- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
حمى التطبيع مع كيان يهود
الخبر:
أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، توجيهات لوزارة الداخلية بسحب الجنسية السعودية من الإعلامي السعودي محمد سعود، على خلفية زيارة المدعو محمد سعود إلى دولة يهود مخالفاً القيم والأخلاق وخروجاً عن الصف العربي الخليجي داعياً للتطبيع مع الاحتلال اليهودي لفلسطين (وكالة الأنباء السعودية).
التعليق:
لقد واجه الإعلامي السعودي ثورة غضب جارفة من أهل بيت المقدس حين قرر زيارة المسجد الأقصى بعد لقائه مسؤولين من كيان يهود في حركة تدعو إلى التعامل مع كيان يهود على أنه كيان أصيل في المنطقة ونفي صفة الاحتلال واغتصاب أرض فلسطين التي باركها الله بسبب وجود المسجد الأقصى فيها. ولعل ردة الفعل لدى أهل فلسطين ومن ثم العرب وباقي المسلمين كانت محل قياس وتتبع من مملكة آل سعود والأنظمة العربية. فالذي لا يشك فيه أحد أن هذه الأنظمة تسعى وبشكل حثيث للاعتراف بكيان يهود على أرض فلسطين المحتلة منذ عام 1948 وجزء من الأرض التي احتلت عام 1967. وتسعى أمريكا وبريطانيا ودول الغرب قاطبة لتمكين كيان يهود سياسيا بعد أن مكنتهم عسكريا واقتصاديا. وهذا التمكين يجب أن يصاحبه قبول من الشعوب المحيطة بكيان يهود، لأن يهود يعلمون تمام العلم أنه بدون قبول الشعوب لهم في المنطقة، فإن استمرار وجودهم سيبقى محفوفا بخطر أكيد يتهددهم في اللحظة التي تتمكن شعوب المنطقة من استرداد سلطانها المغصوب وإرادتها المقيدة.
من هنا فما برحت أجهزة الاستخبارات الغربية واليهودية تسعى لإيجاد منظمات وأفراد وهيئات عربية وإسلامية تدعو وتعمل على إنشاء علاقات ودية مع كيان يهود. وذلك على التوازي مع الأعمال السياسية والعسكرية الضرورية لتثبيت هذا الكيان. وكل ذلك ناتج عن علم كافة الجهات أن هذا الكيان يعتبر غريبا من حيث وجوده وأعماله وصفاته عن كل ما هو محيط به. لذلك تجري هذه المحاولات منذ عقود طويلة لتثبيت هذا الكيان الغريب والعدواني في جسم يحمل كل أسباب رفضه بل واقتلاعه من جذوره.
لذلك لم يكن مستغربا أن تستمر القضية المسماة قضية فلسطين أو قضية الشرق الأوسط أو قضية كيان يهود، لم يكن مستغربا أن تستمر كل هذه المدة بالرغم من هزال كيانات العرب المحيطة بفلسطين، وعمالة بل وخيانة حكام الدول العربية لأعز وأغلى جزء في البلاد الإسلامية بعد مكة والمدينة المنورة. بالرغم من صناعة الانتصارات المزيفة، وإظهار قوة يهود بأنها أسطورية، وأن اقتصادهم المزيف يتفوق على اقتصاديات وهمية للدول المجاورة، فبالرغم من كل ذلك لا يزال يهود يرون بأم أعينهم ويشاهدون حقيقة النظرة التي تكنها شعوب البلاد الإسلامية لكيانهم واغتصابهم لفلسطين.
فكان لا بد من العمل الدؤوب على ما يسمى بالتطبيع مع هذا الكيان. وكان لا بد من تجنيد عملاء من نوع آخر غير العملاء السياسيين، وكان لا بد من إيجاد مؤسسات وهيئات إعلامية وجمعية وسياسية تعمل على الترويج لفكرة التطبيع والقبول الشعبي لهذا الكيان. وليس عمل الإعلامي السعودي هو أول ولا آخر هذه الأعمال. فمشاركة فرق رياضية في ألعاب تجري على أرض بعض البلاد العربية هي أحد الأعمال، وزيارات مدفوعة الثمن ومرتبة لبلديات مختلفة من الدول العربية لكيان يهود هي شكل آخر من الأعمال، ولقاءات صحفية تجري مع زعماء الكيان الغاصب، وتقارير صحفية تدعو إلى التعاطف معه ومع ما تعرض له يهود في بعض الدول، وغيرها كثير...
وإن كان كثير من أعمال وحركات التطبيع تتم بهدوء وبدون ضجة إعلامية، فإن بعضها يتم بشكل صاخب ولافت للنظر وذلك من أجل إبراز وجود من يقبل بالتطبيع من جهة ومن أجل قياس ردة فعل الشعوب الإسلامية من جهة أخرى. وحين يتبين أن الشعوب لا تزال تصر على إزالة كيان يهود ناهيك عن التطبيع معه فإن الحاكم المعني يسارع ليتبرأ من هذا العمل كما حصل مع ملك السعودية في قضية الإعلامي. وإن كانت حقيقة نظام ملك السعودية بما يمثله توجه ولي العهد لا تخفى على أحد من عملها الدؤوب لتمكين كيان يهود وتثبيت وجوده. ولا تزال المبادرة العربية والتي عرفت بمبادرة الأمير عبد الله حين كان وليا للعهد، شاهدة على مدى اهتمام الدولة السعودية للاعتراف بكيان يهود وتثبيته في فلسطين. والأكثر حضورا في ذاكرة الشعوب هو مؤتمر البحرين والذي اشتهر بأنه سوق مزاد علني لبيع ما تبقى من فلسطين وشعبها. فمسألة خيانة حكام الدول العربية ومنها السعودية لقضية الأمة المفصلية لا خلاف عليها، وليست بحاجة لأدلة أو تفاصيل. لذلك فموقف ملك السعودية المتمثل بالأمر بسحب جنسية الإعلامي المطبع، ليست إلا محاولة يائسة لحجب شمس الحقائق بقميص خيانة مخروق!
والحقيقة التي لا يماري بها عاقل أو جاهل هي أن مسألة وجود يهود على شبر من فلسطين بل وفي مياهها الإقليمية على بعد 15 ميلا، هي أمر لا يمكن للمسلمين أن يقبلوا به، مهما كثر الوهن، واشتدت الخيانة، وكبر المكر وأهله. فالمسألة ليست مسألة قوة أو ضعف، ولا تجارة تقبل الربح والخسارة، بل هي مسألة عقيدة راسخة، وقضية مبدئية، ستبقى تتكسر عليها كل مؤامرة على هذه الأمة ومقدساتها. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد جيلاني