارد الطاقة في الإسلام ليست ملكية خاصة، ولا ملكية للدولة، ولكنها ملكية لعامة المسلمين، فقد قال رسول الله ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» أبو داود. هكذا، فإنه على الرغم من أن دولة الخلافة هي المسئولة عن إدارة الممتلكات العامة وممتلكات الدولة، إلا أنه لا يجوز للخليفة منح ملكية من الممتلكات العامة إلى أي طرف خاص، سواء أكان فردا أم جماعة، فهي لجميع المسلمين، وعائداتها لهم ولرعاية شؤونهم وتأمين مصالحهم، وليست للدولة.

 

لهذا السبب فإنّه في ظل الرأسمالية، فإنّ أغنى الشركات في العالم هي شركات الطاقة والأسلحة والآلات والاتصالات السلكية واللاسلكية... في حين يتم حصر إيرادات الحكومات في اتجاه واحد فقط، وهو خنق الناس بالضرائب ودوام زيادتها. علاوة على ذلك، فإنّ النظام في حالة باكستان يقدّم الحوافز لتشجيع الملكية الأجنبية من خلال خفض الضرائب على الواردات من الآلات والمدخولات الاقتصادية الأخرى، والإعفاءات الضريبية على الأرباح التي يُعاد إرسالها إلى تعزيز اقتصاد البلد الأجنبي، ويتضح النهب المباشر من قطاع الصناعات التحويلية في باكستان من قبل الأجنبي، يتضح من حجم استثمار الحكومة المباشر نفسها في الاستثمارات الأجنبية، والتي بلغت خلال نظام مشرف عنان السماء، واستمرت بالارتفاع في ظل نظام كياني/زرداري.

 

خنق معظم الناس بالضرائب، في حين ينتعش عددٌ قليل منهم

 

تحت إشراف صندوق النقد الدولي خلال فترة مشرّف، واستمرار ذلك في فترة حكم كياني/زرداري، فقد تم خنق باكستان بفرض الضرائب الضخمة على الاستهلاك وعلى السلع، فقد كان إجمالي الإيرادات بين عام 1987 وعام 1988 (117,021) مليون روبية، وبين عام 2002 وعام 2003 (706,100) مليون روبية، وقد تجاوزت الضرائب تريليون روبية للسنة المالية (2008-2009م)، وتضاعفت بعد ذلك إلى أكثر من تريليوني روبية للفترة (2013-2014م)، وبحلول عام (2018-2019م) تضاعفت الضرائب مرة أخرى إلى أربعة تريليونات روبية، ويستهدف حكام باكستان الآن جني ما يقرب من ستة تريليونات روبية للعام المالي (2021-2022م)، وهم يسعون من الآن لتلبية طلبات صندوق النقد الدولي بفرض ضرائب تبلغ عشرة تريليونات روبية للسنة المالية (2024-2025م). لو كانت هذه الزيادات في الضرائب تضمن الدفاع عن حرمات النبي ﷺ، أو تحرير المسجد الأقصى وكشمير المحتلة، فإن المسلمين في باكستان مستعدون لإفراغ منازلهم وربط الحجارة على بطونهم، إلا أن ملاحقة الفقراء والمدينين هي من أجل الإنفاق على كبائر الذنوب (الربا)، وهي جريمة شنعاء يجب التنديد بها ورفضها في كل ركن من أركان باكستان!

 

في الميزانية الحالية (2021-2022) حدّد النظام هدفاً بتحصيل ضرائب قدرها 5.83 تريليون روبية، 62.6٪ منها ضرائب غير مباشرة، لذلك فإن الجزء الأكبر من الإيرادات يأتي من الضرائب التنازلية، ويتم فرض الضريبة التنازلية بشكل موحد، حيث تؤخذ نسبة مئوية أكبر من الفقراء مقارنة بالأثرياء، وحتى نسبة 37.4٪ المتبقية من الضرائب كضرائب مباشرة، فإنه لا يمكن اعتبارها ضرائب تصاعدية، لأنها لا تزال تُفرض على الفقراء والمدينين. تتكون معظم الضرائب المباشرة من ضريبة الدخل وصندوق رعاية العمال، ويتعين على رب الأسرة الذي يكسب 50,000 روبية دفع ضريبة الدخل، على الرغم من أنه لا يستطيع تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرة مكونة من أربعة أفراد في المدينة، ويتم تطبيق الضريبة على صندوق رعاية العمال على الحد الأدنى الجديد للأجور البالغ 20,000 روبية في الميزانية الحالية، كذلك تعاقب الضرائب الرأسمالية الفقراء في جميع أنحاء العالم، بينما توفر ملاذات كبيرة للأثرياء. وفقاً لتقرير صادر عن مركز أبحاث (PEW) فإن 64٪ من الأمريكيين منزعجون كثيراً من الشعور بأن بعض الشركات لا تدفع ما يتوجب عليها دفعه لمصلحة الضرائب الفيدرالية، بينما يقول 61٪ من الناس الشيء نفسه عن بعض الأثرياء، وعلى الصعيد العالمي، تسمح الديمقراطية للشركات والأفراد الأثرياء بالتأثير على المشرّعين لوضع القوانين التي تناسبهم، ويتم تضليل الأشخاص الذين يعانون من كذبة مفادها أنه إذا تم فرض ضرائب أقل على الأغنياء، فإنه يمكنهم إنفاق المزيد على الإنتاج وسيكون هناك تأثير إيجابي على الاقتصاد. ومع ذلك، فإن الفجوة بين الأغنياء والفقراء تتزايد باستمرار، حتى أثناء الأزمات الاقتصادية وحالات الإغلاق.

 

بعد كل ذلك، فإنّ إيرادات الرأسمالية مجتمعة من ضريبة المبيعات وضريبة الدخل وحدها تعادل أكثر من 60٪ من جميع عائدات الدولة، ما يعني أنّ حصة كبيرة من الإيرادات هي من اغتصاب أجور الناس وتقويض قدرتهم على شراء الضروريات، هذا النظام الفاسد لا ينتج إلا الفشل ويهمل رعاية شؤون الناس، وهذا هو سبب سعي أولئك الذين في السلطة في هذا النظام لرفع نسبة الضرائب. بالنسبة لضريبة الدخل، فإنّ نظام الضرائب على الناس هو في الحقيقة على ثمرة عمل من يكابدون من أجل تحصيل احتياجاتهم الأساسية وبعض الكماليات، بدلا من فرض الضرائب على فائض مال من تتجاوز ثروتهم احتياجاتهم الأساسية والكمالية، أما ضريبة المبيعات، فإنّها تفرض على الناس الذين يحاولون سد حاجاتهم الأساسية وتوفير بعض الكماليات، بدلا من فرضها على أولئك الذين لديهم فائض من الثروة، وبالرغم من كل هذا التعسف في فرض الضرائب فإنّ الحكام يصرّون على أنّ هذا النظام هو "من أجل الشعب". بينما في دولة الخلافة، فإنّه لا وجود لضريبة الدخل أو المبيعات، وذلك لأنّ الملكية الخاصة مصونة في الأصل، وإن عجزت الدولة عن الإنفاق على ما هو واجب على الناس بالأصل، فإنها تفرض الضرائب على الثروة الفائضة عن الحاجات الأساسية والكمالية بالمعروف، ويكون تحت شروط صارمة حدّدها الشرع، لا الدولة.

 

النفقات التي تخدم مصالح المستعمرين وعملاءهم

 

بعد أن حرمت الأمة من إيراداتها الشرعية، وخنقت أرباحها وقدرتها على الشراء والإنتاج، أخذت الحكومة قروضا ربوية من الدول الاستعمارية الكافرة، وهذه القروض تهدف إلى إبقاء باكستان غارقة في الدين، وذلك لتجريدها من أصولها وتقليص قدرتها على الوقوف على قدميها في تحدي الغرب. هذا المال يُحرم منه السوق، ولا ينفق على تأمين الاحتياجات الأساسية للشعب، وهذا الظلم العالمي ليس في باكستان وحدها، بل العديد من البلدان قد سددت ديونها مرات عدة، ولكنها بقيت غارقة في الديون بسبب الفوائد والشروط الاستعمارية الظالمة. إن دولة الخلافة لا تأخذ الديون الربوية ولا تدفع أي خدمات على مثل تلك الديون، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾.

