- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي - ح 124
ليس الربا ضرورة من ضرورات الحياة
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الرابعة والعشرين بعد المائة, وعنوانها: "ليس الربا ضرورة من ضرورات الحياة". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الحادية والتسعين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: "غير أنه قد يتبادر للذهن أن صاحب المال محتفظ بماله، وقد لا يسخو بإقراض المحتاج لقضاء حاجته. وهذه الحاجة تلح على صاحبها، فلا بد من وسيلة لسد هذه الحاجة. على أن الحاجة اليوم تعددت، وتنوعت، وصار الربا قوام التجارة، والزراعة، والصناعة. ولذلك وجدت المصارف (البنوك) للتعامل بالربا ولا وسيلة غيرها كما لا وسيلة بغير المرابين لسد الحاجات.
والجواب على ذلك، أننا نتحدث عن المجتمع الذي يطبق فيه الإسلام جميعه، ومنه الناحية الاقتصادية، لا عن المجتمع بوضعه الحاضر؛ لأن هذا المجتمع بوضعه الحاضر يعيش على النظام الرأسمالي، ولذلك برز فيه كون المصرف (البنك) من ضرورات الحياة. فصاحب المال الذي يرى نفسه حرا في ملكه، والذي يرى أن له حرية الاستغلال بالغش، والاحتكار، والقمار، والربا، وغير ذلك، دون رقابة من دولة، أو تقيد بقانون، لا شك في أن مثل هذا يري أن الربا والمصرف ضرورة من ضرورات الحياة.
ولذلك وجب أن يغير النظام الاقتصادي الحالي برمته، وأن يوضع مكانه - وضعا انقلابيا شاملا- النظام الإسلامي للاقتصاد. فإذا أزيل هذا النظام، وطبق النظام الإسلامي، برز للناس أن المجتمع الذي يطبق الإسلام لا تظهر فيه الضرورة إلى الربا؛ لأن المحتاج إلى الاستقراض، إما أن يحتاجه لأجل العيش، أو يحتاجه لأجل الزراعة. أما الحاجة الأولى، فقد سدها الإسلام بضمان العيش لكل فرد من أفراد الرعية. وأما الحاجة الثانية، فقد سدها الإسلام بإقراض المحتاج دون ربا، فقد روى ابن حبان وابن ماجه عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة".
وإقراض المحتاج مندوب، ولا يكره الاستقراض، بل يندب أيضا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستقرض. وما دام الاستقراض موجودا، وهو مندوب للمقرض والمستقرض، فقد برز للناس أن الربا ضرر من أشد الأضرار على الحياة الاقتصادية، بل برز للعيان أن الضرورة تقضي باستبعاد الربا، وإيجاد الحوائل الكثيفة بينه وبين المجتمع، بالتشريع، والتوجيه، وفق نظام الإسلام.
وإذا عدم الربا لم تبق حاجة للمصارف (البنوك) الموجودة الآن. ويبقى بيت المال وحده يقوم بإقراض المال بلا فائدة، بعد التحقق من إمكانية الانتفاع بالمال. وقد أعطى عمر بن الخطاب من بيت المال للفلاحين في العراق أموالا لاستغلال أرضهم. والحكم الشرعي أن يعطى الفلاحون من بيت المال ما يتمكنون به من استغلال أراضيهم إلى أن تخرج الغلال، وعن الإمام أبي يوسف "ويعطى للعاجز كفايته من بيت المال قرضا ليعمل فيها" أي الأرض. وكما يقرض بيت المال الفلاحين للزراعة، يقرض من هم مثلهم ممن يقومون بالأعمال الفردية، التي يحتاجون إليها لكفاية أنفسهم. وإنما أعطى عمر الفلاحين؛ لأنهم في حاجة لكفاية أنفسهم في العيش، فأعطوا لهذه الكفاية، ولذلك لا يعطى الفلاحون الأغنياء من بيت المال شيئا لزيادة إنتاجهم. ويقاس على الفلاحين من هم مثلهم، فيما هم في حاجة إليه، لكفاية أنفسهم في العيش، فقد "أعطى الرسول رجلا حبلا وفأسا ليحتطب من أجل أن يأكل".
على أن ترك الربا لا يتوقف على وجود المجتمع الإسلامي، أو وجود الدولة الإسلامية أو وجود من يقرض المال، بل الربا حرام ويجب تركه سواء أوجدت دولة إسلامية أم لم توجد، ووجد مجتمع إسلامي أم لم يوجد، ووجد من يقرض المال أم لم يوجد".
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
1. قد يتبادر للذهن أن المصارف وجدت للتعامل بالربا, ولا وسيلة غيرها لسد الحاجات.
2. الجواب على أن الربا ليس ضرورة من ضرورات الحياة كالآتي:
1- المجتمع الذي يطبق فيه الإسلام جميعه، ومنه الناحية الاقتصادية فيه وسائل عدة لسد الحاجات.
2- المجتمع بوضعه الحاضر يعيش على النظام الرأسمالي برز فيه كون المصرف من ضرورات الحياة.
3- صاحب المال الذي يرى نفسه حرا في ملكه يرى الربا والمصرف ضرورة من ضرورات الحياة.
4- وجب أن يغير النظام الاقتصادي الحالي برمته، وأن يوضع مكانه النظام الإسلامي للاقتصاد.
5- إذا أزيل النظام الرأسمالي، وطبق النظام الإسلامي، برز للناس أن المجتمع ليس مضطرا إلى الربا.
3. عالج النظام الاقتصادي في الإسلام سد الحاجات عند الأفراد بالأحكام الشرعية كالآتي:
1- المحتاج إلى الاستقراض، إما أن يحتاجه لأجل العيش، أو يحتاجه لأجل الزراعة.
2- الحاجة الأولى لأجل العيش سدها الإسلام بضمان العيش لكل فرد من أفراد الرعية.
3- الحاجة الثانية لأجل الزراعة سدها الإسلام بإقراض المحتاج دون ربا.
4- إقراض المحتاج دون ربا مندوب يثاب فاعله.
5- لا يكره الاستقراض، بل يندب أيضا. فالإقراض مندوب للمقرض والمستقرض.
6- كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستقرض, وفعله دليل شرعي.
7- بيت المال وحده يقوم بإقراض المال بلا فائدة، بعد التحقق من إمكانية الانتفاع بالمال.
4. الربا ضرر من أشد الأضرار على الحياة الاقتصادية.
5. الضرورة تقضي باستبعاد الربا، وإيجاد الحوائل الكثيفة بينه وبين المجتمع.
6. يحال بين الربا والمجتمع بالتشريع، والتوجيه، وفق نظام الإسلام.
7. إذا عدم الربا لم تبق حاجة للمصارف (البنوك) الموجودة الآن.
8. أعطى عمر بن الخطاب من بيت المال للفلاحين في العراق أموالا لاستغلال أرضهم.
9.. الحكم الشرعي أن يعطى الفلاحون من بيت المال ما يتمكنون به من استغلال أراضيهم.
10. لا يعطى الفلاحون الأغنياء من بيت المال شيئا لزيادة إنتاجهم.
11. ترك الربا لا يتوقف على وجود المجتمع الإسلامي، أو وجود الدولة الإسلامية أو وجود من يقرض المال.
12. الربا حرام ويجب تركه سواء أوجدت دولة إسلامية أم لم توجد، ووجد مجتمع إسلامي أم لم يوجد، ووجد من يقرض المال أم لم يوجد.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.