- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
حينما تغضب الإمارات.. تنتقم بالمسلسلات!
الخبر:
بميزانية تقدر بنحو أربعين مليون دولار تنتج شركة جينوميديا الإماراتية مسلسلا تاريخيا ضخما يحمل عنوان "ممالك النار" بُثَّت أولى حلقاته على مجموعة قنوات تلفزيون الشرق الأوسط "إم بي سي" السعودية، وقد شارك في هذا العمل مجموعة من الممثلين العرب من مصر وتونس وسوريا بالاستعانة بفريق عالمي في أقسام الديكور والملابس والمكياج من إيطاليا وكولومبيا وأستراليا، أما الإخراج فهو لمخرج أجنبي بريطاني.
وتدور قصة المسلسل حول سقوط حكم المماليك في مصر في أيدي الدولة العثمانية في بدايات القرن 16 ميلادي وقد تضمّن المسلسل من أول حلقة بثت له عبارات تحريضية وحاقدة عن الدولة االعثمانية ووصفها بإمبراطورية الدم!
التعليق:
يبدو أن العلاقات المتوتّرة بين تركيا من جهة والإمارات والسعودية ومصر من جهة أخرى تصل رسائلها أحيانا عن طريق الدراما التي باتت وسيلة للانتقام وبثّ الفتنة وتحريض الشعوب الإسلامية على مزيد من التناحر والتباغض، وهذا ما ظهر جليّا على منصّات التواصل الإلكتروني خاصة تويتر، حيث عبّر الكثير من المتابعين لمسلسل "ممالك النار" عن إعجابهم بهذا العمل الذي يُمجّد القومية العربية وتاريخ مصر والشام في مقاومة ما أسموه بالاحتلال العثماني، وتوالت الهاشتاغات المناهضة للدولة العثمانية واعتبارها دولة المجازر وقطع الرؤوس وصولا إلى سبّ أردوغان والدولة التركية...
ومنذ انطلاق حملات الدعاية لهذا المسلسل وعرض الحلقة الأولى منه والتوجيه المغرض في تشويه دولة الخلافة العثمانية واعتبارها هاضمة لحقوق العرب ومسلّطة عليهم واستعمال ألفاظ تحريضية من مثل قانون الدم وحكم الإمبراطورية واللعنة التي تطاردهم، كل ذلك خلق حالة من التعاطف مع حكم المماليك واعتبارهم حركة طبيعية وانقلابية على الظلم العثماني.
ولم تبخل الإمارات على الإنفاق ببذخ على تصوير المشاهد القتالية والمعارك التاريخية والديكورات والمعدات وتسخير طاقات أجنبية في منافسة للدراما التركية التي سيطرت لسنوات على الجمهور العربي خصوصا بعد نجاحات مسلسلاتها التاريخة كالفاتح والمؤسس عثمان والسلطان عبد الحميد الثاني وقيامة أرطغرل الذي علّق عليه أردوغان قائلا "طالما الأسود يُسطّرون حكاياتهم فإن الفرائس مُجبَرون على استماع قصص الأبطال".
أما الدراما التركية التاريخية فقد جاءت لتُرسّخ مفهوم الاستعلاء التركي على العرب، وقيادة العثمانيين للعالم وانتصاراتهم وفتوحاتهم صوّرتها المسلسلات انتصارا لتركيا والتاريخ المشرق والمُشرّف للأتراك دون ربطها بحقيقتها الشرعية بوصفها دولة حكمت بالإسلام فعزّت وانتصرت لأنّ نظامها الربّاني في الحكم وطرازها الراقي في العيش هو الذي أعزّها وقوّاها وأذلّ بها الأعداء، علاوة على أنها دولة إسلامية لكل المسلمين وليست دولة للأتراك.
ولئن نجح المستشرقون في كتاباتهم الاستقرائية للتاريخ الإسلامي في تشويه تاريخ الحكم الإسلامي ووصف دولة الإسلام بإمبراطورية الدم وتوالت من بعدها الكتابات التاريخية ذمّاً وقدحا وسردا باطلا وقلبا للحقائق، إلا أن هذه الأجيال قد أهملتها وتناستها وعادت تطالب بدولة إسلاميّة وبحكم إسلامي إثر ثورات الربيع العربي، فجاءت الماكينة الإعلامية قويّة ومدعومة بأحدث المؤثرات الصوتية والبصرية لتُقرّب الصورة وتدسّ السموم وتثير نعرات القومية والوطنية وتؤثرعلى ثقافة الشعوب ومعارفهم وأفكارهم.
عرض مسلسل "ممالك النار" ما زال متواصلا إلا أن البروباغندا الإعلامية من حوله صوّرت نجاحه منذ انطلاقه ممّا يفسّر أن الدراما لا تخضع في إدارتها وتوجيهها للذوق العام وإنما لجهات مدعومة حكوميا تتحكم في توجيه الرأي العام نحو مفاهيم مضلَلة تحت غطاء التاريخ.
فهل تقبل الجماهير الإسلامية مثل هذا التلاعب والتضليل أم أنها لن تعتبر التاريخ مصدرا من مصادر التشريع فتأخذ منه أنظمتها وأحكامها وإنما ترنو لإقامة دولة عظيمة تصنع حاضرها وبطولاتها بأيادي شبابها وأبنائها؟
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نسرين بوظافري