- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر:
أعلن الرئيس الغامبي يحيى جامع في خطاب نقله القصر الرئاسي يوم 2015/12/11 أن بلاده باتت جمهورية إسلامية وأن هذه الخطوة تأتي لتخليص البلاد من الحقبة الاستعمارية، وقال وهو يحمل المصحف "تمشيا مع الهوية والقيم الدينية للبلاد أعلن غامبيا دولة إسلامية". (الجزيرة – رويترز).
ماذا بعد إعلان غامبيا جمهورية إسلامية؟
الخبر:
أعلن الرئيس الغامبي يحيى جامع في خطاب نقله القصر الرئاسي يوم 2015/12/11 أن بلاده باتت جمهورية إسلامية وأن هذه الخطوة تأتي لتخليص البلاد من الحقبة الاستعمارية، وقال وهو يحمل المصحف "تمشيا مع الهوية والقيم الدينية للبلاد أعلن غامبيا دولة إسلامية". (الجزيرة – رويترز).
التعليق:
انضمت غامبيا بهذا التصريح الرئاسي لمن سبقها من دول اتخذت المسمى الإسلامي تماشيا مع هويتها الدينية وإرضاءً لشعوبها المسلمة. وقد استقبل المسلمون عبر العالم هذا الخبر بسرور وحمدوا الله على رغبة الحاكم الغامبي في الانتساب للإسلام والاعتزاز بالهوية الإسلامية، خصوصا أن غامبيا ليست حديثة عهد بالإسلام، والوجود الإسلامي يمتد لإمبراطورية مالي الإسلامية. ولكن اللافت أن هذه التصريحات التي تناقلتها وكالات الأنباء لم تتبعها أي خطوات تنفيذية أو تغيير في ماهية الدولة وشكلها وعلاقاتها. ولم يتساءل المهنئون: ماذا بعد إعلان غامبيا جمهورية إسلامية وما هي تبعات هذا الإعلان؟
لم يأت الخبر كمفاجأة حيث إن نسبة المسلمين في هذا البلد الأفريقي الصغير تتجاوز 90% من السكان البالغ عددهم 1.8 مليوناً. إذن الإعلان لم يقصد به تغيير ديانة الأفراد بل تغيير شكل الدولة، والغريب في المسمى الجديد أن الرئيس اختار الشكل الجمهوري كنظام للحكم بالرغم من التناقض الظاهر بين المفردين. فالنظام الجمهوري يعبر عن الإرادة الشعبية العامة ويستند لحكم الشعب وأن السيادة للشعب، بينما النظام الإسلامي يستند إلى مبدأ السيادة للشرع والحاكمية لله وللشعب أن يختار من يمثله ويحكم بشرع الله وللشعب الحق في أن يحاسب الحاكم. ولم يتطرق الإعلان الرئاسي للرد على التناقض بين النظام الإسلامي ودستور البلاد الذي ينص على أن غامبيا دولة علمانية وما يترتب عليه من تعديل دستوري واستفتاء شعبي.
لم يبدأ رئيس هذا البلد الأفريقي الصغير بالانضمام إلى جارته المسلمة السنغال التي تحيط به من الجهات الثلاث فجميع حدود البلد المتكونة من 740 كم تشترك مع السنغال ما عدا الحد الغربي بطول 80كم من الساحل الأطلسي وقد جمعهما اتحاد لم يدم طويلا بين 1982-1989 أطلق عليه اسم "سينيغامبيا". أعلنت غامبيا أنها جمهورية إسلامية سعيا منها لقطع صلتها بالحقبة الاستعمارية ولكنها ما زالت متباهية باستقلالها محتفظة بحدود الدولة القطرية التي نتجت عن اتفاق بين بريطانيا وفرنسا في 1889 ورسمت من قبل جنودها كعبث سايكس وبيكو بالخارطة السياسية للمشرق العربي. وبالرغم من أن رسم حدود البلد استغرق 15 عاما من المداولات إلا أن الأمر استقر على رسم خارطة على شكل لسان أرضي على ضفاف نهر غامبيا يخترق وسط السنغال لتصبح غامبيا بذلك أصغر بلد في البر الأفريقي. لا تتجاوز أعرض نقطة في البلد 48 كيلو متراً، وتصل المساحة الكلية للبلد 11,300 كيلو متر مربع. وتعتبر بانجول عاصمة غامبيا أصغر عاصمة أفريقية.
نالت غامبيا استقلالها في عام 1965 وعاشت كغيرها من الدول الأفريقية دوامة الانتخابات والأحزاب السياسية المتصارعة والانقلابات والاعتماد على الآخر في كافة المجالات. كما أن الجيش الوطني الغامبي يصل إلى نحو 1900 فرد واعتمد بشكل كامل في السابق على المساعدات الأمريكية والصينية والتركية، وبالرغم من مشاركته في قوات حفظ السلام إلا أنها مشاركة رمزية وبأعداد بسيطة.
ومن جهة أخرى، تصادف هذا الإعلان مع تأزم العلاقات بين غامبيا والدول الغربية المانحة للمعونات وتعليق الاتحاد الأوروبي لبرنامج المساعدات بسبب سوء سجل حقوق الإنسان وقمع المعارضة وارتفاع أصوات معارضي يحيى جامع في الداخل، وعلق البعض بأن هذا التصريح لم يكن إلا مناورة من الرئيس الغامبي وأن الإعلان غير دستوري وليس له قيمة.
بعيدا عن تكهنات المعلقين والدوافع السياسية وراء إعلان غامبيا جمهورية إسلامية فلعل في النموذج الغامبي خير مثال لأهمية وعي الأمة على المصطلحات ومدلولاتها. لم يعد الأمر مقتصرا على وضع كلمة الإسلام بجانب اسم الدولة ولم يعد من الممكن تجاهل البون الشاسع بين مسمى وواقع الدولة الإسلامية والجمهورية الإسلامية. مسمى الجمهورية الإسلامية يناقض نفسه من حيث الفلسفة والتطبيق ويثير تعجب المسلم والعلماني الملحد على حد سواء.
إن نظام الحكم في الإسلام هو الكيان التنفيذي الذي شرعه الله عز وجل، والدولة الإسلامية ليست دولة قُطرية رسم المستعمر حدودها بل هي دولة تجمع شتات هذه الأمة تحت راية التوحيد ولا بد للدولة التي تتسمى بالإسلام أن يكون الحكم فيها إسلاميا صرفا تطبق فيها الأحكام الشرعية وتحمله للعالم، ولا بد أن يكون أمانها بأمان المسلمين أي بسلطان المسلمين وحمايتها بشوكة المسلمين ومنعتهم أي بجند المسلمين، وإلى أن تتوفر هذه الشروط في غامبيا فستظل كغيرها من بلاد المسلمين أرضا طيبة تتوق لتطبيق شرع الله والعيش بأمان المسلمين.
الإعلان لم يأت بأي جديد سوى انضمام غامبيا لباكستان وأفغانستان وإيران وموريتانيا حيث أصبحت خامس جمهورية إسلامية لا تطبق الشريعة ولا تتوفر فيها مقومات الدولة الإسلامية! ولعل الأهم من الإعلان نفسه هو ردة فعل المسلمين والفرحة الغامرة التي يستقبل بها المسلمون كل من يتوجه للإسلام وتطبيق شرع الله تعالى. فرحة المسلمين بإعلان غامبيا أو من سبقها أشبه بالطلق الوهمي الذي يسبق الولادة وتقلصات الرحم التي يسميها أهل الاختصاص "براكستون هيكس"، قد تبدو كل تجربة على أنها مخيبة للآمال ومحبطة ولكن لعلها تحضر رحما عفيا لولادة طبيعية، وقد يختلط الطلق الكاذب والمخاض الحقيقي على البعض ولكن اللحظة الحاسمة لا لبس فيها ولا تحتاج لبراهين.. لن يكون نبأ إعلان دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة المرتقبة قريبا بإذن الله مجرد نبأ عاجل على شاشات الأخبار ولن يحتاج لبحث وتحليل فالشمس لا تحجب بغربال.
﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ
اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد (أم يحيى)