الخميس، 03 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 93)  اجتهاد عمر في مسألة منع تقسيم الأرض الخراجية (ج2)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 


إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 93)

اجتهاد عمر في مسألة منع تقسيم الأرض الخراجية (ج2)

 

 

الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.


أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الثانية والتسعين, وعنوانها: "اجتهاد عمر في مسألة منع تقسيم الأراضي الخراجية". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة التاسعة والعشرين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.


يقول رحمه الله: "وعلى هذا، فإن رقبة الأرض، في جميع البلاد التي افتتحها الإسلام عنوة، أو صلحا على أن الأرض لنا، تكون ملكا للدولة، وتعتبر أرضا خراجية، سواء أكانت لا تزال تحت يد الأمة الإسلامية، كمصر، والعراق، وتركيا، أم أصبحت تحت يد الكفار، كإسبانيا، وأوكرانيا، والقرم، وألبانيا، والهند، ويوغسلافيا ونحوها".


ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: جاء في كتاب "فضائل الصحابة" لأحمد بن حنبل: "حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت نافعا مولى عبد الله بن عمر يقول: أصاب الناس فتحا بالشام، فيهم بلال، وأظنه ذكر معاذ بن جبل، فكتبوا إلى عمر بن الخطاب:


إن هذا الفيء الذي أصبنا لك خمسه، ولنا ما بقي ليس لأحد فيه شيء، كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين، فكتب عمر: إنه ليس على ما قلتم، ولكني أقفها للمسلمين، فراجعوه الكتاب، وراجعهم، يأبون ويأبى، فلما أبوا قام عمر فدعا عليهم فقال: "اللهم اكفني بلالا وأصحاب بلال، فما حال الحول عليهم حتى ماتوا جميعا رضي الله عنهم".


ومعنى قوله: "فراجعوه الكتاب وراجعهم" أي بحث كل منهم في القرآن الكريم ليجد الدليل الشرعي الذي يؤيد رأيه الذي ذهب إليه في توزيع الأراضي على الفاتحين. ومعنى قوله: "يأبون ويأبى" أي ظل كل منهم متمسكا برأيه, ومكثوا في ذلك يومين أو ثلاثة, ثم هدى الله عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الحكم الشرعي الصحيح, وإلى الحجة القوية الساطعة الدامغة!


وقد كانت حجة عمر في ذلك أن قوله تعالى: (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب). (الحشر 6) الآية فإن الله قد قال: (فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل). (الحشر 7) ثم قال: (للفقراء المهاجرين). (الحشر 8). ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم. فقال: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم). (الحشر9) فهذه للأنصار خاصة، ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم فقال: (والذين جاءوا من بعدهم). (الحشر10) فكانت هذه عامة لمن جاء بعدهم، فقد صار الفيء بين هؤلاء جميعا.


فهذا دليل عمر على أن الأرض التي لم يسلم أهلها عليها وتفتح تكون ملكا لجميع المسلمين إلى يوم القيامة. والإمام يملك منفعتها للناس. وقد استشار المسلمين فاختلفوا، فأرسل إلى عشرة من الأنصار، خمسة من الأوس وخمسة من الخزرج، من كبرائهم وأشرافهم.


وكان مما قاله لهم: "وقد رأيت أن أحبس أرضين بعلوجها، وأضع فيها الخراج، وفي رقابهم الجزية يؤدونها، فتكون فيئا للمسلمين المقاتلة والذرية من بعدهم. أرأيتم هذه الثغور؟ لا بد لها من رجال يلزمونها، أرأيتم هذه المدن العظام كالشام والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر؟ لا بد لها أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء لهم. فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرضون والعلوج؟" رواه أبو يوسف في كتاب الخراج، فقالوا جميعا: الرأي رأيك، فنعم ما قلت وما رأيت!.


فاستشهاد عمر بالآية، وبعلة إبقاء الأرض بأنها غلة دائمة لبيت المال، استشهاد بدليل قوي، ولذلك كانت الأرض التي تفتح فتحا أرضا خراجية، تبقى رقبتها ملكا لبيت المال، وينتفع أهلها بها. وهذا هو حكم الأرض، سواء أفتحت عنوة كأرض العراق، أم فتحت صلحا كمدينة بيت المقدس.


إن رفض عمر بن الخطاب رضي الله عنه تقسيم أرض سواد العراق المفتوحة على الفاتحين كان اجتهادا صائبا منه بني على بعد نظر؛ لتكون تلك الأراضي وقفا للأجيال القادمة, يتوارثونها جيلا بعد جيل, ولو لم يفعل لما بقي لمن يأتي بعدهم شيء, وحتى لا يتجمع المال في أيدي فئة من المسلمين دون غيرهم.


وإذا أردنا أن نناقش موقف عمر رضي الله عنه نرى أن التوفيق حالفه بلا شك, وهذا ما ذهب إليه الإمام أبو يوسف من أن السياسة العمرية التي أيدها فقهاء الصحابة مثل علي ومعاذ كانت توفيقا من الله لعمر, وقد أدت إلى تحقيق العدل الذي دعا إليه الإسلام.


وملخص هذه السياسة نقل ملكية رقبة الأرض المفتوحة عنوة من الأفراد المالكين إلى مجموع أفراد الأمة الإسلامية كلها في سائر الأجيال, فليس ملكها لشخص أو لأشخاص, بل هي للمسلمين جميعا, وذلك لما لملكية الأرض من أهمية اقتصادية وسياسية واجتماعية.


وقد عبر الفقهاء عن حكم الإسلام فيها بأن تصير وقفا للمسلمين, يضرب عليها خراج معلوم, يؤخذ منها كل عام, ويقدر حسب طاقة الأرض يكون أجرة لها, وتقر في أيدي أربابها ما داموا يؤدون خراجها, سواء أكانوا مسلمين أم من أهل الذمة, ولا يسقط خراجها بإسلام أربابها, ولا بانتقالها إلى مسلم؛ لأنه بمنزلة أجرتها.

 

وهذا ما صنعه عمر رضي الله عنه, وقد كان لقراره هذا الآثار الإيجابية الآتية:


1. القضاء نهائيا على نظام الإقطاع: فقد ألغى عمر رضي الله عنه كل الأوضاع الإقطاعية الظالمة التي احتكرت كل الأرض لصالحها, واستعبدت الفلاحين لزراعتها مجانا, فقد ترك عمر أرض السواد في أيدي فلاحيها يزرعونها مقابل خراج عادل يطيقونه يدفعونه كل عام, وقد اغتبط الفلاحون بقرار عمر رضي الله عنه.


2. قطع الطريق على جيوش الروم والفرس بعد طردهم: لقد أدت سياسة عمر في تمليك منفعة الأرض المفتوحة عنوة لفلاحي الأمصار إلى شعورهم بالرضا التام, مما جعلهم يبغضون حكامهم من الفرس والروم, ولا يقدمون لهم أية مساعدات, بل كانوا على العكس من ذلك يقدمون المساعدات للمسلمين ضدهم.


3. مسارعة أهل الأمصار المفتوحة إلى الدخول في الإسلام: فقد ترتب على ما تقدم من تمليك منفعة الأرض للفلاحين أن سارعوا إلى الدخول في الإسلام الذي انتشر بينهم بسرعة مدهشة لم يسبق لها مثيل, فقد لمسوا العدل وتبين لهم الحق, وأحسوا بكرامتهم الإنسانية من معاملة المسلمين لهم.


4. تدبير الأموال لحماية الثغور: وقد اتخذ عمر رضي الله عنه أكثر من ثلاثين ألف فارس من المرابطين. هذا بخلاف قوات المشاة, وقوات أخرى كالجمالة. وهذه خصصها كجيش منظم لحماية الثغور, وكفل لهم أرزاقهم وصرفهم عن الاشتغال بأي شيء عدا الجهاد في سبيل نشر دعوة الإسلام.


وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأحكام الشرعية المتعلقة بالأراضي الخراجية والعشرية التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:


1. رفض عمر بن الخطاب تقسيم أرض سواد العراق؛ لتكون وقفا للأجيال القادمة, يتوارثونها جيلا بعد جيل, وحتى لا يتجمع المال في أيدي فئة من المسلمين دون غيرهم.
2. قرار عمر بتمليك منفعة الأرض للفلاحين كان له الآثار الإيجابية الآتية:


1) القضاء نهائيا على نظام الإقطاع.
2) قطع الطريق على جيوش الروم والفرس بعد طردهم.
3) مسارعة أهل الأمصار المفتوحة إلى الدخول في الإسلام.
4) تدبير الأموال لحماية الثغور.


أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, وللحديث بقية, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع