- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي ح61
الأجر المسمى, وأجر المثل
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الحَادِيَةِ وَالسِّتِينَ, وَعُنوَانُهَا: "الأجرُ المُسَمَّى وَأجْرُ المِثْلِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَفحَةِ الوَاحِدَةِ بَعدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
"الإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى المَنفَعَةِ بِعِوَضٍ. وَيُشتَرَطُ لانعِقَادِ الإِجَارَةِ أهلِيَّةُ العَاقِدَينِ، بِأنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنهُمَا مُمَيِّزًا، وَيُشتَرَطُ لِصِحَّتِهَا رِضَا العَاقِدَينِ، وَيُشتَرَطُ أنْ تَكُونَ الأُجرَةُ مَعلُومَةً لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا استَأجَرَ أحَدُكُمْ أجِيرًا فَليُعلِمْهُ أجْرَهُ» رَوَاهُ الدَّارقُطنِيُّ عَنِ ابنِ مَسعُودٍ، وَلِمَا رَوَى أحْمَدُ عَنْ أبِي سَعِيدٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ استِئجَارِ الأجِيرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أجْرُهُ. إِلاَّ أنَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنِ الأُجرَةُ مَعلُومَةً، انعَقَدَتِ الإِجَارَةُ وَصَحَّتْ، وَيُرجَعُ عِندَ الاختِلافِ فِي مِقْدَارِهَا إِلَى أجْرِ المِثْلِ. فَإِذَا لَمْ يُسَمَّ الأجْرُ عِندَ عَقْدِ الإِجَارَةِ، أو اختَلَفَ الأجِيرُ وَالمُستَأجِرُ فِي الأجْرِ المُسَمَّى، فَإِنَّهُ يُرجَعُ إِلَى أجْرِ المِثْلِ. وَإِنَّمَا يُرجَعُ إِلَى أجْرِ المِثلِ قِيَاسًا عَلَى المَهْرِ، فَإِنَّهُ يُرجَعُ فِيهِ عِندَ عَدَمِ التَّسمِيَةِ، أو الاختِلافِ عَلَى المُسَمَّى، إِلَى مَهْرِ المِثْلِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ وَالتِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ: «عَن ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ, وَعَلَيْهَا العِدَّةُ وَلَهَا المِيرَاثُ, فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ الَّذِي قَضَيْتَ فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ». وَمَعنَى قَولِهِ: «لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا». أي مَهْرٌ مِثلُ مَهرِ نِسَائِهَا. وَمَعنَى «لا وَكْسَ وَلا شَطَطَ».- أي دُونَ مُبَالَغَةٍ فِي تَقلِيلِ المَهْرِ أو زِيَادَتِهِ- فَأوجَبَ الشَّارِعُ مَهْرَ المِثْلِ لِمَنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ. وَمِثْلُ ذَلِكَ إِذَا اختُلِفَ فِي المَهْرِ المُسَمَّى. وَلَمَّا كَانَ المَهْرُ عِوَضًا لازمًا يَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ يُقَاسُ عَلَيهِ كُلُّ عِوَضٍ لازِمٍ يَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدٍ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مُقَابِلِ هَذَا العِوَضِ، أكَانَ مَالاً كَالبَيعِ أمْ مَنفَعَةً أمْ جُهْدًا كَالإِجَارَةِ، أمْ نِحْلةً كَمَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ. وَعَلَيهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ فِيهِ بِعِوَضِ المِثْلِ فِي حَالَةِ عَدَمِ تَسمِيَةِ العِوَضِ فِي العَقْدِ، أوِ الاختِلافِ عَلَى العِوَضِ المُسَمَّى، وَلِذَلِكَ يُحكَمُ بِأجْرِ المِثْلِ فِي الإِجَارَةِ، وَبِثَمَنِ المِثْلِ فِي البَيعِ، عِندَ عَدَمِ التَّسمِيَةِ عِندَ العِقْدِ، وَعِندَ الاختِلافِ فِي المُسَمَّى. وَعَلَى هَذَا يُحْكَمُ بِأجْرِ المِثْلِ عِندَ اختِلافِ الأجِيرِ وَالمُستَأجِرِ عَلَى الأجْرِ المُسَمَّى، وَعِندَ عَدَمِ تَسمِيَةِ الأجْرِ عِندَ العَقْدِ. فَإِذَا عُرِفَتِ الأُجرَةُ عِندَ العَقْدِ، يَكُونُ الأجْرُ حِينَئِذٍ أجْرًا مُسَمَّى. وَإِذَا لَمْ تُعرَفْ، أو اختُلِفَ عَلَى الأجْرِ المُسَمَّى، يَكُونُ الأجْرُ أجْرَ المِثْلِ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَالأُجرَةُ قِسمَانِ: أجْرٌ مُسَمَّى، وَأجْرُ المِثْلِ. أمَّا الأجْرُ المُسَمَّى فَيُشتَرَطُ فِي اعتِبَارِهِ رِضَا العَاقِدَينِ عَلَيهِ، فَإِذَا رَضِيَ العَاقِدَانِ بِأُجرَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَانَتْ هَذِهِ الأجْرَةُ هِيَ الأجْرُ المُسَمَّى، وَلا يُجبَرُ المُستَأجِرُ عَلَى دَفْعِ أكثَرَ مِنهَا، كَمَا لا يُجبَرُ الأجِيرُ عَلَى أخْذِ أقَلَّ مِنهَا، بَلْ هِيَ الأُجرَةُ الوَاجِبَةُ شَرْعًا. أمَّا أجْرُ المِثْلِ فَهُوَ أجْرُ مِثْلِ العَمَلِ، وَمِثْلُ العَامِلِ، إِذَا كَانَ عَقْدُ الإِجَارَةِ قَد وَرَدَ عَلَى مَنفَعَةِ العَمَلِ. وَيَكُونُ أجْرُ المِثْلِ أجْرَ مِثْلِ العَامِلِ فَقَط، إِذَا كَانَ عَقْدُ الإِجَارَةِ وَرَدَ عَلَى مَنفَعَةِ الشَّخْصِ. وَالَّذِي يُقَدِّرُ الأُجرَةَ إِنَّمَا هُمْ ذَوُو الخِبْرَةِ فِي تَعْيِينِ الأُجْرَةِ، وَلَيسَتِ الدَّولَةُ، وَلا عُرفُ أهْلِ البَلَدِ، بَلْ هُمُ الخُبَرَاءُ فِي أُجرَةِ العَمَلِ، المُرَادِ تَقدِيرُ أجْرَتِهِ، أو العَامِلِ المُرَادِ تَقدِيرُ أجْرَتِهِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
أولاً: تَعرِيفُ الإِجَارَةِ: هِيَ عَقْدٌ عَلَى المَنفَعَةِ بِعِوَضٍ.
ثانيًا: يُشتَرَطُ لانعِقَادِ الإِجَارَةِ الشُّرُوطُ الثَّلاثَةُ الآتِيَةُ:
1. أهلِيَّةُ العَاقِدَينِ بِأنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنهُمَا مُمَيِّزًا.
2. رِضَا العَاقِدَينِ.
3. أنْ تَكُونَ الأُجرَةُ مَعلُومَةً.
ثالثًا: إِذَا لَمْ تَكُنِ الأُجرَةُ مَعلُومَةً، انعَقَدَتِ الإِجَارَةُ وَصَحَّتْ.
رابعًا: عِندَ الاختِلافِ فِي مِقْدَارِ الأُجرَةِ يُرجَعُ إِلَى أجْرِ المِثْلِ قِيَاسًا عَلَى المَهْرِ.
خَامِسًا: إِذَا لَمْ يُسَمَّ الأجْرُ عِندَ عَقْدِ الإِجَارَةِ، أو اختَلَفَ الأجِيرُ وَالمُستَأجِرُ، فَإِنَّهُ يُرجَعُ إِلَى أجْرِ المِثْلِ.
سادسًا: الأُجرَةُ قِسمَانِ: أجْرٌ مُسَمَّى، وَأجْرُ المِثْلِ.
سابعًا: يُشتَرَطُ فِي اعتِبَارِ الأجْرِ المُسَمَّى رِضَا العَاقِدَينِ عَلَيهِ مَعَ مُلاحَظَةِ الأمرَينِ الآتِيَينِ:
1. إِذَا رَضِيَ العَاقِدَانِ بِأُجرَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَانَتْ هِيَ الأجْرُ المُسَمَّى, وهِيَ الأُجرَةُ الوَاجِبَةُ شَرْعًا.
2. لا يُجبَرُ المُستَأجِرُ عَلَى دَفْعِ أكثَرَ مِنهَا، كَمَا لا يُجبَرُ الأجِيرُ عَلَى أخْذِ أقَلَّ مِنهَا.
ثامنًا: أجْرُ المِثْلِ نَوعَانِ:
1. أجْرُ مِثْلِ العَمَلِ وَمِثْلِ العَامِلِ: إِذَا كَانَ عَقْدُ الإِجَارَةِ قَد وَرَدَ عَلَى مَنفَعَةِ العَمَلِ.
2. أجْرَ مِثْلِ العَامِلِ فَقَط: إِذَا كَانَ عَقْدُ الإِجَارَةِ وَرَدَ عَلَى مَنفَعَةِ الشَّخْصِ.
تاسعًا: يُقَدِّرُ الأُجرَةَ ذَوُو الخِبْرَةِ فِي تَعْيِينِ الأُجْرَةِ، وَلَيسَتِ الدَّولَةُ، وَلا عُرفُ أهْلِ البَلَدِ.
عاشرًا: الخُبَرَاءُ فِي أُجرَةِ العَمَلِ وَأُجرَةِ العَامِلِ المُرَادِ تَقدِيرُ أجْرَتِهِمَا هُمُ الَّذِينَ يُقَدِّرُونَ الأُجرَةَ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.