- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
اجتماع الجنرالات في العلمين: صراع النفوذ على حساب دماء الأمة
الخبر:
في الثلاثين من حزيران/يونيو 2025، استقبل عبد الفتاح السيسي، رئيس النظام المصري، قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد ما يُسمى بالجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، برفقة ابنيه خالد وصدام، في مدينة العلمين الجديدة. وقد جاء هذا اللقاء في محاولة لاحتواء أزمة المثلث الحدودي بين ليبيا والسودان وتشاد، التي تشهد تصعيداً خطيراً بفعل الصراع بين الجيش السوداني بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والذي بات يقترب من الحدود المصرية.
التعليق:
خوف السيسي من توسع رقعة هذا الصراع، خاصة بعد اتهام البرهان لحفتر بدعم قوات حميدتي، كان المحرك الأساسي لهذا الاجتماع. ويبدو أن السيسي تعمد استبعاد حميدتي من اللقاء رغم أنه طرف أساسي في النزاع، في إشارة واضحة إلى رغبته في إبقاء الحوار داخل دائرة الجنرالات التقليديين، وتهميش القوى العسكرية غير النظامية التي لا تخضع للتراتبية الرسمية المعهودة في الجيوش.
ويبدو أن هناك تفاهماً مبدئياً بين السيسي والبرهان وحفتر على ضرورة تحييد حميدتي، وربما اعتبار وجوده تهديداً يجب إنهاؤه. ورغم أن السيسي التقى كلاً من البرهان وحفتر بشكل منفصل، إلا أن الطرفين اجتمعا وجهاً لوجه خلال اللقاء، حيث كرر البرهان اتهاماته لحفتر بدعم حميدتي، بينما نفى حفتر ذلك بشكل قاطع، وهو ما دفع البرهان للتأكيد بأنه يمتلك أدلة تدين حفتر أو المحيطين به، ومن هذه الأدلة:
-
تقارير الأمم المتحدة التي تؤكد وجود شبكة إمداد عسكري تخدم قوات الدعم السريع، تمر عبر ليبيا وتشاد وجنوب السودان.
-
السماح بنقل أسلحة من ليبيا إلى السودان بواسطة مرتزقة فاغنر الروس، وهو ما يشير إلى تورط حفتر.
-
الدعم الإماراتي السابق لكل من حميدتي وحفتر، ما يؤكد وجود شبكة مصالح إماراتية تستغل الساحة الليبية لدعم قوات حميدتي.
-
اتفاق حفتر مع رئيس تشاد على تمرير شحنات أسلحة عبر الأراضي التشادية بعد تشديد الحظر الجوي على المطارات الليبية.
وبالنظر إلى هذه المعطيات، يبدو أن اتهامات البرهان ليست عبثية، وحتى إن لم يكن حفتر شخصياً ضالعاً في الدعم، فمن المرجح أن أبناءه وعلى رأسهم صدام، هو من نسق هذه العمليات، خاصة في ظل النفوذ المتزايد له في الجنوب الليبي.
وعلى الرغم من أن للثلاثة مصالح مشتركة، فهم جميعاً يعتمدون على الحكم العسكري ويخشون من انهيار أنظمتهم:
-
فالسيسي يسعى لتأمين الحدود ومنع تسلل السلاح إلى الداخل المصري
-
والبرهان يريد قطع خطوط الإمداد عن حميدتي عبر ليبيا
-
وحفتر يحاول توسيع سيطرته على الجنوب الليبي الغني بالثروات
إلا أن الاجتماع انتهى دون التوصل لأي اتفاق حقيقي، بل على العكس، زادت حدة التوترات، حيث تبادل البرهان وحفتر الاتهامات، وتمسك كل طرف بموقفه.
ومع فشل هذا الاجتماع، من المرجح أن تتحول منطقة المثلث الحدودي إلى ساحة صراع ثلاثي (سوداني، ليبي، مصري)، مع استغلال حميدتي لحالة الفوضى لإعادة ترتيب صفوفه. ويبقى الواقع المؤلم على حاله؛ كل طرف يتحرك وفق حسابات مصلحته الشخصية، دون اعتبار لما تجره هذه الصراعات من دمار يدفع ثمنه أبناء الأمة من دمائهم وثرواتهم التي باتت غنيمة يتقاسمها الغرب المستعمر.
وحتى لو أُبرم اتفاق بين السيسي والبرهان وحفتر، فذلك لن يكون نهاية سارة، بل تتويجاً لهذه الكارثة. فالاتفاق يعني تثبيت الجنرالات عملاء أمريكا كأوصياء على الأمة، وتكريس النموذج العسكري الاستبدادي باعتباره الشكل الطبيعي للحكم، ما يمنح أمريكا مزيداً من السيطرة عبر أدواتها المحلية.
ولا عجب في ذلك، فحفتر هو رجل أمريكا، عاش في كنفها ثلاثين عاماً، وعاد إلى ليبيا بأمر منها لينفذ أجنداتها، مستعيناً بأذرعها الإقليمية ومن التصقوا بها كالإمارات وتركيا ومصر. أما البرهان، فقد أثبت فساده وتورطه في شبكات تهريب الذهب والنحاس، متفوقاً على من سبقه. كلا الرجلين، ومن يسير في ركابهما، هم مجرد أدوات رخيصة في يد أمريكا التي لا تريد لهذه الأمة أن تنهض. وصدق رسول الله ﷺ حين قال: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ».
إن كل الطرق التي تُدار اليوم تقود إلى نتيجة واحدة: تثبيت النفوذ الغربي في بلاد المسلمين، ولا فرق بينهم إلا فيمن يختاره الغرب ليكون وكيلاً له.
فالدول القائمة في بلاد المسلمين اليوم وحدودها وأنظمتها، كلها من صنع المستعمر، وكلها أدوات لخدمته. وإن الحل الحقيقي، بل الوحيد هو عودة الإسلام إلى الحكم في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تُوحّد الأمة، وتطرد المستعمر، وتعيد السيادة للشرع، والكرامة للأمة.
وما من جماعة تعمل لهذا الهدف الجليل على بصيرة من أمرها، وتسير على طريقة رسول الله ﷺ، إلا حزب التحرير، الذي يحمل مشروع الخلافة بفهمٍ سياسي وشرعي دقيق، ويضعه بين يدي الأمة. فعلى الأمة أن تلتف حوله، وتعمل معه، حتى تعود راية الإسلام ترفرف خفاقة فوق ربوع الأرض من جديد.
﴿وَيَوْمَئذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ * يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الرحمن شاكر – ولاية مصر