بسم الله الرحمن الرحيم
الإرهاب عدو لثورة الأمة وغطاء للحكّام الفاشلين فأوقفوه بمزيد العمل للمشروع الإسلامي الحقيقي الذي يُحرّم سفك الدّماء الحرام ويُجرّم الإلهاء عن القضايا الكبرى
تتالت الهجمات الآثمة مؤخّرا في تونس، وأكثرها وقعاً كان استهداف دورية عسكرية في منطقة سبيطلة من ولاية القصرين التي راح ضحيّتها خمسة من أبنائنا من القوات المسلّحة يوم 07 نيسان/أفريل الجاري، وقبل ذلك كانت عملية متحف "باردو" التي استهدفت الأمنيين والسيّاح. وبعد هذه الهجمات لا بوادر لتوفير الأمان التّام للبلد وأهله، بل يتوقّع المحلّلون حدوث الأسوأ بخصوص "الأعمال الإرهابية" ومنهم من يؤكّد إمكانيّة المرور إلى "السيّارات المُفخّخة" داخل المدن...
وقد كشفت هذه الأحداث للرّأي العامّ عن تقصير فظيع اعترفت به الحكومة تحت ضغط الأسئلة الحارقة. كما استاء النّاس من التصريحات الرسمية المتناقضة خاصّة بعد عملية "باردو" ولعلّ أخطرها ما جاء حول اللباس "العسكري" لمنفذي الجريمة!!، وعدم التوضيح الرسميّ لما ورد في صحيفة محليّة بأنّ عددا من الأمنيّين راسلوا الوزارة قبل يوم محذّرين من الفاجعة!!
ولكن ما أثلج صدور الواعين والمخلصين هو الإنكار العامّ لمثل هذه الجرائم ومواصلة التحدّي بالتجمهرات الفكرية والسياسية، وازدياد الوعي على أنّ "الإرهاب" هو عدوّ لثورة الأمّة بكلّ المقاييس:
أولا: لحرمة سفك الدماء الحرام من أهل البلد من عامّة الناس ومن أمنيين وعسكريين، وحرمة قتل المدنيين الوافدين من الخارج بعد إعطائهم أمانا للدخول إلى البلد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج على أمّتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولستُ منه» (رواه مسلم).
ثانيا: لأنّه يوفّر مناخا خصبا وفرصا بغيضة للتّدخّل الأجنبي سواء بالتّحقيقات أو بالضغوط والإملاءات. فبعد عملية باردو بيوم واحد أي يوم 19 آذار/مارس 2015 أكّدت الصحافة الفرنسيّة استعداد قاض مختص في الإرهاب وضباط أمن قضائيين فرنسيين للتحوّل إلى تونس وذكر المتحدث باسم الرئاسة الأميركية، جوش إرنست، أنّ الولايات المتحدة عرضت على تونس المساعدة في التحقيق في ملابسات الهجوم على متحف "باردو". وجاءت التصريحات من الأمين العامّ لحلف شمال الأطلسي، ومن وزيرة خارجية الاتّحاد الأوروبي ومن رئيس مجلس أوروبا وغيرهم حول ضرورة مزيد التنسيق مع تونس في النّاحية الأمنية في نفس السياق... وقد قوبلت هذه التصريحات باستهجان واسع وتصميم بأن نظل متيقظين صدّا لأي تدخّل أجنبي ومحاسبةً للحكومة عن صمتها المريب تُجاه هكذا تصريحات...
ثالثا: لأنّه يُغطّي على فشل الحكومات في سياساتهم، ويحجبُ القضايا الحقيقيّة من حقوق النّاس واسترجاع الثّروات ومحاسبة الفاسدين. فقبل يومين من فاجعة باردو كان الجدل واسعا حول الخطاب الهزيل شكلا ومضمونا لرئيس الحكومة في تونس وكأنّه يقول "لسنا حكومة ولا نملك مشروعا وإنّما نحن في أقصى الحالات وكالة إحصاء" إذ وصف فشلا واقعا وسرد أرقاما يعلمها الجميع وطلب من النّاس الصّبر على غياب الرؤية وعلى العجز!!
وكانت الأيّام السّابقة للحادثة كاشفة لصراع "اللوبيات" في تونس ومنها داخل الحزب الحاكم، وانكشف للرأي العامّ مدى زيف الحياة السّياسيّة الظّاهرة وكم يستحكم الفساد بالبلد تشريعا وتنفيذا وسياسة واقتصادا...
