- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف
الضعفاء أهل الجنة والمستكبرون أهل النار
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كلم كان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عن حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، لَوْ يُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّار؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ» متفق عليه.
شرح الحديث:
«أَلَا»: حرف استفتاح لتنبيه السامع للكلام الآتي بعده. «أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ»: أي بمعظمهم. «كُلُّ ضَعِيفٍ»: أي نفسه ضعيفة لتواضعه وضعف حاله في الدنيا. «مُتَضَعِّفٍ»: يعني أن الناس يقهرونه ويستضعفونه ويفخرون عليه لضعف حاله فى الدنيا, وقيل المراد أنه يستضعف: أي يخضع لله سبحانه ويذل له نفسه. «لَوْ يُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ»: أي لأبر قسمه: أي لو حلف يميناً طمعاً في كرم الله بإبراره لأبره بحصول ذلك, ومن ذلك ما روي عن أنس بن النضير في أخته الربيع لما كسرت بالقصاص, فقال أنس: "والله لا تكسر سن الربيع", فما كان من الجارية إلا أن عفت، فارتفع بعفوها الحد, ثم قال صلى الله عليه وسلم: «إن منكم يا معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبره»، فإن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبر قسمه كل زمن ووقت بقضاء حوائجهم وتيسير مطالبهم. «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ» أي بسماتهم وأفعالهم لتجتنبوها, هم: «كُلُّ عُتُلٍّ» بضم العين وهو الغليظ الجافي. «جَوَّاظٍ» بفتح الجيم وتشديد الواو, وهو الجموع المنوع البخيل, وقيل الضخم المختال في مشيته, وقيل القصير البطين لشرهه ونهمه، فليس غرضه سوى ملء بطنه.
التعليق:
إن هذا الحديث الشريف ليجسّد الواقع المرير الذي تمر به خير أمة أُخرجت للناس. وليس هذا فحسب، بل يخبرنا أن الله سبحانه وتعالى قد كتب في كتابه المحفوظ من سيدخلهم الجنة، ومنهم الكثيرون المستضعفون، والمغلوب على أمرهم بسلطان، أو بطبيعة حالهم. وهؤلاء يقع عليهم حِسنا من ضعفاء هذا الزمان. والضعيف الذي أراده هذا الحديث ليس هو ضعيف الجسد، وإنما الذي تسلط عليه جبارٌ أو ظالم. وهؤلاء أراد أن يصبرهم الله عز وجل، فبشّرهم بأن لهم الجنة، وهم أهلها، غير أن الغلبة في النهاية ليست للظالمين، بل هي لله ولرسوله وللمؤمنين الصادقين.
وهذا لا يعني الركون إلى الفوز العظيم في الآخرة ببشرى دخول الجنة، بل العمل لها، والتلبس بما يرضي الله سبحانه وتعالى، حتى يكون المرء ممن يقسم على الله ويُستجاب له. والإخلاص في العمل ركن من أركان الاستجابة، واليقين بالإجابة ولو بعد حين يجب أن يكون عند المؤمن.
أما الطرف الآخر، فهم أصحاب النار، وهؤلاء حدّث عنهم ولا حرج، فهم كالشمس في رابعة النهار، لا يخفون على أي بصير. ومن أصنافهم الجبابرة القاهرون للبشر، مانعو حقوقهم، فهؤلاء من أهلها، وسوف يلقون فيها العذاب الذي أنذرهم الله به، بعد أن حذّرهم منها، ونهاهم عن عصيانه عز وجل.
فمكان الصالحين المظلومين سيكون في الجنة، أما من عصى الله عز وجل ولم يتب فله مكان في نار جهنم. فالله نسأل أن نكون من أهل الجنة، والله نسأل أن يرفع عنا ظلم الظالمين، وإن يتوبوا يغفر الله لهم، هو التواب الغفور.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح