السبت، 24 جمادى الأولى 1447هـ| 2025/11/15م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

المكتب الإعــلامي
ولاية مصر

التاريخ الهجري    22 من جمادى الأولى 1447هـ رقم الإصدار: 1447 / 19
التاريخ الميلادي     الخميس, 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 م

 

 

بيان صحفي

 

قراءة القرآن في المتحف المصري الكبير

حين يُستنكر الذكر ويُستباح الباطل!!

 

أثارت واقعة اعتقال شاب تلا آيات تتحدث عن فرعون داخل المتحف المصري الكبير، موجة واسعة من الجدل، بعد أن خرج بعض المنتسبين للمؤسسات الدينية الرسمية يستنكرون فعله، واصفين إياه بأنه "سوء أدب مع القرآن" وأن فيه "تلميحاً خطيراً"! هذه الحادثة، على بساطتها، تكشف خللاً عميقاً في الميزان الفكري والقيمي الذي يحكم الحياة العامة اليوم، وتفضح ازدواجية المعايير التي تُحكم بها أفعال الناس في ظل الأنظمة القائمة على الفكر العلماني.

 

وقبلها بدأ النظام العلماني القائم في مصر الكنانة بتحويل البلد المسلم الذي يعتز بدينه وعقيدته وتاريخه الإسلامي العريق، فبدأ بعزله عن هذا الشرف؛ تارة بنسبته إلى القومية العربية النتنة، وتارة إلى الوطنية العفنة، وأخرى إلى الفرعونية المشركة، وكل ذلك حرب على البلاد والعباد وما يحملون من عقائد وتاريخ وحاضر إسلامي عريق؛ لذلك لم يكن مستغرباً إنكار أبواق النظام على الشاب قراءة القرآن الذي يحاربونه ويريدون طمس آياته وإبراز معالم الشرك الفرعونية.

 

إن تلاوة القرآن عبادة عظيمة، يثاب عليها المسلم حيثما قرأها، قال تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾، ولم يخصّها بمكان دون آخر، ولا زمان دون زمان. فالقراءة جائزة في البيت، وفي الطريق، وفي السوق، وفي مكان العمل، وفي أي موضع طاهر لا يُمنع فيه الذكر. بل إن ذكر الله في المواطن التي يغلب عليها الغفلة له فضل عظيم، فكيف يستنكر اليوم أن يُتلى القرآن في متحف، وهو مكان لا يحمل قداسة شركية، ولا يشتمل على نجاسة، ولا يُقام فيه منكر ظاهر؟!

 

إن القول بأن تلاوة آيات قصة فرعون في المتحف "سوء أدب" أو "تلميح خطر" هو قول باطل من جهة الشرع والعقل. فالقرآن كتاب هداية، أنزله الله ليُتلى ويتدبره الناس في كل زمان ومكان. وليس لأحد أن يمنع تلاوته أو أن يقصره على المساجد أو المناسبات الرسمية. بل إن مثل هذه التلاوة تذكير بآيات الله في موضع يُعرض فيه تاريخ ملوك الأرض الذين تجبّروا، وهو تذكير مشروع لا يخرج عن غاية القرآن في العظة والعبرة. قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الألْبَابِ﴾. فهل صارت العبرة محرّمة، والذكر مريباً، والقرآن موضع اشتباه؟!

 

والأدهى من ذلك أن الذين يستنكرون على شابٍ قرأ القرآن في المتحف، لا نسمع لهم صوتاً حين تُقام في الموضع ذاته حفلات موسيقية، أو تُعرض فيه رقصات وتماثيل وأغانٍ تُخالطها كلمات باطلة. لم يقل أحد منهم إن هذا سوء أدب مع التاريخ، أو تلميح خطر ضد التراث، لكنهم ما إن سمعوا آيات من كتاب الله حتى ضاقت صدورهم، فاتهموا القارئ بالتلميح السياسي وبالنية المبطنة! وهذا يكشف أن الخلل ليس في فعل التلاوة، بل في موقف النفوس من القرآن ذاته، فالقلوب التي أَلِفت العلمانية لا تحتمل أن ترى للدين حضوراً في الحياة العامة إلا تحت سقف الترخيص الرسمي وتوجيه السلطة.

 

إن الحرية الشخصية التي يتشدق بها الفكر العلماني تنهار تماماً عند أول موقف يُظهر تمسك المسلم بدينه خارج الإطار المرسوم له. فلو أن هذا الشاب وقف يغني أو يعزف أو يلتقط صوراً تراثية لما اعترض عليه أحد، ولربما اعتُبر فعله تعبيراً فنياً أو إحياءً للحضارة. أما أن يقرأ القرآن فذلك عندهم تعدٍّ على قدسية المكان! أي مفارقة أعظم من أن يُمنع الذكر ويُستباح اللهو في الموضع ذاته؟! هذه هي الازدواجية التي تكشف حقيقة الأنظمة الفكرية القائمة اليوم: تقبل من الإنسان أن يفعل ما يشاء إلا أن يُظهر خضوعه لله تعالى.

 

ثم إن وصف المتحف بأنه "دار شرك" أو أن قراءة قصة فرعون فيه تحمل "إساءة" إنما هو تعسّف في الفهم. فالمتحف ليس معبداً يُعبد فيه أحد، بل هو مكان عرض تاريخي لا يمنع المسلم أن يتذكر فيه مصير الجبابرة والطغاة. والتذكير بسنن الله في خلقه ليس إساءة بل هو من تمام البلاغ، لأن الله سبحانه جعل قصص القرآن عبرة للناس جميعاً، لا حكراً على المساجد أو الدروس. بل إن مثل هذه التلاوة تردّ على الذين يُقدّسون الآثار والتاريخ الفرعوني، فتذكّرهم بأن من طغى من قبلهم قد غرق، وأن الملك لله وحده لا شريك له.

 

ولا يُعرف عن السلف أنهم خصصوا لتلاوة القرآن أماكن معينة دون غيرها. بل كانوا يقرؤونه في كل حال، حتى في ميادين الجهاد والأسفار والأسواق. قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون". فالمكان لا يُقدّس بذاته، وإنما يُقدّس بذكر الله فيه. ومن منع القراءة في موضعٍ مباح فقد منع عبادة مشروعة بغير دليل، وهذا تحكّم في ما لا يملكه بشر.

 

إن هذه الحادثة ليست حادثاً فردياً بل هي صورة من صور الصراع بين فكرٍ يريد حصر الدين في الزوايا والشعائر، وفكرٍ يرى أن الإسلام شريعة حياة تُعاش في كل تفاصيلها. فالذي يستنكر اليوم تلاوة آيات قصة فرعون في المتحف، هو ذاته الذي يبرر تجريد الحياة العامة من أحكام الشرع بحجة المدنية والحياد الديني. وهكذا يُستبدل سلطان الهوي بسلطان الله، وتُقدّس الحريات حين تخدم الباطل، وتُقمع حين تنطق بالحق.

 

إن من حق المسلم بل من واجبه أن يُظهر دينه في كل موطن، وأن يُذكّر الناس بكلام ربهم كلما استطاع. فالقرآن ليس كتاباً يُحجب عن الواقع أو يُقيد بالمناسبات الرسمية، بل هو النور الذي يهدي الله به من يشاء من عباده. ومن يضيق صدره بسماع آياته فليعلم أن الخلل في قلبه لا في القارئ، وأن الله تعالى قال: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾.

 

فالواجب أن يُكرَّم من قرأ القرآن في هذا الموضع، لا أن يُعتقل! وأن يُنكر على من يمنع الذكر، لا أن يُبرر له! فالمسلم يقرأ كتاب الله حيثما شاء، ما دام يحترم آداب التلاوة. وأما من يريد أن يصادر القرآن من الفضاء العام بحجة الأدب أو الحساسية، فإنه لا يدافع عن الأدب، بل عن العلمانية التي تضيق بالإسلام إذا تجاوز جدران المسجد.

 

وهكذا، مهما حاول الطغاة أن يصنعوا هوية زائفة لأمة الإسلام، وأن يقطعوا صلتها بعقيدتها وحضارتها، فإنهم لا يغيرون سنن الله في خلقه، ولا يمنعون وعده الحق بأن تكون السيادة لعباده المؤمنين، وستكون رغم أنوفهم وحسرة في قلوبهم قريبا خلافة راشدة على منهاج النبوة نسأل الله أن نكون من جنودها وشهودها.

 

﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

 

 

المكتب الإعلامي لحزب التحرير

في ولاية مصر

 

المكتب الإعلامي لحزب التحرير
ولاية مصر
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة
تلفون: 
www.hizb.net
E-Mail: info@hizb.net

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع