- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وَاجْتَمَعَتْ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَالَ عُمَرُ بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَ عُمَرُ قَتَلَهُ اللَّهُ .
في هذه الرواية رأينا أن المرشحين للخلافة، كانوا أربعة هم سعد بن عبادة وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة، لكن عمر وأبا عبيدة لم ينافسا أبا بكر لعلمهما بفضله، فانحصر الترشيح عملياً بين أبي بكر وسعد بن عبادة، ثم وبعد مناقشة ومجادلة كثيرة بين أهل الحل والعقد في السقيفة، اختاروا أحد المرشحين وقاموا ببيعته بيعة انعقاد في السقيفة ... ثم بيعة الطاعة في اليوم التالي في المسجد .... فمراحل حصر المرشحين ابتدأت بقبول أربعة مرشحين ثم حصروا في اثنين ثم اختار أهل الحل والعقد واحدا من الاثنين وبايعوه.
وإن بيعة عمر لم يظهر فيها حصر للمرشحين، لأنه كان المرشح الوحيد، وكذلك كان الأمر في بيعة علي إذ لم يكن هناك مرشح غيره، فتمت بيعة كل من عمر وعلي دون ظهور مراحل حصر المرشحين للخلافة، فلا ظهر حصر المرشحين بعدد معين كحد أقصى، ولا تقليص عدد المرشحين لأدنى حد، قبل عملية الاختيار.
أما بيعة عثمان فقد كانت الأوضح في بيانها طرح أسماء المرشحين، وحصرهم في ستة مرشحين، ثم بيان مراحل حصرهم في اثنين، حيث تم حصرهم في اثنين هما علي وعثمان، ثم استُفتِيَ الناس من أهل الحل والعقد وعامة الناس في هذين المرشحين فرجحت كفة عثمان، فتمت بيعته بيعة انعقاد في المسجد، ثم بيعة طاعة
وبالرجوع إلى رواية تلك المراحل من كتاب تاريخ الرسل والملوك للطبري نرى:
1- يقول عمر: عليكم هؤلاء الرّهط الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنهم من أهل الجنة؛ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل منهم؛ ولست مدخله؛ ولكن الستّة: عليّ وعثمان ابنا عبد مناف، وعبد الرحمن وسعد خالا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والزبير بن العوام حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وابن عمته، وطلحة الخير بن عبيد الله؛ فليختاروا منهم رجلاً؛ فإذا ولَّوا والياً فأحسنوا مؤازرته وأعينوه. فعمر هنا عَدَّدَ الصحابة ممن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو راضٍ عنهم فكانوا سبعة ممن تتوفر فيهم شروط الانعقاد، ثم حصر الترشيح بستة منهم،
وقد كان الحصر يتم على ملأ من المسلمين، وهو مما ينكر ولا ينفذ لو كان غير جائز حيث فيه منع لحق الآخرين من الترشيح. ولذلك فإن حصر المرشحين للخلافة جائز لإجماع الصحابة. فللأمة، أي ممثليها، أن تحصر المرشحين، سواء أكان ذلك من الأمة مباشرةً، أم بتفويض الخليفة السابق بأن يحصر نيابةً عنهم.
هذا من حيث الحصر. أما كون الحصر في ستة ابتداءً فهو استئناساً بفعل عمر. وأما كون الحصر بعد ذلك باثنين فهو استئناساً بفعل عبد الرحمن بن عوف، وكذلك لتحقيق معنى البيعة بأكثرية المنتخِبين المسلمين، حيث إن المرشحين إن كانوا فوق اثنين، فإن الذي ينجح منهما قد يكون بنسبة ثلاثين في المئة مثلاً من المنتخِبين أي أقل من أكثريتهم (فوق خمسين في المئة)، وتتحقق الأكثرية للفائز إذا كان المرشحون لا يزيدون عن اثنين.