 

نظرة عامة للإيرادات والنفقات

 

على عكس الرأسمالية، فإنّ الإسلام لا يعتمد على ضرائب الدخل والاستهلاك لجني الإيرادات كما في النظام الرأسمالي، بل تُجنى الإيرادات من الثروة بعد سدّ احتياجات الناس منها، وكذلك على الإنتاج الفعلي، حتى عندما تضطر الخلافة إلى فرض الضرائب، فإنها تلجأ إلى ذلك تحت شروط صارمة وتُضرب على فائض الثروة، لذلك لا تتم معاقبة الفقراء من غير القادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية، وهذه الطريقة في جني الإيرادات ممكنة، وذلك بسبب العائدات الضخمة التي ستستغلها الدولة من خلال الشركات المملوكة للدولة والمملوكة للقطاع العام (مثل موارد الطاقة والآلات وصناعة البنية التحتية)، ومن خلال قوانين الإسلام الفريدة من نوعها، والتي تعتمد على العدالة في توزيع الثروة بدلا من تركيزها. يتبنّى حزب التحرير في دستور دولة الخلافة في المادة رقم 148: "لميزانية الدولة أبواب دائمية قررتها أحكام شرعية. وأما فصول الميزانية والمبالغ التي يتضمنها كل فصل، والأمور التي تخصص لها هذه المبالغ في كل فصل، فإنّ ذلك موكول لرأي الخليفة واجتهاده"، وفي المادة رقم 149: "واردات بيت المال الدائمية هي الفيء كله، والجزية، والخراج، وخمس الركاز، والزكاة. وتؤخذ هذه الأموال دائمياً سواء أكانت هنالك حاجة أم لم تكن"، وفي المادة رقم 151: "يعتبر من الواردات التي توضع في بيت المال الأموال التي تؤخذ من الجمارك على ثغور البلاد، والأموال الناتجة من الملكية العامة أو من ملكية الدولة، والأموال الموروثة عمن لا وارث له، وأموال المرتدين".

 

مناعة مصدر للدخل

 

سوف تزدهر الصناعة في دولة الخلافة، ولن يتم خنقها بالضرائب لمختلف أنواع المدخولات المهمة، من مثل الطاقة التي تحتاجها الآلات، وبدلا من ذلك، فإنّ الدولة سوف تجني عائدات من أرباح التجارة والبضائع الزائدة عن الحاجة، وهذا ما يسمح للشركات بالتركيز على الإنتاج من دون قيود، وتتم تنمية إنتاجهم من خلال ضمان أرباحهم أو الثروة المتراكمة لديهم، جاء في الدستور الذي أعدّه حزب التحرير في المادة رقم 143: "تجبى الزكاة من المسلمين، وتؤخذ على الأموال التي عيّن الشرع الأخذ منها من نقد وعروض تجارة ومواش وحبوب. ولا تؤخذ من غير ما ورد الشرع به. وتؤخذ من كل مالك سواء أكان مكلفاً كالبالغ العاقل أم غير مكلف كالصبي والمجنون، وتوضع في باب خاص من بيت المال، ولا تصرف إلا لواحد أو أكثر من الأصناف الثمانية الذين ذكرهم القرآن الكريم".

 

الخراج والعشر كمصدرين للدخل لا يخنقان المزارعين

 

في ظل الحكم الإسلامي، أنتجت شبه القارة الهندية، وهي بلاد زراعية في أغلبها، ما يقرب من ربع الناتج المحلي الإجمالي للعالم، وقد كان مفهوم الخراج أحد أسباب ذلك الإنتاج الضخم، فملك رقبة الأرض الخراجية يعود للمسلمين، ولكن استخدامها والاستفادة منها هو للشخص الذي يزرعها، وبالتالي فإنّ الشخص الذي يزرع الأرض هو المستفيد الأول من إنتاجها مباشرة، هذا ما سمح بتداول الثروة وعزّز الإنتاج وطرق كسب الرزق، وولدت للمسلمين الإيرادات من الأراضي، وفقا لقدرة الأراضي، في حين لما جاءت الرأسمالية، في ظل الحكم البريطاني، فقد تم فرض الضريبة على المزارعين بشكل كبير، واضطر بعضهم إلى الاقتراض الربوي، فغرقوا في الديون، وفي نهاية المطاف اضطروا إلى بيع أراضيهم، فقد كان هذا الأسلوب أحد أسباب استيلاء المستعمرين والمتعاونين معهم على الأراضي، ولا تزال الزراعة تعاني حتى اليوم من الرأسمالية، وعلى الرغم من ذلك فإنّ الزراعة في باكستان لا تزال منافسة على مستوى عالمي في العديد من المجالات، ولديها القدرة على التطور أكثر فأكثر، ويواجه المزارعون الضرائب الكبيرة على الحاجات الزراعية من الأسمدة والبذور والنقل والآلات والوقود، فيحاولون مضطرين زيادة الأرباح من خلال التصدير للأسواق الخارجية، وقد فرضت المعاناة على باكستان من خلال إجبارها على جعل تكلفة المستورد من الحبوب والمحاصيل المحسنة باهظة، بينما في الإسلام، فإنّه لا يتم توليد الإيرادات من خلال فرض الضرائب على المدخولات الزراعية، بل يفرض العشر على إنتاج الأرض، والخراج على الأرض بقدر ما تحتمل، وهو ما يمكّن المزارعين من زيادة الإنتاج، من دون تباطؤ بفعل الإفراط في كلفة الإنتاج، وكما جاء في الدستور الذي أعدّه حزب التحرير في المادة رقم 145: "يُجبى الخراج على الأرض الخراجية بقدر احتمالها، وأما الأرض العشرية فتجبى منها الزكاة على الناتج الفعلي".

 

اللجوء إلى الضرائب يكون بشروط صارمة محددة شرعا وليس جزافا

 

حرص الإسلام على صيانة حرمة الملكية الفردية وحرّم غصبها، لذلك فإنّ الضرائب موجودة في ظل الخلافة، ولكن كخيار أخير وتحت شروط صارمة تتعلق بحالات جوازها وقيودها، حيث تُفرض في حالة عدم كفاية العائدات للإنفاق على ما يجب على المسلمين القيام به بالأصل، وتُفرض فقط على الأغنياء ممن تمكنوا من سدّ احتياجاتهم الأساسية والكمالية بالمعروف، لذا فإنّ الإسلام يحمي الجهود المبذولة لتأمين الاحتياجات الأساسية والكمالية بالمعروف، على خلاف الرأسمالية التي تفرض ضريبة الدخل وضريبة المبيعات، فتعاقب الأقل حظا في المجتمع، لكن الضرائب في الإسلام تساهم في تداول الثروة بدلا من تركيزها، ففي باكستان مثلا ووفقاً للأرقام التي أُفصح عنها رسميا فإنّ أغنى 30 شخصا يملكون حوالي 15 مليار دولار، فإذا فُرضت عليهم ضريبة بنسبة 30٪ فإنّ العائدات ستكون 4.5 مليار دولار، وبالتالي يمكن استخدامها لتفي الحاجات الطارئة وفق أحكام الشرع كإطعام الفقراء أو معالجة الزلازل، كما يمكن لدولة الخلافة الاقتراض من الأثرياء لإنشاء مشاريع وتسديد الدين على مدى قصير دون فوائد، كما تفتح الخلافة باب التبرعات الطوعية للأمة التي لا تبخل عن العطاء في سبيل الله سبحانه وتعالى، جاء في الدستور الذي أعدّه حزب التحرير في المادة رقم 150: "إذا لم تكف واردات بيت المال الدائمية لنفقات الدولة فإنّ لها أن تحصل من المسلمين ضرائب، ويجب أن تسير في تحصيل الضرائب على الوجه التالي: أ- لسد النفقات الواجبة على بيت المال للفقراء والمساكين وابن السبيل وللقيام بفرض الجهاد. ب- لسد النفقات الواجبة على بيت المال على سبيل البدل كنفقات الموظفين وأرزاق الجند وتعويضات الحكام. جـ- لسد النفقات الواجبة على بيت المال على وجه المصلحة والإرفاق دون بدل كإنشاء الطرقات واستخراج المياه وبناء المساجد والمدارس والمستشفيات. د- لسد النفقات الواجبة على بيت المال على وجه الضرورة كحادث طرأ على الرعية من مجاعة أو طوفان أو زلزال"، وجاء في المادة رقم 146: "تستوفى من المسلمين الضريبة التي أجاز الشرع استيفاءها لسد نفقات بيت المال، على شرط أن يكون استيفاؤها مما يزيد على الحاجات التي يجب توفيرها لصاحب المال بالمعروف، وأن يراعى فيها كفايتها لسد حاجات الدولة"، وفي المادة رقم 147: "كل ما أوجب الشرع على الأمة القيام به من الأعمال وليس في بيت المال مال للقيام به فإن وجوبه ينتقل على الأمة، وللدولة حينئذ الحق في أن تحصله من الأمة بفرض الضريبة عليها. وما لم يجب على الأمة شرعاً القيام به لا يجوز للدولة أن تفرض أي ضريبة من أجله، فلا يجوز أن تأخذ رسوماً للمحاكم أو الدوائر أو لقضاء أي مصلحة".

 

ضوابط الإنفاق

 

من كل ما تقدم فإنّ الخلافة تجني عائدات ضخمة من ممتلكات الدولة والممتلكات العامة والزراعة والصناعة، ومن الفيء والخراج والجزية ومال المرتدين، ومال من لا وراث له وغيرها... وعلى صعيد النفقات فإنّ الإسلام ينص على فرضية رعاية شؤون الناس للحصول على الحاجات الأساسية، جاء في الدستور الذي أعدّه حزب التحرير في المادة رقم 152: "نفقات بيت المال مقسمة على ست جهات هي: أ- الأصناف الثمانية الذين يستحقون أموال الزكاة يصرف لهم من باب الزكاة. ب- الفقراء والمساكين وابن السبيل والجهاد والغارمون إذا لم يوجد في باب أموال الزكاة مال صرف لهم من واردات بيت المال الدائمية، وإذا لم يوجد لا يصرف للغارمين شيء. وأما الفقراء والمساكين وابن السبيل والجهاد فتحصل ضرائب لسد نفقاتهم ويقترض لأجل ذلك في حالة خوف الفساد. جـ- الأشخاص الذين يؤدون خدمات للدولة كالموظفين والجند والحكام، فإنه يصرف لهم من بيت المال. وإذا لم يكف مال بيت المال تحصل ضرائب في الحال لسد هذه النفقات، ويقترض لأجلها في حالة خوف الفساد. د- المصالح والمرافق الأساسية كالطرقات والمساجد والمستشفيات والمدارس يصرف عليها من بيت المال، فإذا لم يف ما في بيت المال تحصل ضرائب في الحال لسد هذه النفقات. هـ- المصالح والمرافق الكمالية يصرف عليها من بيت المال، فإذا لم يوجد ما يكفي لها في بيت المال لا يصرف لها وتؤجل. و- الحوادث الطارئة كالزلازل والطوفان يصرف عليها من بيت المال، وإذا لم يوجد يقترض لأجلها المال في الحال ثم يسدد من الضرائب التي تجمع".

 

 

التاريخ الهجري :4 من رمــضان المبارك 1443هـ
التاريخ الميلادي : الثلاثاء, 05 نيسان/ابريل 2022م

حزب التحرير
ولاية باكستان

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع