الخميس، 03 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي

(ح 95)

 

إحياء الموات من الأرض

 

الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.

 

أيها المؤمنون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الخامسة والتسعين, وعنوانها: "إحياء الموات من الأرض". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثانية والثلاثين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني. يقول رحمه الله:

 

إحياء الموات:

 

موات الأرض: هي الأرض التي لم يظهر عليها أنه جرى عليها ملك أحد، فردا كان أو دولة، فلم يظهر فيها تأثير شيء، من إحاطة أو زرع، أو عمارة، أو نحو ذلك. وإحياؤها هو إعمارها، أي جعلها صالحة للزراعة في الحال. فكل أرض موات إذا أحياها إنسان أصبحت ملكا له. فالشرع يملكها من يحييها، لما روى البخاري عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق". وقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحاط حائطا على أرض فهي له" وروى البخاري عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" ويكون المسلم والذمي سواء، لإطلاق الحديث. والإحياء غير الإقطاع. والفرق بينهما هو أن الإحياء يتعلق بموات الأرض، التي لم يظهر عليها أنه جرى عليها ملك أحد، فردا كان أو دولة، فلم يظهر فيها تأثير شيء من إحاطة أو زرع أو عمارة أو نحو ذلك. وإحياء هذه الأرض هو عمارتها بأي شيء يدل على العمارة".

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: روى البيهقي في السنن الكبرى قال: "أخبرنا أبو سعيد بن أبى عمرو حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا يونس عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبى بكر قال: "جاء بلال بن الحارث المزني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه أرضا فقطعها له طويلة عريضة. فلما ولي عمر قال له: يا بلال، إنك استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا طويلة عريضة قطعها لك, وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليمنع شيئا يسأله, وإنك لا تطيق ما في يديك. فقال: أجل، قال: فانظر ما قويت عليه منها فأمسكه, وما لم تطق فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين. فقال: لا أفعل والله, شيء أقطعنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: والله لتفعلن, فأخذ منه ما عجز عن عمارته, فقسمه بين المسلمين".

 

إن الأرض كنز يختلف عن غيره من الأموال والأملاك, فهي تحتوي على مزايا ليست في كثير من الممتلكات فهي محل للزراعة, ولاستخراج ما في باطنها من كنوز ومعادن, ومحل لإقامة الأبنية عليها لمختلف الأغراض: تجارية كانت كإقامة المباني التجارية والصناعية والمخازن أو شخصية كالمباني السكنية أو مرافق جماعية كالمباني الحكومية الخدماتية من مستشفيات ومدارس ودوائر. فالأرض إذن لا يجوز أن تهجر أو تترك من غير استخدام لما في إهمالها من خسارة وضياع للمنافع الضرورية لحياة الناس, ومن هنا فإن الشرع أكد على ضرورة استغلال الأرض حين شرع تملكها بالمبادلة أو الإرث أو الإحياء أو الإقطاع, بل لقد أكد على ضرورة استغلالها للزراعة خاصة ولسائر الاستخدامات المباحة على وجه العموم حين أعطى الدولة الحق في وضع يدها على الأرض التي يهملها صاحبها فيعطلها سنوات ثلات متتالية, لتعطيها لمن يريد زراعتها واستغلالها.

 

وفي الحديث إشارة إلى هذا التأكيد, فبلال قد طلب من الرسول أرضا واسعة, وقد أقطعه الرسول صلى الله عليه وسلم إياها, لكنها كانت أكبر من أن يستطيع زراعتها كلها, فتركها دون زراعة أو عمارة, لكن ولي الأمر خليفة المسلمين, الذي كلفه الله برعاية مصالح المسلمين بتطبيق أحكام الله عليهم, قد انتبه إلى حقيقة أن بلالا أخذ أرضا وعطلها بتركه إياها دون إعمار, وأدرك أن في هذا الإهمال والتعطيل ضياعا لمصالح الناس فأجبر بلالا على التخلي عن المساحة من الأرض التي لا يستطيع إعمارها, وأبقى له منها ما يطيقه أي ما في طاقته إعماره وزراعته. ولقد كان ذلك على مرأى من الصحابة رضوان الله عليهم فكان إجماعا منهم على أن من عطل أرضا فقد حقه في ملكيتها.

 

وهذا عام في كل أرض, وليس خاصا في الأرض المقطعة أو المحياة, بل هو فيها وفي غيرها من الأراضي الموروثة أو المتبادلة ما دامت زراعية. وعندنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه". فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لم يحدد نوع الأرض أو طريقة تملكها, بل جعل التعبير عاما في كل أرض مهما كانت طريقة تملكها: إحياء أو إقطاعا أو مبادلة أو إرثا. وإجماع الصحابة على الرضا بعمل عمر في الحديث الذي رواه البيهقي بين أن من عطل أرضا مقطعة له من قبل الدولة فللدولة أن تستردها وتقطعها لغيره.

 

ومن هذا الحديث نفهم الحكمة من مشروعية الإحياء والإقطاع. إنها من أجل العمل واستغلال الأرض وليس للمكاثرة في المساحات المملوكة. فمن أعطى الأرض حقها من العمل والاستثمار استمر تملكه لها, ومن عطلها إهمالا أو لعدم قدرته على استغلالها فقد حقه في ملكيتها إن استمر إهماله أو تعطيله لها ثلاث سنين متتاليات, وصار لغيره الحق في أخذها واستغلالها, أما إن كانت تلك الأرض إقطاعا من الدولة فقد صار للدولة الحق في استرجاعها وإقطاعها لغيره لزراعتها.

 

ومن الجدير ذكره أن العمل في الأرض ليس بالضرورة أن يقوم به مالك الأرض بنفسه, بل له أن يعمل بها بنفسه, وينفق عليها من أمواله, كما له أن يستأجر عمالا للعمل فيها, ويدفع لهم أجورا, ينفق من ماله أجرة للعمال وأثمان البذور والآلات المستخدمة فيها, فإن عجز عن النفقة أعانته الدولة في النفقات. لكن إن لم يرغب في زراعتها فإن عليه منحها لغيره ليزرعها دون مقابل؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إجارة الأرض للزراعة.

 

وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:

 

1.       موات الأرض: هي الأرض التي لم يظهر عليها أنه جرى عليها ملك أحد، فردا كان أو دولة.

2.       كل أرض موات إذا أحياها إنسان أصبحت ملكا له. المسلم والذمي في ذلك سواء.

3.       "من أحيا أرضا ميتة فهي له" لفظة "من" في الحديث مطلقة تفيد العموم تشمل المسلم والذمي.

4.       إحياء الأرض: هو عمارتها بأي شيء يدل على العمارة.

5.       ليس بالضرورة أن يعمل مالك الأرض بنفسه, بل له أن يعمل فيها, وله أن يستأجر عمالا.

6.       من أعطى الأرض حقها من العمل والاستثمار استمر تملكه لها.

7.       أكد الشرع على ضرورة استغلال الأرض للزراعة خاصة, ولسائر الاستخدامات المباحة.

8.       أجمع الصحابة على أن من عطل أرضا فقد حقه في ملكيتها.

9.       من عطل أرضا مقطعة له من قبل الدولة فللدولة أن تستردها وتقطعها لغيره.

 

أيها المؤمنون:

 

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, وللحديث بقية, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

 

 

آخر تعديل علىالثلاثاء, 30 حزيران/يونيو 2020

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع