- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
محمد بن سلمان على خُطا السيسي وأردوغان
لإحكام القبضة الحديدية وإنقاذ أمريكا
(مترجم)
الخبر:
أيّد الرئيس الأمريكي "تطهير الفساد" السعودي الذي بدأه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضد أمراء بارزين وضباط ورجال أعمال، وقال ترامب على تويتر "لدي ثقة كبيرة في الملك سلمان وولي عهد المملكة العربية السعودية، وهم يعرفون بالضبط ما يفعلونه... وبعض هؤلاء الذين تم التعامل معهم بقسوة كانوا يحلبون بلادهم لسنوات".
التعليق:
أدّى اعتقال السعوديين المشهورين، ومنهم أمراء بارزون وشخصيات تجارية وشخصيات إعلامية، جنبا إلى جنب مع تحطم طائرة هليكوبتر تحمل الأمير منصور وغيره من كبار المسؤولين، أدّى إلى تكهنات بأنّ محمد بن سلمان أحبط انقلاباً مفترضاً، ومهما كان السبب فإنّ أمراً واحداً واضحاً تماما هو أنّ "رؤية 2030" تحمل معالم المساعي الأمريكية لإعادة هيكلة النظام في البلاد من خلال الملك سلمان وابنه محمد.
وقد أثبتت زيارة ترامب للسعودية في شهر أيار/مايو من هذا العام أنّها مؤلمة وتشكل بداية خطة انتقالية متعددة الأوجه تقوم على تركيز السلطة في أيدي محمد بن سلمان. والمحطة الأولى من هذه الخطة هي اتفاق أمني بين الملك سلمان وأمريكا، ومقابل المليارات من الدولارات، وافقت أمريكا بشروط على دعم جناح سلمان من العائلة السعودية. وتشير الزيارة التي قام بها مؤخراً صهر ترامب إلى إعطاء الضوء الأخضر من إدارة ترامب لسلمان لاتخاذ مثل هذه التحركات الجريئة. والهدف من التخلص من كبار الأمراء والشخصيات تحت ستار إزالة الفساد، الاستغناء عن التقاليد القديمة من تقاسم السلطة بين مختلف الأجنحة في العائلة المالكة. إنّ مساعي سلمان لتسريع تركيز السلطة بيد محمد تشير إلى أنّ الملك الضعيف يبذل قصارى جهده لضمان انتقال سلس للسلطة إلى ولي العهد قبل أن يتنازل عنها له.
أمّا الجانب الثاني من خطة التحول الأمريكي للسعودية فهو التسريع في علمانية المجتمع السعودي. والإعلان الأخير للسماح للمرأة بالقيادة، واستضافة النشاطات الرياضية النسوية ورفع الحظر عن الحفلات الماجنة وغيرها من الأنشطة التي تشجّع على الانحلال هو مجرد غيض من فيض. ويؤكد حشد المؤسسة الوهابية من قبل محمد بن سلمان على تصميمه على الشروع في "تحديث الإسلام"، الذي هو في الأساس نسخة من الإسلام المستساغ لدى واشنطن.
أمّا الجانب الثالث للخطة الانتقالية الأمريكية فهو سلب السعودية ثروتها، من خلال التحرير المطلق للاقتصاد والاستسلام الكامل للسيادة الاقتصادية لواشنطن والشركات الأمريكية متعددة الجنسيات. فبينما كان محمد بن سلمان يقوم بعملية التطهير، كتب ترامب على تويتر مذكرا الوريث السعودي بأنه ينبغي عليه خصخصة شركة "أرامكو" في بورصة نيويورك، وقد كان محمد بن سلمان حريصاً جداً على الخصخصة، حيث أعلن عن نيته في تشرين الأول/أكتوبر عن بناء المدينة السعودية الكبرى، وأنها ستكون "أول مدينة رأسمالية في العالم"، مع إمكانية الاكتتاب قبل أو بعد عام 2030.
ومما لا شك فيه أنّ سرعة التغييرات الهيكلية التي قام بها الملك سلمان وابنه بعد زيارة ترامب تؤكد على إصرارهما على التحرر من الماضي، وتذويب السعوديين في عهد جديد من الشمولية لم يشهد لها من قبل مثيل. ومع ذلك، فإنّ رياح الاستبداد الجديدة جرّت السعودية إلى تقليد بلاد أخرى في المنطقة. ففي ظل الوصاية الأمريكية، كان السيسي وأردوغان يركزان أيضاً على إحكام قبضة السلطة في أيديهم، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة. فقد برر السيسي استبداده بحماية الديمقراطية، وانتزع أردوغان السلطة تحت ستار حماية الدولة من العلمانيين الانقلابيين، ولحق بهم محمد بن سلمان لفرض هيمنته من خلال الحرب الزائفة على الفساد، فمن يشتري يختاً بـ 500 مليون دولار وإنفاق والده 100 مليون دولار على عطلة فخمة في المغرب ليس مؤهلاً لشن حرب على الفساد، في الوقت الذي يواجه السعوديون فيه الفقر المدقع.
بعد فشل بوش في تصدير الديمقراطية وفشل أوباما بالرقص مع الإسلاميين في السلطة، فعلتها أمريكا الآن من خلال ترامب، وما حدث في مصر وتركيا والآن في السعودية هو اعتراف لا لبس فيه أنّه لا مجال للحديث عن الإسلام والدعوة إليه بين الأمة، والمسموح به هو فقط الخضوع لليبرالية الغربية.
قد تحدث هذه التغييرات بعض الاكتئاب بين المسلمين على المدى القصير، ولكن هذه المبادرات الأمريكية نذير نهاية الهيمنة الغربية، فقد حاول الغرب على مدى مئة عام مضت، حاول بشتى السبل انتزاع الإسلام من قلوب وعقول المسلمين، لكنه فشل في كل محاولاته. ومن خلال اللجوء إلى القبضة الحديدية، سواء أكان من خلال دعم الاستبداد أم من خلال القوة العسكرية الأمريكية، فقد ثبت بكل وضوح أنّ الغرب مفلس فكريا وغير قادر على التنافس مع الإسلام أو حتى تقديم بديل قابل للحياة، عوضا عن الخلافة على منهاج النبوة التي تتوق إليها الأمة.
بينما كان الشرق الأوسط معقل الاستقرار لأمريكا هو الآن هاوية هشة، ومصدر لعدم الاستقرار والقلق، وما ذلك إلا بما كسبت أيدي أمريكا نفسها، ولم تفقد أمريكا السيطرة على الأمة فقط، ولكن مكانتها كقوة عظمى اقتربت من نهايتها. إلا أنّ قليلاً من الناس يدركون ذلك ويفهمون أنّ التغيير حاصل لا محالة، وأنّ الزمن زمن النور الذي يكسر عتمة الظلام الدامس، ولكن الله سبحانه وتعالى يمحّص الناس حتى ينزل نصره على المؤمنين. ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المجيد بهاتي – باكستان