- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مخاطر الإطار الأمني الشامل الجديد لباكستان
الخبر:
أكّد رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، في حوار (إسلام أباد الأمني: معاً من أجل أفكار 2021)، أكّد على الحاجة إلى نموذج أمني جديد يُعرف (بإطار العمل الأمني الشامل). حيث قال: "يعتقد الناس أننا إذا عززنا فقط من قوة القوات المسلحة والأمن، فسيكون ذلك كافياً للأمن القومي، بينما يشمل الأمن القومي اليوم العديد من الجوانب التي تم تجاهلها في العقود السابقة، بما في ذلك الأمن المناخي والأمن الغذائي والازدهار الاقتصادي". [تربيون باكستان]
التعليق:
انضمّ إلى خان باجوا الذي تحدث عن الحاجة إلى توسيع مفهوم الأمن القومي إلى "توفير بيئة مناسبة يمكن من خلالها تحقيق تطلعات الأمن البشري والتقدم الوطني والتنمية". والابتعاد عن الأمن التقليدي الذي يدور حول الدولة ليشمل الأمن غير التقليدي هو محاولة من باجوا/ خان لإعادة تأطير الأمن القومي الباكستاني على أساس الاقتصاد الجغرافي بدلاً من السياسة الجغرافية.
وخلال الحرب الباردة، أثّر الأمن التقليدي، حيث وفّر احتكار سلطة الدولة المدعوم بالقوة العسكرية الأمن الداخلي والخارجي، أثّر على العلاقات بين الدول. والشاغل الرئيسي للأمن التقليدي هو الدفاع والردع، وإعادة توزيع القوة بين الدول لتحقيق التوازن (السلام) والحد من اندلاع الحروب. وهناك اختلاف آخر يتمثل في أن تقوم الدولة بحشد ما يكفي من القوة للسيطرة على النظام الدولي والتغلب على نقاط الضعف. وعلاوة على ذلك، فإن مفهوم الأمن التقليدي مشتق من نموذج (ويستفاليا) للقرن السابع عشر، والقومية في القرن التاسع عشر. وأمن الدولة مرهون بالقوة العسكرية التي تمتد إلى حدود الدولة الثابتة، ويتحقق السلام من خلال نظام توازن القوى والنظام الدولي متعدد الأقطاب.
بينما يختلف المفهوم للأمن في الإسلام عن الفكرة الغربية للأمن التقليدي. ويتعلق الأمن في الإسلام بالحفاظ على سيادة الشرع داخل حدود الدولة الإسلامية وخارجها في تعامل الدولة الإسلامية مع الدول غير الإسلامية. ويجب أن يكون الأمن في كل وقت بأيدي المسلمين. وعلى الصعيد المحلي، فإن مهمة الأمن هي حماية حقوق جميع الناس، بغض النظر عن ديانتهم، مسلمين وغير مسلمين. وبما أن حدود الدولة غير ثابتة، فإن الأمن يتكيّف باستمرار لضمان سيادة الشرع. بينما خارجياً، يتعلق الأمن بنشر الإسلام من خلال الدعوة والجهاد. كما أن نظام الإسلام ليس تعددياً ولا ينشر نظام ميزان القوى لتحقيق السلام. فالإسلام يقسّم العالم إلى دار إسلام ودار حرب، ويتحقق السلام من خلال الخضوع لنظام الإسلام أو من خلال توقيع المعاهدات المنضبطة بأحكام الشرع مع الدول غير الإسلامية.
لقد أسّس رسول الله ﷺ الدولة الإسلامية الأولى في المدينة، حيث حقق تطبيق الإسلام الأمن، حتى بعد تغير حدود الدولة واتساعها. وقد حرص رسول الله ﷺ على إيجاد الأمن لتطبيق الأحكام الشرعية وحماية حقوق الناس مع فتوحات خيبر ومكة، وكذلك مع المعاهدات المبرمة بين القبائل العربية التي تعيش على مقربة من الإمبراطورية الرومانية. ولم يبرم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما معاهدات مع الرومان والفرس لتحقيق التوازن في المنطقة. وعلى العكس من ذلك، فقد حاربت الدولة الإسلامية الوليدة في المدينة القوتين العظمتين في وقت واحد لضمان سيادة النظام العالمي الإسلامي، وقد اتبع الخلفاء على مر العصور سنة رسول الله ﷺ في تحقيق الأمن.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، شككت المنح الدراسية الغربية في مزايا الأمن المركزي للدولة المدنية، ودَعت إلى الأمن البشري المدعوم بالتعاون كوسيلة لتنظيم العلاقات بين الدول. وفي عام 1994، أعلنت الأمم المتحدة ركيزتين رئيسيتين للأمن البشري وهما: التحرر من الخوف والفاقة، ويركّز التحرر من الخوف بشكل أساسي على منع العنف، وقد مورس مؤخراً اختراق سيادة الدولة لحماية المدنيين. وقد أدّى ذلك إلى ظهور مفهوم التدخل الإنساني والمسؤولية عن الحماية (R2P). والتحرر من العوز هو توفير إمكانية الوصول إلى المرافق التي تسهّل الحفاظ على الحياة مثل التعليم والرعاية الصحية. وبالإضافة إلى ذلك، حددت الأمم المتحدة العديد من المكونات المهمة للأمن البشري، والتي تشمل الأمن الاقتصادي والأمن الغذائي والأمن الصحي والأمن البيئي والأمن الشخصي وأمن المجتمع والأمن السياسي.
إن الأمن البشري (الأمن غير التقليدي) ليس عالمياً كما يتبناه أتباعه، حيث يقوم على الليبرالية الغربية ويعزز من القيم العلمانية، ويريد باجوا/ خان توسيع الأمن القومي للبلاد ليشمل الأمن البشري الذي سيجعل الحلول الليبرالية والقيم الغربية هي الجانب البارز لإطار الأمن الشامل لباكستان. وعلى سبيل المثال، يركّز الأمن الاقتصادي بشكل كبير على سياسات الليبرالية الجديدة المنصوص عليها في توافق واشنطن، وستستخدم أمريكا والهند هذه السياسات للهيمنة على الاقتصاد الباكستاني من خلال ذريعة التكامل الإقليمي.
بينما لا يوجد في الإسلام مفهوم الأمن البشري مبني على الليبرالية. حيث يحفظ الإسلام على الناس حياتهم وعقولهم وكرامتهم وممتلكاتهم الخاصة ودينهم. والشريعة الإسلامية أكثر من كافية لضمان الحقوق للبشرية جمعاء بغض النظر عن المكان والزمان. وعلى سبيل المثال، فإن إدراج باكستان للأمن الغذائي كجزء من إطار الأمن الشامل يهدف إلى التخفيف من ندرة الغذاء. ومع ذلك، فإن هذا الجرح ناتج عن نفسه. ففي الماضي، صدّرت باكستان المواد الغذائية الأساسية لكسب النقد الأجنبي لتسديد الديون الخارجية، وهو حرام في الإسلام. وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك باكستان ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية غير المزروعة والمملوكة لأصحاب العقارات، وفي ظل الإسلام، يجب توزيع الأراضي البور غير المزروعة من الدولة على الناس لإطعام سكان باكستان المتزايدين.
وبالمثل، يريد باجوا/ خان تضمين الأمن الاقتصادي كجزء من إطار العمل الأمني الشامل. وهذا يعني تحويل باكستان إلى مركز اقتصادي ودمج دول الجوار من خلال السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة. ومثل هذه السياسات توجد تكتلات اقتصادية، وتقوض السيادة الاقتصادية، وتكون مفيدة للاقتصادات القوية فقط. فمثلا تستفيد ألمانيا بشكل كبير من الاتحاد الأوروبي، بينما تستمر معاناة دول الأطراف مثل البرتغال واليونان وإيطاليا وإسبانيا اقتصادياً. وفي الوقت نفسه، فإن أمريكا وأوروبا هي الأكثر استفادة من العولمة على حساب العالم الثالث. ومن الواضح أن محاولات باكستان لتنفيذ مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني أدت إلى تقدم الاقتصاد الصيني. وإذا أصبحت باكستان مركزاً اقتصاديا إقليمياً، فستستفيد الهند أكثر من غيرها. بينما في ظل الإسلام، يتم حفظ وازدهار الاقتصاد من خلال بناء التصنيع على أساس الصناعة الحربية لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتجنب الاعتماد على دولة يمكن أن تصبح العدو في المستقبل.
لذلك يجب على المؤسسات الاستراتيجية الباكستانية معارضة النموذج الأمني الجديد للأمن القومي للبلاد، ويجب عليهم العمل على كشف العيوب الموجودة في خطط باجوا/ خان والتأكد من أن الأمن القومي الباكستاني لا يتحقق إلا بالإسلام الذي يحمي سيادة البلاد بالإسلام.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المجيد بهاتي