- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
براءة الاختراع واحتكار إنتاج الدواء واللقاح
الخبر:
أبدت الحكومة الألمانية تحفظها حيال اقتراح واشنطن بتعليق براءات الاختراع للقاحات كورونا، مبينة أن الأمر لا يتوقف على براءات الاختراع فقط، بل هناك عوامل مهمة أخرى.
التعليق:
في الوقت الذي يموت عشرات بل مئات الآلاف من البشر في البلاد الفقيرة يُكشّر الغرب مجددا عن أنيابه متمسكا بفكرة الحماية الفكرية وينشب مخالبه مكلبا ببراءة الاختراع ويرفض السماح بإنتاج الأدوية أو اللقاحات وعلى وجه الخصوص لقاح كوفيد-19.
كميات اللقاح المتوفرة والتي يمكن من الناحية التقنية إنتاجها حاليا لا يمكن أن تغطي الحاجة عالميا. النقص يظهر جليا في البلاد الفقيرة والتي تنتظر (عطف!) دول الغرب بما يفيض عن حاجتهم لتزويدها باللقاحات الضرورية للسيطرة على جائحة كوفيد-19. الهند وجنوب أفريقيا تقدمتا بطلب رفع الحماية عن براءة الاختراع والسماح بإنتاج اللقاحات في معاملها بقدرات إنتاجية عالية لتوفر الأيدي العاملة الرخيصة مما يخفف من تكلفة الإنتاج وسهولة التوزيع وسرعته مما يعجل في إمكانية السيطرة على الجائحة لتعود الحياة إلى ما كانت عليه قبل كوفيد. لكن دول الاتحاد الأوروبي وعلى وجه الخصوص ألمانيا بالإضافة إلى سويسرا ترفض هذه الفكرة جملة وتفصيلا بحجج واهية من مثل ضمان الجودة، وهي حجج غير مقبولة وتكشف عن حقيقة تأثير الشركات الرأسمالية الكبرى وعلى وجه الخصوص شركات الأدوية التي تُعرف بحجمها الكبير. وهذه الشركات تنتج الأدوية واللقاح وتحتكر بيعه بأسعار عالية لا تتناسب مع تكلفة الإنتاج بل تتأثر بارتفاع الطلب وتستغل الحاجة الماسة للقاح اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
يعلل الذين يرفضون فكرة رفع الحماية عن الاختراع أو الابتكار بأن تكاليف الاختراع والبحوث عالية ولا بد من ضمان تغطيتها بقانون براءة الاختراع والملكية الفكرية، وهنا تبرز فكرة الاستغلال الرأسمالية، وبالمقابل فكرة الرعاية الحقيقية التي ضمنها الشرع لكل فرد من أفراد الرعية، بغض النظر عن التكاليف. الأمر الذي كان يطبقه الخلفاء في المجتمع الإسلامي حتى في أزمنة الضعف التي مرت بها الدولة الإسلامية.
روى البخاري في صحيحه، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ، قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ. قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ».
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...» الحديث، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
سطوةُ الرأسمالية وإكراهُ الناس على تطبيقها والعيش حسب وجهة نظرها المبنية على المصلحة وتعريفُها السعادة أنها تحقيق القدر الأكبر من الكسب المادي وإشباع الشهوات، وجعلُ القيمة المادية فوق كل الاعتبارات، بل وإهمال القيم الإنسانية والأخلاقية والروحية، هذه النظرة السقيمة أدت إلى هذا الانحطاط الإنساني والأخلاقي الذي ساد العالم، وأصبحت فكرة الاحتكار الفكري وبراءة الاختراع سيفا سليطا على الفقراء ليظل أصحاب الرأسمال سادة يستعبدون الضعفاء.
يجدر أن يعلم الناس أنه لا يُسمح في دولة الإسلام بكتمان العلم، جاء في حديث أبي هريرة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود والترمذي وأحمد وابن ماجه.
ولا يوجد احتكار لاختراع أو حقوق ملكية فكرية، فما وصل له هذا المخترع مبني على أسس تراكمية منذ بدء الخليقة حتى وصلت لنا، فهي ملك للبشرية جميعا وليست حكرا لأحد، فمن أراد تملكها فعليه أن يدفع مستحقات من سبقه من علماء ومفكرين ومخترعين.
هذه الأفكار أفكار دخيلة، مردها هو للنظرة الفاسدة عن الكون والإنسان والحياة التي تقود الرأسمالية. وستتغير بإذن الله حين تعتمد نظرة الإسلام عن الكون والإنسان والحياة، ويعم الأرضَ مفهومُ السعادة الذي هو تحقيق رضوان الله سبحانه وتعالى، ويصبح طلب العلم عبادة ويعرف أن "خيرَ الناسِ أنفعُهم للناسِ" كما جاء في الحديث فيما رواه عبد الله بن جابر، أو فيما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِيناً، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعاً».
بهذه السياسة، وهي رعاية الشؤون على أساس الإسلام ترتقي البشرية ويتحقق العدل ويعم الأمن ويسعد البشر. وهذا ما تبناه حزب التحرير في دستوره ونظام الحكم الذي سيطبقه في دولة الخلافة إن شاء الله.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. يوسف سلامة – ألمانيا