- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
تحديث واتساب والبيانات الشخصية
الخبر:
أعلن تطبيق "واتساب" شروطا جديدة متعلقة بالبيانات الشخصية ومنع مستخدميه الذين يرفضون الموافقة عليها من استعمال حساباتهم اعتبارا من الثامن من شباط/فبراير القادم.
وتسمح السياسة الجديدة لـ"واتساب" بمشاركة المزيد من البيانات مع شركة "فيسبوك" المالكة للتطبيق. (بي بي سي)
التعليق:
تهدف التشريعات والقوانين الناظمة لعلاقات المجتمع لتحقيق قيم معينة يضعها المفكرون أو المشرعون، وقد تصطدم هذه القيم مع رغبات السياسيين وأصحاب رأس المال، فتظهر فورا لديهم مشاكل تظهر قصور نظرتهم الْقِيَمِيَّةِ والتشريعية فتضرب التشريعاتُ القيمَ، وتضرب وقائع حياة الناس تلك القيم المثالية الهلامية، فتستحدث الدولة من الثنائيات حول إشكاليات تناقض القيم مع التشريعات مع واقع الحياة في تلك المجتمعات! لتضرب بها تلك القيم أو لتجعل الدولة لنفسها ذريعة في الحد من تلك القيم وتحجيمها ومحاكمة من يؤمن بها.
من ذلك مثلا: اصطدمت الدول الغربية الحديثة بهذه الثنائيات التي أجهزت على البقية الباقية من مقاصد التشريع لديهم ومع قيم حضارتهم: ثنائية: الحرية – الأمن، ثنائية: الخصوصية – الأمن، فتتدخل الدولة وأجهزتها الأمنية في خصوصيات الناس وتتجسس عليهم بكل السبل الإلكترونية بحجة الحفاظ على الأمن.
فأخذت الأنظمة الغربية تشرع قوانين تزيد من سلطة الدولة في مراقبة الأفراد والحد من حرياتهم وخصوصياتهم، مظنة إفسادهم في المجتمعات وتعديهم على الأمن العام والصالح العام، واحتج الناس على الدولة بأنها تتجسس عليهم.
واستغلت الشركات الكبيرة سيطرتها على سوق المعلومات وأخذت بالتجسس على الناس حتى زادت سلطتها وهيمنتها، فتمكنت من الوصول لمعلومات تتعلق بحاجات الناس ورغباتهم التسوقية، ونزعاتهم الانتخابية، وتوجهاتهم الفكرية، واستحوذت على هذه المعلومات عبر برامج الذكاء الاصطناعي، واستعملتها لتزيد من ثرواتها، عبر التسويق والدعاية، أو استعملتها الأحزاب السياسية لزيادة قاعدتها الانتخابية، وهكذا...
وقد بلغ التعدي على خصوصية الناس مبلغا غير مسبوق، بحيث إن كمّاً هائلا من البرامج والشركات تتجسس على كاميرات التلفونات وتسترق الاستماع للأحاديث الخاصة، وأصبحت حياة الناس مكشوفة لتلك الفئة الجشعة الباحثة عن مزيد من الثراء والسلطة، ولم تستطع الدول إيقاف تلك الشركات عند حدها لتحمي الناس، لأن طبيعة النظام الرأسمالي قائم لتحقيق مصالح أصحاب رأس المال، لا لرعاية شئون ومصالح الناس!
ومن الثنائيات التي تبرز تناقضات التشريعات الغربية وتحطيمها للأسس الفكرية العلمانية الرأسمالية التي تقوم عليها الدولة، ثنائية: تدخل الدولة في السوق – منع تدخلها، ثنائية: حرية التعبير – القذف! فإن لم يرُقْ لهم التعبير قالوا عنه إنه تجاوز حرية التعبير إلى القذف، ثنائية: حرية التعبير – خطاب الكراهية، فما أسهل أن يحاكم الرأي الذي ظن صاحبه أنه من باب حرية الرأي المكفولة إلى خانة الحض على الكراهية، فيكون سببا في سجنه، ومعلوم أن تعريفات الكراهية والقذف وما أشبهها تعريفات هلامية يسهل تغييرها ووضع أي رأي تحتها ليسهل محاكمة قائله وهكذا، حرية التعبير – نشر الأباطيل والمعلومات المضللة (misinformation)، وفي حين إن بعض المعلومات يسهل معرفة أنها أباطيل، إلا أن ذلك يصعب في كثير من الأحيان، ولكنهم يسهل عليهم أن يمنعوا رأيا أو مقالة أو حتى يعاقبوا قائلها بحجة أنها معلومات مضللة، بل زادوا على ذلك، فبعد عقد اتفاقيات حرية التبادل التجاري، أرادت أمريكا التضييق على صناعات الصلب والألومنيوم ففرضت عليها رسوما باهظة حين تستوردها من الغير، بحجة تعارضها مع الأمن القومي، ثنائية: حرية التبادل التجاري – الأمن القومي! وهكذا تتعارض القيم التي يراد لها أن تكون مرجعية للقانون مع القوانين ومع أنظمة المجتمع! وتستعمل القيم وتأويلاتها من قبل الدولة بشكل يسمح لها أن تحاكم الأفراد والهيئات على ما لا يروق لها من تصرفاتهم!!
لقد أزكمت رائحة الرأسمالية العلمانية الأنوف، وآن للبشرية أن تنعتق من هذا الاستعباد للناس، والتجسس عليهم، وتسليعهم، وجعل حياتهم تدور حول البيع والشراء وأن يكونوا أداة طيعة في يد الشركات الرأسمالية الكبيرة التي أضحت لاعبا رئيسيا في إدارة سياسات البلاد.
لقد أبرز التشريع الإسلامي مبادئ قيمية مقاصدية غاية في الدقة والتناسق والانسجام، لا تتعارض ولا تتناقض معها التشريعات، ولا يهدم أولها آخرها، وذلك لتحقيق مجتمع قائم على قيم تحقق للإنسان السعادة والرقي والطمأنينة والعيش وفقا لتشريعات الخالق سبحانه وتعالى في دولة ترعى مصالح الناس ولا تسمح لآحادهم أو شركاتهم أو سياسييهم بالتسلط على خصوصياتهم!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ثائر سلامة (أبو مالك)