2- فقال عبد الرحمن: أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم؟ فلم يجبه أحد، فقال: فأنا أنخلع منها؛ فقال القوم: قد رضينا ....... فأخذ منهم ميثاقاً وأعطاهم مثله،
في هذه الرواية يقوم عبد الرحمن بأخذ توكيل من المتنافسين على أن يختار لهم من بينهم خليفة وذلك بعد أن أخرج نفسه من المنافسة، ليقتصر عدد المرشحين على خمسة.
3- بعد ذلك بدأ عبد الرحمن مشاوراته وبدأ بالمرشحين: قال لعليّ: .... أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر، من كنت ترى من هؤلاء الرّهط أحقّ بالأمر؟ قال: عثمان. وخلا بعثمان؛ فقال: ....لو لم تحضر فأيّ هؤلاء الرهط تراه أحقّ به؟ قال: عليّ. ثم خلا بالزّبير، فكلمه بمثل ما كلم به عليًّاً وعثمان؛ فقال: عثمان. ثم خلا بسعد، فكلمه، فقال: عثمان.
4- ثم وَسَّعَ دائرة المشاورة إلى أهل الحل والعقد ممن هم في المدينة:
ودار عبد الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس، يشاورهم، ولا يخلوا برجل إلا أمره بعثمان؛ حتى إذا كانت الليلة التي يستكمل في صبيحتها الأجل، أتى منزل المسور بن مخرمة بعد هجع من الليل؛ فأيقظه فقال: ألا أراك نائماً ولم أذق في هذه الليلة كثير غمض! انطلق فادع الزبير وسعداً.
فدعاهما فبدأ بالزبير في مؤخر المسجد في الصفة التي تلي دار مروان، فقال له: خلّ ابني عبد مناف وهذا الأمر، قال: نصيبي لعليّ، وقال لسعد: أنا وأنت كلالة، فاجعل نصيبك لي فأختار، قال: إن اخترت نفسك فنعم، وإن اخترت عثمان فعليّ أحبّ إليّ.
هنا رأينا أن المرشحين حصروا بعد التشاور مع أهل الحل والعقد في اثنين: عثمان وعلي
5- وأخيرا يختار عبد الرحمن ـــ بالوكالة عن أهل الحل والعقد ـــ الخليفة من بين المرشحَيْن فيبادر بمبايعته فيتبعه بقية الحضور فيبايعون الخليفة الجديد بيعة الانعقاد فقال عبد الرحمن: إني قد نظرت وشاورتً. ودعا عليّاً، فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده؟ قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي؛ ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعليّ، قال: نعم، فبايعه،
من هذه الأحداث استدل حزب التحرير على خطوات نصب الخليفة، وحصر المرشحين للخلافة مرتين ... وتبدأ هذه الخطوات بحصر المرشحين من حيث توفر شروط الانعقاد فيهم ... وهذا تقوم به محكمة المظالم. وَمَثَّلَهَا فيما سبق الخليفة، فهو كان قاضي المظالم في خلافته.
ثم حصر المرشحين المؤهلين مرتين: الأولى حصر المرشحين بستة.... وهذا ما فعله عمر نيابة عن الأمة، حين طلبت منه أن يرشح لها من يخلفه.
الثانية حصر المرشحين في اثنين: وهذا ما قام به عبد الرحمن بن عوف بتوكيل من أهل الحل والعقد، ممثلين للأمة ...وفي دولة الخلافة القادمة سيقوم بهذا الحصر للمرشحين مجلس الأمة نيابة عنها.
أحبتنا الكرام: كل ما يتعلق بالحكم من إقامة للدولة وتنصيب الخليفة وتفصيل ذلك كله معد في مشاريع قوانين جاهزة وتنتظر التنفيذ، فما على المسلمين إلا إقامة الدولة وتنفيذ هذه الأحكام، ومبايعة الخليفة الذي يحكمنا بكتاب الله وسنة رسوله.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.