- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف - الحثالة من الناس
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:« كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً، وَتَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ، قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ، فَاخْتَلَفُوا وَكَانُوا هَكَذَا»، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالُوا: كَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَأْخُذُونَ بِمَا تَعْرِفُونَ، وَتَدَعُونَ مَا تُنْكِرُونَ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى خَاصَّتِكُمْ، وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَوَامِّكُمْ» سنن ابن ماجه.
أيها المستمعون الكرام
إن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي نبيه عليه الصلاة والسلام، محمد بن عبد الله، أما بعد:
يلفت هذا الحديث الشريف إلى أمر سيحدث في هذه الأمة، حيث أن الناس سينقسمون، فيقفون أمام خيارين اثنين، إما أن يكونوا مع من هداهم الله إلى فهم الإسلام، والحفاظ عليه، أو من قوم استباحوا ما حرّم الله وساروا على خُطا الشيطان.
ويخبر هذا الحديث أن الناس كلهم سوف يغربلون، بحيث يسقط الكثير منهم من بين الثغرات، بسبب ضعفهم وعجزهم عن الاستمرار والثبات على الصواب. فيصف رسول الله صلى الله عليه وسلم من يبقى منهم بالحثالة، الذين ينقضون العهد ويخونوا الأمانات. وأيضًا هؤلاء أصبحوا مختلفين بعد أن كانوا على قلب رجل واحد.
وفي نهاية الحديث الشريف، عندما سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن العمل في هذه الحال، عندما يسود الحثالة ويكثرون، أجاب بأن ينكروا المنكر ما استطاعوا، ولا يسلموا ويقبلوا بالواقع، فالمسلم يجب أن يثبت على الحق، ويحافظ على الإسلام، ويلتزم خُطا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وأيضًا نوّه الحديث إلى عدم الانقياد للآخرين من غير وعي، فطلب أن نسير على الشرع ونحافظ عليه، ونترك ما ينكره الشرع ونسير مع المخلصين الواعين. فعوام الناس يسيرون مع من يرتاحون له، ويركنون إلى الطريق السهل، حتى لو وصل بهم الأمر إلى معصية الله. ولكن المسلم يجب أن يكون واعيًا، لا يستمع إلا لمن يقول الحق، ويظن فيه الإخلاص، ويتمثل قوله في سلوكه. عندئذٍ يصبح المرء أقرب إلى الصواب، قريبًا من رضا الله سبحانه وتعالى، بعيدًا عن المعاصي.
إذن، ما يُستفاد من هذا الحديث أمور متنوعة: معرفة أن الذين يتبعون خطوات الشيطان هم الحثالة، الذين يتصفون بما ينفر الناس منه، من الكذب والخيانة. إدراك أن الكثرة لا تعني الحق، بل الحق في الصواب، ولا ينبغي للإنسان أن يركن إلى الطريق الخاطئ لأنه سهل. وأن لله رجال مخلصون قادرون على إرشاد الناس وقيادتهم إلى الخير لما يوجد عندهم من صفاء ظاهر سلوكهم وقولهم.
إن الحديث الشريف يؤكد أن الله سيمحص الناس حتى يميز الخبيث من الطيب، فلا يثبت على الحق إلا المخلصون. فالله نسأل أن يهدينا الطريق المستقيم، وأن يصلح حالنا، ويقبض أرواحنا وهو راضٍ عنا، ونحن نسير على الإسلام ونعمل مع أهله.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح