- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 53)
تتمة نوع العمل, مدة العمل
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالخَمسِينَ, وَعُنوَانُهَا: "تَتِمَّةُ نَوعِ العَمَلِ, ومُدَّةُ العَمَلِ".نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (صَفحَة 88-89) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
"أمَّا تَأجِيرُهُ العُمَّالَ عَلَى أنْ يَأخُذَ شَيئًا مِنْ أجْرِهِمْ، أو وَضْعَهُ مُشْرِفًا عَلَيهِمْ عَلَى جُزْءٍ مِنْ أجْرِهِمْ فَلا يَجُوزُ، لأنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَدِ اغتَصَبَ جُزءًا مِنْ أجْرِهِمُ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُمْ، فَقَد رَوَى أبُو دَاوُدَ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلِّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْقَسَامَةَ». قُلْنَا: وَمَا الْقَسَامَةُ؟ قَالَ: «الشَّيْءُ يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيُنْتَقَصُ مِنْهُ». وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَى الْفِئَامِ مِنَ النَّاسِ, فَيَأْخُذُ مِنْ حَظِّ هَذَا وَحَظِّ هَذَا».فَلَو قَاوَلَ مُتَعَهِّدٌ شَخْصًا عَلَى أنْ يُحْضِرَ مِائَةَ عَامِلٍ، كُلُّ عِامِلٍ بِدِينَارٍ، فَأعطَى العُمَّالَ أقَلَّ مِنْ دِينَارٍ لا يَجُوزُ؛ لأنَّ المِقْدَارَ الَّذِي قَاوَلَ عَلَيهِ يُعتَبَرُ أجْرًا مُحَدَّدًا لِكُلِّ عَامِلٍ مِنْهُمْ، فَإِذَا أنْقَصَ مِنهُ أخَذَ مِنْ حَقِّهِمْ. أمَّا لَو قَاوَلَهُ عَلَى أنْ يُحضِرَ لَهُ مِائَةَ عَامِلٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أُجرَةً لَهُمْ، وَأعطَاهُمْ أُجرَةً أقَلَّ مِنَ المُقَاوَلَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لأنَّهُ لا يَكُونُ أنَقْصَ مِنْ أجْرِهِمُ المُقَدَّرَ لَهُمْ.
وَيُشتَرَطُ فِي تَحدِيدِ نَوعِ العَمَلِ أنْ يَكُونَ التَّحدِيدُ نَافِيًا لِلجَهَالَةِ، حَتَّى تَكُونَ الإِجَارَةُ عَلَى مَعْلُومٍ؛ لأَنَّ الإِجَارَةَ عَلَى مَجْهُولٍ فَاسِدَةٌ، فَلَو قَالَ: استَأجَرْتُكَ لِتَحْمِلَ لِي هَذِهِ الصَّنَادِيقَ مِنَ البِضَاعَةِ إِلَى مِصْرَ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَالإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ. أو استَأجَرتُكَ لِتَحْمِلَهَا لِي كُلَّ طُنٍّ بِدِينَارٍ صَحَّ. أو لِتَحْمِلَهَا لِي طُنًا بِدِينَارٍ، وَمَا زَادَ فَبِحَسَابِ ذَلِكَ جَازَ أيضًا. وَكَذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ حَمْلِهَا جَمِيعِهَا. أمَّا إِذَا قَالَ لَهُ: لِتَحْمِلَ مِنهَا طُنًّا بِدِينَارٍ، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، يُرِيدُ مَهْمَا حَمَلْتَ مِنْ بَاقِيهَا، فَلا يَصِحُّ؛ لأنَّ المَعقُودَ عَلَيهِ بَعضُهَا وَهُوَ مَجُهُولٌ. أمَّا لَو قَالَ لَهُ: تَنقُلُ لِي كُلَّ طُنٍّ بِدِينَارٍ صَحَّ، كَمَا لَوِ استَأجَرَهُ لِيُخْرِجَ لَهُ مَاءً كُلَّ مِتْرٍ بِقِرْشٍ جَازَ. فَيُشتَرَطُ أنْ تَكُونَ الإِجَارَةُ عَلَى مَعْلُومٍ، فَإِنْ دَخَلَتِ الجَهَالَةُ لا تَصِحُّ".
مدة العمل:
مِنَ الإِجَارَةِ مَا لا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ العَمَلِ الَّذِي يَستَأجِرُ عَلَيهِ فَقَط، كَالخِيَاطَةِ وَرُكُوبِ السَّيارَةِ إِلَى مَكَانِ كَذَا، وَلا يُذكَرُ فِيهِ مُدَّةٌ، وَمِنهَا مَا لا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ المُدَّةِ الَّتِي يَستَأجِرُهُ عَلَيهَا فَقَط، وَلا يُذكَرُ فِيهِ مِقدَارُ العَمَلِ، كَأنْ يَقُولَ: استَأجَرتُكَ شَهرًا تَحفِرُ لِي بِئْرًا أو قَنَاةً، لَمْ يَحتَجْ إِلَى مَعرِفَةِ القَدْرِ، وَعَلَيهِ أنْ يَحْفِرَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، قَلِيلاً حَفَرَ أو كَثِيرًا. وَمِنهَا مَا لا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ المُدَّةِ وَالعَمَلِ فِي مِثْلِ بِنَاءِ دَارٍ، وَإِنشَاءِ مِصْفَاةِ بِترُولٍ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ.
وَكُلُّ عَمَلٍ لا يُعرَفُ إِلاَّ بِذِكْرِ المُدَّةِ لا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ المُدَّةِ؛ لأنَّ الإِجَارَةَ يَجِبُ أنْ تَكُونَ مَعلُومَةً، وَعَدَمُ ذِكْرِ المُدَّةِ فِي بَعضِ الأعْمَالِ يَجعَلُهَا مَجْهُولَةً. وَإِذَا كَانَتِ الإِجَارَةُ مَجْهُولَةً لا تَجُوزُ. وَإِذَا وَقَعَتِ الإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ مَعلُومَةٍ كَشَهْرٍ وَسَنَةٍ فَلَيسَ لأحَدِهِمَا الفَسْخُ إِلاَّ عِندَ انقِضَاءِ المُدَّةِ. وَإِذَا أجَّرَهُ عَلَى مُدَّةٍ مُكَرَّرَةٍ، كَأَنِ استَأجَرَ عَامِلاً كُلَّ شَهْرٍ بِعِشرِينَ دِينَارًا، لَزِمَ العَقْدُ كُلَّ شَهْرٍ بِتَلَبُّسِ الأجِيرِ بِالعَمَلِ الَّذِي استُؤْجِرَ لِلقِيَامِ بِهِ.
وَلا بُدَّ مِنْ أنْ يَكُونَ ذِكْرُ المُدَّةِ فِي عَقْدِ الإِجَارَةِ. إِلاَّ أنَّهُ لا يُشتَرَطُ فِي مُدَّةِ الإِجَارَةِ أنْ تَلِيَ العَقْدَ، بَلْ لَو أجَّرَهُ نَفسَهُ فِي شَهْرِ رَجَبَ وَهُوَ فِي شَهْرِ المُحَرَّمِ صَحَّ، وَإِذَا ذُكِرَتِ المُدَّةُ فِي العَقْدِ، أو كَانَ ذِكْرُهَا فِي
العَقْدِ ضَرُورِيًّا لِنَفْيِ الجَهَالَةِ، فَيَجِبُ أنْ تُحَدَّدَ المُدَّةُ بِفَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ كَدَقِيقَةٍ أو سَاعَةٍ أو أُسبُوعٍ أو شَهْرٍ أو سَنَةٍ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. لا يَجُوزُ تَأجِيرُ العُمَّالَ عَلَى أنْ يَأخُذَ المُستَأجِرُ شَيئًا مِنْ أجْرِهِمْ، أو يَضَعَ نَفسَهُ مُشْرِفًا عَلَيهِمْ عَلَى جُزْءٍ مِنْ أجْرِهِمْ، لأنَّهُ اغتِصَابُ جُزءٍ مِنْ أجْرِهِمُ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُمْ، وَهُوَ مِنَ القَسَامَةِ الَّتِي نَهَى عَنهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلِّمَ فَقَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْقَسَامَةَ».
2. يُشتَرَطُ فِي تَحدِيدِ نَوعِ العَمَلِ أنْ يَكُونَ التَّحدِيدُ نَافِيًا لِلجَهَالَةِ، حَتَّى تَكُونَ الإِجَارَةُ عَلَى مَعْلُومٍ؛ لأَنَّ الإِجَارَةَ عَلَى مَجْهُولٍ فَاسِدَةٌ لا تَصِحُّ.
3. الإِجَارَةُ مِنْ حَيثُ تَحدِيدُ المُدَّةِ أنَواعٌ ثَلاثَةٌ:
أ- إِجَارَةٌ لا بُدَّ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ العَمَلِ وَلا يُذكَرُ فِيهِ مُدَّةٌ: كَاستِئْجَارِ سَيَّارَةٍ لِلرُّكُوبِ إِلَى مَكَانِ مُعَيَّنٍ.
ب- إِجَارَةٌ لا بُدَّ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ المُدَّةِ، وَلا يُذكَرُ فِيهِ مِقدَارُ العَمَلِ: كَاستِئْجَار أجيرٍ شَهرًا لِحَفْرِ بِئْرٍ.
ت- إِجَارَةٌ لا بُدَّ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ المُدَّةِ وَالعَمَلِ: كَبِنَاءِ دَارٍ وَإِنشَاءِ مِصْنعٍ, خِلالَ مُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ.
4. لِلإِجَارَةِ مِنْ حَيثُ تَحدِيدُ المُدَّةِ أحكَامٌ سِتَّةٌ:
أ- كُلُّ عَمَلٍ لا يُعرَفُ إِلاَّ بِذِكْرِ المُدَّةِ لا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ المُدَّةِ؛ لأنَّ الإِجَارَةَ يَجِبُ أنْ تَكُونَ مَعلُومَةً، وَعَدَمُ ذِكْرِ المُدَّةِ فِي بَعضِ الأعْمَالِ يَجعَلُهَا مَجْهُولَةً لا تَجُوزُ.
ب- إِذَا وَقَعَتِ الإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ مَعلُومَةٍ كَشَهْرٍ وَسَنَةٍ فَلَيسَ لأحَدِهِمَا الفَسْخُ إِلاَّ عِندَ انقِضَاءِ المُدَّةِ.
ت- إِذَا أجَّرَهُ عَلَى مُدَّةٍ مُكَرَّرَةٍ، كَأَنِ استَأجَرَ عَامِلاً كُلَّ شَهْرٍ بِعِشرِينَ دِينَارًا، لَزِمَ العَقْدُ كُلَّ شَهْرٍ بِتَلَبُّسِ الأجِيرِ بِالعَمَلِ الَّذِي استُؤْجِرَ لِلقِيَامِ بِهِ.
ث- لا بُدَّ مِنْ أنْ يَكُونَ ذِكْرُ المُدَّةِ فِي عَقْدِ الإِجَارَةِ.
ج- لا يُشتَرَطُ فِي مُدَّةِ الإِجَارَةِ أنْ تَلِيَ العَقْدَ، بَلْ لَو أجَّرَهُ نَفسَهُ فِي شَهْرِ رَجَبَ وَهُوَ فِي شَهْرِ المُحَرَّمِ صَحَّ.
ح- يَجِبُ أنْ تُحَدَّدَ المُدَّةُ بِفَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ كَدَقِيقَةٍ أو سَاعَةٍ أو أُسبُوعٍ أو شَهْرٍ أو سَنَةٍ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة الثانية على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.