- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف
الحرابة
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روى البخاري في صحيحه قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَانْطَلَقُوا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ فَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ"
قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَهَؤُلَاءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر:
قَوْله: (فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَة) قَالَ اِبْن فَارِس: اجْتَوَيْت الْبَلَد إِذَا كَرَهْت الْمُقَام فِيهِ وَإِنْ كُنْت فِي نِعْمَة. وَقَيَّدَهُ الْخَطَّابِيُّ بِمَا إِذَا تَضَرَّرَ بِالْإِقَامَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ. وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ: الْجَوَى دَاء يَأْخُذُ مِنْ الْوَبَاءِ وَقَالَ غَيْره: الْجَوَى دَاء يُصِيبُ الْجَوْف
قَوْله: (فَأَمَرَهُمْ بِلِقَاحٍ): أَيْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْحَقُوا بِهَا وَلِلْمُصَنِّفِ فِي رِوَايَةِ هَمَّام عَنْ قَتَادَة "فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ" وَلَهُ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ حَمَّاد "فَأَمَرَ لَهُمْ بِلِقَاح"
قَوْله: (فَلَمَّا صَحُّوا) فِي السِّيَاقِ حَذْف تَقْدِيرُهُ "فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالهَا وَأَلْبَانِهَا فَلَمَّا صَحُّوا".
قَوْله: (وَاسْتَاقُوا النَّعَم) مِنْ السَّوْقِ وَهُوَ السَّيْرُ الْعَنِيفُ.
قَوْله: (فَأَمَرَ بِقَطْعِ) كَذَا لِلْأَصِيلِيّ وَالْمُسْتَمْلِي وَاَلسَّرْخَسِيّ وَلِلْبَاقِينَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ قَالَ الدَّاوُدِيّ: يَعْنِي قَطْع يَدَيْ كُلّ وَاحِد وَرِجْلَيْهِ. قُلْت: تَرُدُّهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ "مِنْ خِلَاف" وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ الْفِرْيَابِيّ عَنْ الْأَوْزَاعِيّ بِسَنَدِهِ
قَوْله: (وَسُمِّرَتْ أَعْيُنهمْ) تَشْدِيد الْمِيمِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي رَجَاء "وَسَمَرَ" بِتَخْفِيف الْمِيم وَلَمْ تَخْتَلِفْ رِوَايَات الْبُخَارِيّ فِي أَنَّهُ بِالرَّاءِ وَوَقَعَ لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْد الْعَزِيز "وَسَمَلَ" بِالتَّخْفِيفِ وَاللَّام قَالَ الْخَطَّابِيّ السَّمْل: فَقْءُ الْعَيْنِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ قَالَ أَبُو ذُؤَيْب الْهُذَلِيّ: وَالْعَيْن بَعْدهمْ كَأَنَّ حِدَاقَهَا سُمِلَتْ بِشَوْكٍ فَهِيَ عُورٌ تَدْمَعُ قَالَ: وَالسَّمْرُ لُغَة فِي السَّمْلِ وَمَخْرَجهمَا مُتَقَارِب.
قَوْله: (وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ) هِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ مَعْرُوفَة بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا أُلْقُوا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا قُرْبُ الْمَكَانِ الَّذِي فَعَلُوا فِيهِ مَا فَعَلُوا.
قَوْله: (يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ) زَاد وُهَيْب وَالْأَوْزَاعِيّ "حَتَّى مَاتُوا" وَفِي رِوَايَةِ أَبِي رَجَاء "ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِي الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا" لَكِنْ عِنْد أَبِي عَوَانَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَقِيل عَنْ أَنَس "فَصَلَبَ اِثْنَيْنِ وَقَطَعَ اِثْنَيْنِ وَسَمَلَ اِثْنَيْنِ" كَذَا ذَكَرَ سِتَّة فَقَطْ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَعُقُوبَتهمْ كَانَتْ مُوَزَّعَة.