رابعا: هو يقع استغلاله في محاولة بائسة يائسة لقمع النّاس وترهيبهم ولصرف الأمّة عن مشروعها وعن بشرى الرسول صلى الله عليه وسلم «خلافة على منهاج النبوّة». فقد استغلّت الحكومة الفاشلة هذه الأحداث للقيام بحملات اعتقال عشوائيّة رغم ادّعائها بمعرفتها بتفاصيل الأمور وقضائها على العناصر الأكثر خطرا!! وهي تحاول التضييق على كلّ ما له صلة حتّى بشعائر الإسلام، فبلغ بها التعنّت والصلف أن تستهدف جامع الزّيتونة المعمور محاولة شيئا فشيئا التضييق على التعليم الزيتوني كما ضيّقت عليه العلمانيّة من قبل. وها هي تروّج نفسها للغرب كحامية لفصل الإسلام عن الحياة وكصدّ للصحوة الإسلامية في البلد، إذ صرّح رئيس الدولة مباشرة بعد حادثة باردو لوسيلة إعلاميّة تابعة لفرنسا التي استعمرتنا فقال "لن نُحكم بالشريعة إلى الأبد..." محاولا إلصاق الجرائم بالشريعة الغرّاء مقتديا بالسّياسيّين الغربيّين في استغلالهم للممارسات الخاطئة وتأويلهم للأحداث لتشويه مشروع الأمّة وبشرى رسول الله: الشريعة والخلافة بوصفها البديل الحضاري الوحيد عن العلمانية والرأسمالية.
أيّها الشرفاء من الأمنيين والعسكريّين
إنّ "الأعمال الإرهابيّة" التي تستهدف أهل البلد والمدنيّين - مهما كان منفّذها - لم تكن يوما في صفّ الإسلام والأمّة، وإنّما كانت ولا تزال دائما في صفّ العلمانيّة وأعداء الأمّة. ففي العراق وباكستان وأفغانستان حوّل بها الاستعمار الجهاد ضدّه إلى حرب أهلية تحقّق له الأهداف بالوكالة. وفي الجزائر وسوريا واليمن وليبيا وتونس وغيرها كانت دائما ضدّ الثورة ومكّنت من عودة العديد من رجالات الحكم السّابق الحاقدين على الثورة وأهلها ومن دعمها من سياسيّين ومفكّرين وأمنيين وعسكريين... وما استهداف الأمن والجيش إلاّ محاولة بغيضة لإبعادهم عن أمّتهم وحجزٌ لهم عن نصرةٍ للوحي ما سبَقهم لها سوى الأنصارُ الأوّلون رضي الله عنهم إلى يوم الدين. فلا تنخدعوا بممارسات الخاطئين ولا بإلهاءات الفاشلين وأجيبوهم بالتحامكم بالأمّة وبنصرة مشروعها الحقيقي بعد أن وقفتم في صفّ ثورتها.
أيّها الأهل في تونس، يا من أطلقتم ثورة أقضت مضاجع الظالمين
إنّهم يخشون هبّتكم ويخافون وعيكم، وقد رأيتم تأثير أسئلتكم الحارقة في تصريحاتهم المتناقضة. فإنّكم بهذه الهمّة العالية والغايات الكبرى فإنّكم أهل لحكم راشد على أساس الإسلام العظيم وتستحقّون حكّاما وقادة عظماء لا مثل هؤلاء الرّويبضات الذين يراهنون على ضياع الأعمار ويتحيّنون الفرص والغفلة من الشعب لإتلاف الملفاتّ أو تضييع القضايا أو تمكين الفساد والاستعمار. لذا نعاهدكم نحن حزب التّحرير أن نكون لهم ضديدا، بل لمن هو لهم آمر حتّى نكون حكّام صدق وعدل، همّنا الأمّة ومرضاة ربّنا لا همّنا مصالح الأجنبي ونزوات المتنفّذين، فكونوا لنا السّند والعضد ولا تسلّموا قيادتكم إلاّ للواعين المخلصين لا للعابثين المتآمرين ولا تخشوهم فأمرهم إلى زوال كغيرهم.
﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾
التاريخ الهجري :23 من جمادى الثانية 1436هـ
التاريخ الميلادي : الأحد, 12 نيسان/ابريل 2015م
حزب التحرير
ولاية تونس