- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 66)
اختلاف الرأسماليين والشيوعيين في تقدير الأجرة
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّادِسَةِ وَالسِّتِينَ وَمَوضُوعُنَا اختِلافُ الرَّأسمَالِيِّينَ وَالشُّيُوعِيِّينَ فِي تَقدِيرِ الأُجْرَةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَفحَةِ الثَّامِنَةِ بَعدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
"وَقَدِ اختَلَفَ الرَّأسمَالِيُّونَ وَالشُّيُوعِيُّونَ فِي تَقدِيرِ الأُجرَةِ لِلأَجِيرِ اختِلافًا جَعَلَهُمَا مُتَبَايِنَينِ. فَالرَّأسمَالِيُّونَ يُعطُونَ العَامِلَ الأجْرَ الطَّبِيعِيَّ. وَالأجْرُ الطَّبِيعِيُّ عِندَهُمْ هُوَ مَا يَحتَاجُ إِلَيهِ العَامِلُ مِنْ أسْبَابِ المَعِيشَةِ عِندَ أدْنَى حَدِّهَا، وَيَزِيدُونَ هَذَا الأجْرَ إِذَا زَادَتْ تَكَالِيفُ المَعِيشَةِ عِندَ أدْنَى حَدِّهَا، وَيُنقِصُونَهُ إِذَا نَقَصَتْ. وَعَلَى ذَلِكَ فَأجْرُ العَامِلِ يُقَدَّرُ بَحَسَبِ تَكَالِيفِ المَعِيشَةِ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ المَنفَعَةِ الَّتِي أدَّاهَا جُهدُهُ لِلفَردِ وَالمُجتَمَعِ. وَأمَّا مَا يَأخُذُهُ العُمَّالُ فِي أورُوبَا وَأمرِيكَا مِنَ البُلدَانِ الرَّأسمَالِيَّةِ، فَإِنَّهُ تَعدِيلٌ لِلنِّظَامِ الرَّأسمَالِيِّ فِي إِعطَاءِ العَامِلِ حُقُوقًا تَزِيدُ عَمَّا لَهُ، وَعَمَّا تُعطِيهِ حُرِّيةُ المِلكِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِالرَّغْمِ مِنْ هَذَا التَّعدِيلِ، لا يَزَالُ مَا يَأخُذُهُ العَامِلُ هُوَ مِقدَارُ أدْنَى حَدٍّ مِنَ العَيشِ، الَّذِي يَستَطِيعُ أنْ يَعِيشَ بِهِ فِي مُستَوَى لا يَتَضَجَّرُ. وَلَيسَ هُوَ مِقدَارُ مَا يُنتِجُ مِنَ الصِّنَاعَةِ.
عَلَى أنَّ رَفْعَ مُستَوى المَعِيشَةِ فِي المُجتَمَعِ فِي أُورُوبَا وَأمرِيكَا، يَجعَلُ أدْنَى حَدٍّ يَأخُذُهُ مُمَكِّنًا لَهُ مِنْ أنْ يَكُونَ ظَاهِرًا بِالمَظهَرِ الطَّيِّبِ، وَلَكِنَّهُ لا يَأخُذُ مِقْدَارَ مَا يُنتِجُهُ. فَتَقدِيرُ أجْرِ العَامِلِ فِي أُورُوبَا وَأمرِيكَا، وَإِنْ كَانَ لا يَجْعَلُ العَامِلَ فَقِيرًا بِنِسبَتِنَا نَحْنُ، وَيَجعَلَهُ مُشبِعًا حَاجَاتِهِ الأسَاسِيَّةَ، وَبَعضَ حَاجَاتِهِ الكَمَالِيَّةَ، وَلَكِنَّهُ إِذَا قِيسَ فِي مُستَوَىَ مَعِيشَةِ الجَمَاعَةِ الَّتِي يَعِيشُ بَينَهَا هُوَ، يَكُونُ فِي مُستَوَىً مُنخَفِضٍ نِسبِيًّا، وَإِنْ كَانَ مُرتَفِعًا بِالنِّسبَةِ لَنَا. وَعَلَى أيِّ حَالٍ، فَإِنَّهُ بِالرَّغْمِ مِنْ رَفْعِ مُستَوَى مَعِيشَةِ العُمَّالِ فِي أُورُوبَا وَأمرِيكَا، فَإِنَّ تَقدِيرَ الأجْرِ هُنَاكَ، وَفِي كُلِّ البُلدَانِ الرَّأسمَالِيَّةِ، لا يَزَالُ هُوَ بِمِقْدَارِ أدْنَى حَدٍّ مِنَ العَيشِ بِالنِّسبَةِ لِمُجتَمَعِهِ. وَعَلَى أيِّ حَالٍ، فَإِنَّهُ مَا دَامَ التَّقدِيرُ هُوَ بِمَا يَحتَاجُ إِلَيهِ العَامِلُ مِنْ وَسَائِلِ المَعِيشَةِ عِندَ أدْنَى حَدِّهَا، فَإِنَّهُ سَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أنْ يَظَلَّ العُمَّالُ مَحدُودِي المِلْكِيَّةِ، بِحُدُودِ مَا يَحتَاجُونَهُ لِسَدِّ حَاجَاتِهِمْ عِندَ أدْنَى حَدِّهَا، بِالنِّسبَةِ لِلجَمَاعَةِ الَّتِي يَعِيشُونَ بَينَهَا سَوَاءٌ أكَانَتْ مَعِيشَتُهُمْ لِسَدِّ حَاجَاتِهِمُ الأسَاسِيَّةِ فَقَط، كَمَا هِيَ حَالُ العُمَّالِ فِي البُلدَانِ المُتَأَخِّرَةِ، كَالبِلادِ الإِسلامِيَّةِ، أمْ لِسَدِّ حَاجَاتِهِمُ الأسَاسِيَّةِ وَالكَمَالِيَّةِ، كَمَا هِيَ حَالُ العُمَّالِ فِي البُلدَانِ المُتَقَدِّمَةِ، كَأُورُوبَا وَأمرِيكَا. فَإِنَّ العَامِلَ فِيهَا جَمِيعِهَا مَحدُودُ المِلْكِيَّةِ بِحُدُودِ أدْنَى حَدٍّ لِمَعِيشَتِهِ بِالنِّسبَةِ لِلجَمَاعَةِ الَّتِي يَعِيشُ بَينَهَا، مَهْمَا اختَلَفَ مُستَوَى المَعِيشَةِ ارتِفَاعًا وَانخِفَاضًا، وَمَا دَامَ التَّقدِيرُ هُوَ بِمَا يَحتَاجُ إِلَيهِ العَامِلُ مِنْ أسْبَابِ المَعِيشَةِ عِندَ أدْنَى حَدِّهَا.
أمَّا الشُّيُوعِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يَرَونَ أنَّ العَمَلَ الَّذِي قَامَ بِهِ العَامِلُ، لَهُ الفَضْلُ الأوَّلُ فِي إِنتَاجِ السِّلْعَةِ، وَإِتمَامِ صُنعِهَا. وَأنَّ العَمَلَ، أوِ القُدرَةَ عَلَى العَمَلِ تَلعَبُ دَورًا أسَاسِيًّا فِي إِنتَاجِ السِّلعَةِ. وَعَلَى ذَلِكَ، فَالشُّيُوعِيَّةُ تَرَى أنَّ عَمَلَ العَامِلِ هُوَ الأسَاسُ فِي الإِنتَاجِ، فَيَكُونُ أجْرُ العَامِلِ هُوَ مَا يُنتِجُهُ، وَأنَّ جَمِيعَ نَفَقَاتِ الإِنتَاجِ تُرَدُّ إِلَى عُنصُرٍ وَاحِدٍ هُوَ العَمَلُ، وَهَذَا طَبعًا مُخَالِفٌ لِلوَاقِعِ. فَالوَاقِعُ المَحسُوسُ هُوَ أنَّ المَالَ الَّذِي خَلَقَهُ اللهُ فِي الكَونِ، هُوَ أسَاسُ قِيمَةِ السِّلْعَةِ، وَالنَّفَقَاتِ الَّتِي بُذِلَتْ فِي زِيَادَةِ المَنفَعَةِ لِهَذَا المَالِ، أو إِيجَادِ مَنفَعَةٍ فِيهِ مَعَ العَمَلِ، هِيَ الَّتِي جَعَلَتْهُ عَلَى الشَّكْلِ الَّذِي صَارَ إِلَيهِ، يُؤَدِّي مَنفَعَةً مُعَيَّنَةً. فَجَعْلُ العَمَلِ هُوَ الأسَاسُ خَطَأ مُخَالِفٌ لِلوَاقِعِ، وَجَعْلُ السِّلعَةِ المُنتَجَةِ أُجرَةً لِلعَامِلِ إِهْدَارٌ لِلمَادَّةِ الخَامِ، وَلِلنَّفَقَاتِ الَّتِي بُذِلَتْ، وَقَدْ يَكُونُ بَذَلَهَا عَامِلٌ آخَرُ أخَذَ أجْرَهَا.
فَالعَامِلُ الحَالِيُّ لَمْ يُنتِجِ السِّلْعَةَ، وَلا يَرِدُ إِنتَاجُهَا إِلَى عَمَلِهِ مُطلَقًا حَتَّى يُعطَى السِّلْعَةَ أجْرًا لَهُ. عَلَى أنَّهُ لَو فَرَضْنَا أنَّ المَقصُودَ جِنْسُ العَامِلِ، فَإِنَّهُ تَبقَى المَادَّةُ الخَامُ، وَهِيَ قَد خَلَقَهَا اللهُ، فَلا يَصِحُّ أنْ تُهدَرَ وَلا يُحسَبُ حِسَابُهَا. عَلَى أنَّ اعتِبَارِ العَامِلِ جِنْسًا فِي تَقدِيرِ الأُجرَةِ خَطَأً، لأَنَّ العُمَّالَ أفَرَادٌ مُعَيَّنُونَ، وَالأَجْرُ إِنَّمَا هُوَ لِهَؤُلاءِ الأفرَادِ، فَاعتِبَارُ جِنْسِ العَامِلِ لا يُؤَدِّي إِلَى تَقدِيرِ أجْرِ، وَإِنَّمَا يُؤَدِّيِ إِلَى إِلغَاءِ الأجْرِ، وَإِلغَاءِ المِلْكِيَّةِ، وَهَذَا يَتَنَاقَضُ مَعَ فِطْرَةِ الإِنسَانِ، وَهُوَ فِكْرٌ غَلَطٌ، وَلَيسَ لَهُ وَاقِعٌ مَحسُوسٌ. فَالوَاقِعُ المَحسُوسُ يَدُلُّ عَلَى أنَّ الإِنسَانَ يَندَفِعُ لإِشبَاعِ حَاجَاتِهِ بِنَفسِهِ، فَيَجعَلُهُ اندِفَاعُهُ هَذَا يَسعَى لِيَحُوزَهَا مِنَ الكَونِ، أو مِنْ إِنسَانٍ آخَرَ، أو بِإِضَافَةِ جُهْدٍ مِنهُ إِلَى مَا فِي الكَونِ، لِيُصبِحَ المَالُ صَالِحًا لإِشبَاعِ حَاجَاتِهِ. وَلِذَلِكَ كَانَتْ نَظَرِيَّةُ تَقدِيرِ الأجْرِ عِندَ الشًّيُوعِيِّينَ بِأنَّهُ السِّلْعَةَ الَّتِي أنتَجَهَا خَاطِئَةً، وَكَذَلِكَ كَانَ تَحدِيدُ الأجْرِ بِمَا أنتَجَهُ، نَاقِصًا المَادَّةَ الخَامَ، خَاطِئًا أيضًا، لأَنَّ الأدَوَاتِ الَّتِي استَعْمَلَهَا، وَالنَّفَقَاتِ الَّتِي بَذَلَهَا، قَدْ سَاهَمَتْ فِي تَكوِينِ السِّلْعَةِ، وَهِيَ لَيسَتْ جُزءًا مِنْ عَمَلِ العَامِلِ. وَإِذَا اعتُبِرَتْ جُزءًا مِنْ عَمَلِ العَامِلِ، عَلَى اعتِبَارِ أنَّ العَمَلَ جِنْسٌ، أدَّى ذَلِكَ إِلَى إِلغَاءِ الأُجرَةِ، وَهَذَا خَطأ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
اختَلَفَ الرَّأسمَالِيُّونَ وَالشُّيُوعِيُّونَ فِي تَقدِيرِ الأُجرَةِ لِلأَجِيرِ اختِلافًا مُتَبَايِنًا:
أولاً: الرَّأسمَالِيُّونَ يُعطُونَ العَامِلَ أجْرَهُ الطَّبِيعِيَّ أيْ مَا يَحتَاجُ إِلَيهِ مِنْ أسْبَابِ المَعِيشَةِ عِندَ أدْنَى حَدِّهَا.
1) الرَّأسمَالِيُّونَ يَزِيدُونَ الأجْرَ إِذَا زَادَتْ تَكَالِيفُ المَعِيشَةِ عِندَ أدْنَى حَدِّهَا، وَيُنقِصُونَهُ إِذَا نَقَصَتْ.
2) مَا يَأخُذُهُ العُمَّالُ فِي البُلدَانِ الرَّأسمَالِيَّةِ تَعدِيلٌ لِلنِّظَامِ فِي إِعطَاءِ العَامِلِ حُقُوقًا تَزِيدُ عَمَّا لَهُ.
3) بِالرَّغْمِ مِنْ التَّعدِيلِ لا يَزَالُ مَا يَأخُذُهُ العَامِلُ هُوَ مِقدَارُ أدْنَى حَدٍّ مِنَ العَيشِ.
ثانيًا: أمَّا الشُّيُوعِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يَرَونَ أنَّ العَامِلَ لَهُ الفَضْلُ الأوَّلُ فِي إِنتَاجِ السِّلْعَةِ، وَإِتمَامِ صُنعِهَا.
1) الشُّيُوعِيَّةُ تَرَى أنَّ عَمَلَ العَامِلِ هُوَ الأسَاسُ فِي الإِنتَاجِ، فَيَكُونُ أجْرُ العَامِلِ هُوَ مَا يُنتِجُهُ.
2) الشُّيُوعِيَّةُ تَرَى أنَّ جَمِيعَ نَفَقَاتِ الإِنتَاجِ تُرَدُّ إِلَى عُنصُرٍ وَاحِدٍ هُوَ العَمَلُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلوَاقِعِ.
3) فِي الوَاقِعِ المَحسُوسِنَرَى أنَّ العَنَاصِرَ الأربَعَةَ الآتِيَةَ جَعَلَتِالإِنتَاجَيُؤَدِّي مَنفَعَةً مُعَيَّنَةً.
- أوَّلاً: المَالُ الَّذِي خَلَقَهُ اللهُ فِي الكَونِ هُوَ أسَاسُ قِيمَةِ السِّلْعَةِ.
- ثَانِيًا: النَّفَقَاتُ الَّتِي بُذِلَتْ فِي زِيَادَةِ المَنفَعَةِ لِهَذَا المَالِ أو إِيجَادِ مَنفَعَةٍ فِيهِ.
- ثَالِثًا: العَمَلُ وَالجُهدُ الَّذِي بَذَلَهُ العَامِلُ في إنتاج السلعة.
- رابعًا: الأدَوَاتِ الَّتِي استَعْمَلَهَا العَامِلُ.
ثالثًا: جَعْلُ العَمَلِ هُوَ الأسَاسُ خَطَأ مُخَالِفٌ لِلوَاقِعِ.
رابعًا: جَعْلُ السِّلعَةِ المُنتَجَةِ أُجرَةً لِلعَامِلِ إِهْدَارٌ لِلمَادَّةِ الخَامِ، وَلِلنَّفَقَاتِ الَّتِي بُذِلَتْ.
خامسًا: اعتِبَارُ جِنْسِ العَامِلِ لا يُؤَدِّي إِلَى تَقدِيرِ أجْرِ وَإِنَّمَا إِلَى إِلغَاءِ الأجْرِ وَإِلغَاءِ المِلْكِيَّةِ يَتَنَاقَضُ مَعَ فِطْرَةِ الإِنسَانِ، وَهُوَ فِكْر غلط، وَلَيسَ لَهُ وَاقِعٌ مَحسُوسٌ.
سادسًا: الوَاقِعُ المَحسُوسُ يَدُلُّ عَلَى أنَّ الإِنسَانَ يَندَفِعُ لإِشبَاعِ حَاجَاتِهِ بِنَفسِهِ، فَيَجعَلُهُ اندِفَاعُهُ هَذَا يَسعَى لِيَحُوزَهَا مِنَ الكَونِ، أو مِنْ إِنسَانٍ آخَرَ، أو بِإِضَافَةِ جُهْدٍ مِنهُ إِلَى مَا فِي الكَونِ، لِيُصبِحَ المَالُ صَالِحًا لإِشبَاعِ حَاجَاتِهِ.
سابعًا: نَظَرِيَّةُ تَقدِيرِ الأجْرِ عِندَ الشًّيُوعِيِّينَ بِأنَّهُ السِّلْعَةَ الَّتِي أنتَجَهَا هِيَ نَظَرِيَّةٌ خَاطِئَةً.
ثامنًا: تَحدِيدُأجْرِ العَامِلِ بِمَا أنتَجَهُ نَاقِصًا المَادَّةَ الخَامَ خَاطِئًا أيضًا، لأَنَّ الأدَوَاتِ الَّتِي استَعْمَلَهَا، وَالنَّفَقَاتِ الَّتِي بَذَلَهَا، قَدْ سَاهَمَتْ فِي تَكوِينِ السِّلْعَةِ، وَهِيَ لَيسَتْ جُزءًا مِنْ عَمَلِ العَامِلِ.
تاسعًا: إِذَا اعتُبِرَتْ المَادَّةَ الخَامَ والأدَوَاتِ جُزءًا مِنْ عَمَلِ العَامِلِأدَّى ذَلِكَ إِلَى إِلغَاءِ الأُجرَةِ، وَهَذَا خَطأ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ المَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.