قَوْله: (وَقَتَلُوا) أَيْ الرَّاعِي كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْله: (وَكَفَرُوا) هُوَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَسِ فِي الْمَغَازِي وَكَذَا فِي رِوَايَةِ وُهَيْب عَنْ أَيُّوبَ فِي الْجِهَادِ فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ وَكَذَا قَوْله "وَحَارَبُوا" ثَبَتَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَس فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ "وَهَرَبُوا مُحَارِبِينَ"
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفَوَائِدِ غَيْر مَا تَقَدَّمَ: قُدُومُ الْوُفُودِ عَلَى الْإِمَامِ وَنَظَرُهُ فِي مَصَالِحِهِمْ. وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة الطِّبّ وَالتَّدَاوِي بِأَلْبَانِ الْإِبِلِ وَأَبْوَالهَا. وَفِيهِ أَنَّ كُلَّ جَسَدٍ يُطَبَّبُ بِمَا اِعْتَادَهُ وَفِيهِ قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ سَوَاء قَتَلُوهُ غِيلَة أَوْ حِرَابَة إِنْ قُلْنَا إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ قِصَاصًا وَفِيهِ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقِصَاصِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْمُثْلَةِ الْمَنْهِيّ عَنْهَا وَثُبُوت حُكْمِ الْمُحَارَبَةِ فِي الصَّحْرَاءِ وَأَمَّا فِي الْقُرَى فَفِيهِ خِلَاف وَفِيهِ جَوَازُ اِسْتِعْمَالِ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ إِبِل الصَّدَقَةِ فِي الشُّرْبِ وَفِي غَيْرِهِ قِيَاسًا عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَفِيهِ الْعَمَلُ بِقَوْل الْقَائِف وَلِلْعَرَبِ فِي ذَلِكَ الْمَعْرِفَة التَّامَّة.
أحبتنا الكرام:
يطلق على ما قام به أولئك القوم الذين ورد ذكرهم في الحديث الشريف مسمى الحرابة، فالحرابة هي عمل قطاع الطرق الذين يتعرضون للناس ويقطعون الطريق، ويسلبون الأموال ويزهقون الأرواح ...، وهم قد قتلوا وسلبوا وروعوا رعاة إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ورعاة إبل الصدقة، فاستحقوا أن يطبق عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم الله تعالى فيهم كما ورد في الآية الكريمة: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33))
والذي يتولى أمر قطاع الطرق هو دائرة الأمن الداخلي، فترسل الشرطة لمطاردتهم وإيقاع العقوبة عليهم حسب ما جاء في الآية الكريمة.
فمن قتل وأخذ المال: يقتل ويصلب
ومن قتل ولم يأخذ المال: يقتل ولا يصلب
ومن أخذ المال ولم يقتل: تقطع يده ورجله من خلاف ولا يقتل
ومن أظهر السلاح وأخاف الناس ولم يقتل ولم يأخذ المال: فلا يقتل ولا يصلب ولا تقطع له يده ولا رجل، وإنما ينفى من بلده إلى بلد آخر بعيد، داخل الدولة.
وجدير بالذكر أن قطاع الطرق لا يعاملون كما يعامل البغاة الذين يقاتلون قتال تأديب لا قتال إفناء .... بل هم يقاتلون مقبلين ومدبرين إلى أن يقتلوا أو يستسلموا فيقبض عليهم ويحاكموا ثم يقام عليهم الحد.
أحبتنا الكرام:
هذه هي الطريقة المثلى في الحفاظ على أمن الرعية وأمانها، فلا تخاف غيلة على أرواحها ولا أملاكها لا في الإقامة ولا في السفر، لا داخل المدينة ولا خارجها، فعصا الدولة مرفوعة دائماً في وجه كل من تسول له نفسه إخافة الناس أو التعدي على أنفسهم أو ممتلكاتهم، فهذه العقوبات الرادعة كفيلة بأن تردع النفوس المريضة، وتنسيها وساوس الشيطان.
فبالله عليكم أهذه الأحكام الربانية خير أم تلك الأحكام الوضعية التي ترأف بالجاني وتنسى حق الضحية في الحياة الآمنة المطمئنة ... فتنتشر الجريمة، وتستباح أموال الناس بل وأرواحهم ... فلا يأمن الطفل في مدرسته، ولا البائع في متجره، ولا المسافر على الطريق، ففي ظل الأنظمة الوضعية الرأسمالية الليبرالية على وجه الخصوص، التي تقدس الحرية للفرد على حساب الجماعة التي يعيش فيها، يعيش الفرد في قلق مستمر على حياته وممتلكاته، لا يفارقه القلق ولا الخوف من اعتداء يأتيه من حيث يحتسب أو لا يحتسب ... ثم يعاقب الجاني بعقوبة جز العشب من ساحة الشرطة، أو يوضع في سجن خمس نجوم، ربما ما كان لينال منزلاُ أرفه منه لو كان حرا طليقاً لم يرتكب جرما ولا جناية ....
اللهم إنا نسألك نصراً مؤزرا للعاملين على إعادة حكمك، فلا تردنا عن بابك خائبين
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.