- الموافق
- 3 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
(سلسلة أجوبة العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")
جواب سؤال
من أحيا أرضاً ميتة في أرض الخراج
أبو تقي المقدسي
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
سؤال بخصوص الأراضي وهو كالآتي: من بعد قراءتي لكتاب النظام الاقتصادي في الإسلام وفي موضوع أحكام الأراضي تبين معي أن صفة الأرض إما أن تكون عشرية أو أن تكون خراجية مع وجود الأدلة في هذا الموضوع... واتضح لي أيضاً أن أرض الخراج تكون رقبتها للدولة ومنفعتها للفرد. أيضاً مع وجود الأدلة الكافية بهذا الصدد! أما سؤالي بالنسبة لما ورد في صفحة 136 من موضوع إحياء الموات ونصه ما يلي: (ومن أحيا أرضاً ميتة في أرض الخراج لم يسبق أن ضرب الخراج عليها، ملك رقبتها ومنفعتها إن كان مسلماً، ومنفعتها فقط إن كان كافراً.) فكيف لي أن أوفق بين ما ورد سابقاً وبين ما ورد في هذه الفقرة بخصوص ملكية رقبة أرض الخراج؟؟ مع عدم وجود دليل علی الفقرة الأخيرة؟؟ وجزاكم الله عنا خيرا.
أخوك أبو تقي الدين المقدسي
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
الأرض الزراعية والأرض الموات لكل منها أحكام تنظمها وفق الأدلة الشرعية ذات العلاقة نفصلها كما يلي:
أولاً: أدلة أحكام الأراضي الزراعية ومنها:
1- أخرج مسلم في صحيحه عن جابر قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «فِيمَا سَقَتِ الْأَنْهَارُ، وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ» وهذا نص عام، أي أن كل أرض زراعية هي أرض عشرية إلا إذا ورد نص يخصص هذا النص العام.
2- بعد الفتح ظهرت مشكلة جديدة في الأراضي المفتوحة أُخرِجت من النص العام ووضع عليها الخراج، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: (حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ قَبِلَ إِسْلَامَهُ، وَأَحْرَزَ إِسْلَامُهُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلَّا الْأَرْضَ، فَإِنَّهَا فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ فِي مَنَعَةٍ.) وهذا ما قضى به عمر رضي الله عنه في أرض السواد بقوله: "وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها، وأضع فيها الخراج..."
فالحكم العام يجري على عمومه "كل أرض زراعية في دار الإسلام هي أرض عشرية فيها زكاة" وفق الأحكام الشرعية، ولا يخرج من هذا النص العام إلا ما خصص بنص آخر أي "الأرض الخراجية" حسب أحكام الشرع. وبعبارة أخرى فإن كل أرض زراعية في دار الإسلام حكمها أنها أرض عشرية إلا إذا كان هناك دليل خاص بأرض معينة بأنها خراجية، وهذه مفصلة في كتبنا بتمامها.
ثانياً: أدلة أحكام الأرض الموات ومنها:
1- أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ».
وأخرج الترمذي عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ»، ورواه أبو داود كذلك.
وهذه النصوص عامة في أن كل من أحيا أرضاً تكون ملكاً له، فإذا أحياها في أرض العشر فهو يملكها وتكون أرضاً عشرية فيها الزكاة إن كان من أحياها مسلماً، وفيها الخراج إن كان من أحياها من أهل الذمة لأن الكافر ليس من أهل الزكاة فعليه الخراج لأن الأرض الزراعية لا تخلو من وظيفة إما الزكاة وإما الخراج.
أما إذا كان الإحياء في أرض الخراج فتكون الأرض خراجية، سواء أكان المحيي مسلماً أم كان كافراً من أهل الذمة... وبمثل هذا قال أبو يوسف صاحب الخراج حيث قال: (قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِمُحْتَجِرٍ حَقٌّ بَعْدَ ثَلاثِ سِنِينَ"... قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا عَلَى الأَرْضِ الْمَوَاتِ الَّتِي لَا حَقٌّ لأَحَدٍ فِيهَا وَلا مِلْكٌ؛ فَمَنْ أَحْيَاهَا وَهِيَ كَذَلِكَ فَهِيَ لَهُ: يَزْرَعُهَا وَيُزَارِعُهَا وَيُؤَاجِرُهَا وَيُكْرِي مِنْهَا الأَنْهَارَ وَيُعَمِّرُهَا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَتُهَا؛ فَإِنْ كَانَتْ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ أدّى عَنْهَا الْعشْر، وَإِن كَانَتْ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ أَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ...).
* وعليه فإذا أحيا المسلم أرضاً ميتة في أرض العشر فهي عشرية يملك رقبتها ومنفعتها ويدفع عنها الزكاة، العشر أو نصف العشر، وإذا أحياها الكافر من أهل الذمة فهو يملك رقبتها ومنفعتها كذلك ويدفع عنها الخراج لأنه ليس من أهل الزكاة، وهذا تفسير ما ورد في النظام الاقتصادي: (من أحيا أرضاً ميتة في أرض العشر مَلَكَ رقبتها ومنفعتها، مسلماً كان أو كافراً، ويجب على المسلم فيها العشر، زكاة على الزروع والثمار، التي تجب فيها الزكاة، إذا بلغت نصاباً، وأما الكافر فيجب عليه الخراج، وليس العشر، لأنه ليس من أهل الزكاة، ولأن الأرض لا يصح أن تخلو من وظيفةٍ: عشرٍ أو خراج.) انتهى.
* وإذا أحياها في أرض خراجية فهو يملكها وتكون أرضاً خراجية، أي يملك منفعتها دون رقبتها، وفيها الخراج والزكاة على المحصول إذا كان من أحياها مسلماً، وفيها الخراج إن كان من أحياها كافراً من أهل الذمة. وهذا تفسير ما ورد في كتاب النظام الاقتصادي: (ومن أحيا أرضاً ميتة في أرض الخراج، سبق أن وضع عليها الخراج قبل أن تتحول إلى أرض ميتة، مَلَكَ منفعتها فقط، دون رقبتها، مسلماً كان أو كافراً، ووجب عليه فيها الخراج، لأنّها منطبق عليها أنّها أرض مفتوحة، ضُرِبَ عليها الخراج، لذلك يجب أن يبقى الخراج عليها، ملكها مسلم، أو كافر، إلى أبد الدهر).
2- ولا يخرج من هذا النص العام، أي ملكية الأرض العشرية والخراجية بإحيائهما: فتكون عشرية في الأرض العشرية وخراجية في الأرض الخراجية إلا إذا ورد نص خاص في حالات معينة بخلاف ذلك. وباستقراء إحياء الموات في الأرض الخراجية وجد أن هناك حالة ورد فيها نص خاص بحيث تصبح عشرية عند إحيائها من المسلم، وهذه الحالة أن تكون الأرض الميتة في أرض خراجية ولكن لم يسبق أن فرض عليها الخراج ومن هذه النصوص:
أ- لما فتح المسلمون أرض العراق وضع عمر على الأرض الزراعية الخراج، وكانت هناك أرض ميتة في العراق لم يضع عليها عمر الخراج ومنها الأرض التي أقيمت عليها البصرة وما حولها، ولما أحياها المسلمون جُعلت أرضاً عشرية بإجماع الصحابة، وعليه استثنيت الميتة في الأرض الخراجية التي لم يسبق أن وضع عليها الخراج، استثنيت من النص العام، فأصبح إحياؤها من المسلم يجعلها عشرية حتى وإن كانت في الأرض الخراجية التي فتحت عنوة، وقد ورد ذلك في أكثر من مصدر ننقل بعضها:
- ورد في العناية شرح الهداية عند ذكره حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إحياء الأرض الموات قال:
(وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَيِّزِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ) وَمَعْنَاهُ بِقُرْبِهِ (فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ)، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْعُشْرِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ). وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْبَصْرَةِ حسب رأي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ أي قريبة من أرض الخراج التي فرض عليها عمر الخراج، ولكنها بقيت عشرية عندما أحياها المسلمون خلافاً للقياس وذلك بسبب إجماع الصحابة. ويضيف صاحب العناية في شرح الهداية: (وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْبَصْرَةِ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ، إلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ وَظَّفُوا عَلَيْهَا الْعُشْرَ فَتُرِكَ الْقِيَاسُ لِإِجْمَاعِهِمْ.)
- ومثل هذا ورد في الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) حيث قال: (وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ "أرض البصرة" خَرَاجِيَّةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا بِقُرْبِ أَرْضِ الْخَرَاجِ، لَكِنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ).
* وواضح من كل هذا أن أرض البصرة الموات التي لم يفرض عليها الخراج أصبحت عندما أحياها المسلمون أرضاً عشرية، أي أن الأرض الموات التي لم يفرض عليها الخراج والواقعة في أرض خراجية إذا أحياها المسلم تصبح أرضاً عشرية. وأما إذا أحياها غير المسلم فتبقى حسب النص العام أرضاً خراجية. وهذا تفسير ما جاء في النظام الاقتصادي: (ومن أحيا أرضاً ميتة في أرض الخراج، لم يسبق أن ضرب الخراج عليها، ملك رقبتها ومنفعتها إن كان مسلماً، ومنفعتها فقط إن كان كافراً، ويجب على المسلم فيها العشر، ولا خراج عليه. ويجب على الكافر فيها الخراج، كما وُضِعَ على أهلها الكفّار حين أُقِرّوا عليها عند الفتح، مقابل خراج يؤدونه عنها.) انتهى.
وهكذا يكون ما سألت عنه قد تم جوابه، ليس فقط موضع السؤال، وإنما في كل فروع إحياء الموات، والله معك.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
02 محرم 1438هـ
الموافق 2016/10/03م
رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك
رابط الجواب من صفحة الأمير على غوغل بلس
رابط الجواب من صفحة الأمير على تويتر
رابط الجواب من موقع الأمير
3 تعليقات
-
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل
-
جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم
-
** أنظمة العمالة في السعودية تستبدل التاريخ الهجري الشريف بالتاريخ الميلادي ** قامت أنظمة الذل والهوان في السعودية بإستبدال التاريخ الهجري الشريف الذي يذكرنا دائماً ويروينا بالهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة التي اخرجت الناس من الظلمات إلى النور والحق وجعلتها خير أمة أخرجت للناس تامر بالمعروف وتنهى عن المنكر ،،
نسأل الله عزوجل أن يصرف عنا ويخلصنا من هذه الأنطمة الهزيلة المستعبدة وأن يرزقنا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة بتحكيم كتابه الكريم وسنة نبيه الأمين ،،