الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
فرنسا تعلن الحرب على الإسلام ومظاهره وعلى المسلمين الملتزمين بأحكامه

بسم الله الرحمن الرحيم

 

فرنسا تعلن الحرب على الإسلام ومظاهره

وعلى المسلمين الملتزمين بأحكامه

 

 

 

الخبر:

 

نشرت مصادر إعلامية عدة أن البرلمان الفرنسي صادق يوم الجمعة في 2021/7/23 بشكل نهائي على مشروع قانون أطلقوا عليه اسم "مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية". وهذا بعد 7 أشهر من تبني لجنة برلمانية لهذا المشروع الذي عُرِف أول مرة باسم "مكافحة الإسلام الانفصالي". فمن يرفض مثلاً الخضوع للفحص الطبي من قبل طبيبة يُدان بجريمة "الانفصالية"، التي أنشأ لها القانون عقوبةً تصل إلى السجن 5 سنوات، وغرامات تصل إلى 75 ألف يورو. وينص القانون على فرض رقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها، ومراقبة تمويل المنظمات المدنية التابعة للمسلمين، ويفرض قيودا على تقديم الأسر التعليم لأطفالها في المنازل، ويحظر ارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم ما قبل الجامعي. (وكالة الأناضول).

 

التعليق:

 

الحديث عن الإسلام وفرنسا حديث ذو شؤون وشجون، فالعلاقة بينهما هواجس وصراعات متواصلة عبر التاريخ وحروب، وفترات السلام فيها كلها مكرٌ وتربصٌ وحذر. وقد كانت فرنسا في هذا الصراع قلب الإفرنج وعاصمة أوروبا والغرب. والحديث عنها هو حديث عن الحروب الصليبية، وعن توغل المسلمين داخل الجنوب الفرنسي، وعن معركة بلاط الشهداء، وعن أحلام فرنسا لقرون باحتلال مصر، وحملة نابليون لاحتلالها، ثم احتلال بلاد المسلمين بعد الحرب العالمية الأولى وهدم دولتهم. وهي أحداث متلاحقة، تداعياتها تتوالد، ولا تقف على وضعٍ أو حال. فمنها اليوم، استعصاءُ المسلمين على الدمج في فرنسا والغرب، وانتشار الإسلام هناك، ووعي المسلمين على أن الإسلام والغرب نقيضان. ومنه أيضاً مواقف الحكومة الفرنسية من المسلمين وتضييقها المتزايد عليهم، وسعيها الدؤوب بشتى الوسائل لطمس هويتهم الإسلامية. وهذا من مظاهر الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب، وفي مقدمته فرنسا التي لطالما كانت رأس حربة في هذا الصراع.

 

إن الشواهد التاريخية على ذلك متواصلة إلى يومنا هذا، ومنها اليوم سعيُ فرنسا لتبديل شريعة الإسلام، بشريعة على مقاس علمانيتها وجمهوريتها. وقد اشتهر تعبير "الإسلام الفرنسي"، وأن فرنسا "تريد إسلاماً فرنسياً، ولا تريد الإسلام في فرنسا". وكثرت التصريحات الفرنسية بأنه يجب على المسلمين في فرنسا أن يكونوا فرنسيين، وألّا يتناقض إسلامهم مع جمهورية فرنسا ولا مع الأسس التي قامت عليها.

 

لقد ظهرت فكرة "الإسلام الفرنسي" أو "فَرْنَسَة الإسلام" أواخرَ القرن الماضي، عندما تنبه المسؤولون في فرنسا لانتشار ما يسمونه الإسلام السياسي، وما يشكله ذلك من تحدٍّ لنمط العيش الفرنسي، ويؤول إليه من استحالة اندماج الجاليات الإسلامية في الغرب. ومن شواهد ذلك أن وزير الداخلية الفرنسي جون بيير شوفينمون طرح في 1997/11/23 تأسيسَ مؤسسة فرنسية تدرِّس الإسلام للفرنسيين، وقال: "لا أحد يمكنه نفي الأهمية الكبيرة للدين داخل المجتمع... ومع احترام الحكومة الكامل لقانون فصل الدولة عن الكنيسة، تهتم بالدين وحضوره المجتمعي... أتوجه اليوم للمسلمين الحاضرين وليس للدولة، أريد أن نعمل معا على إنشاء مؤسسة تُعنى بالبحث والتعليم لتعريف الإسلام للفرنسيين، نريد أن نؤسس إسلاما فرنسياً".

 

ولا يخفى سعي فرنسا لاحتواء جاليات المسلمين، وترويضهم على التسليم لها فكرياً وثقافياً وسلوكياً. ولكن كل أساليب الدمج فشلت، وجاءت النتائج بعكس الحسابات، ما دفع حكام فرنسا وسياسييها، والاتجاه اليميني فيها بخاصة، إلى التفكير بإجراءات مختلفة، كإثارة الإسلاموفوبيا وتأجيجها، وإصدار قوانين تحظر الفكر الإسلامي، وتجرِّم الحديث في الأحكام الشرعية المتعلقة بالحكم والسياسة، وبالهوية والانتماء، وتجرِّم المظاهر الإسلامية كالحجاب والطعام الحلال وما إلى ذلك.

 

وهذا مما جاء لأجله الرئيس الفرنسي ماكرون في هذه الأجواء التي تشكل تحدياً كبيراً لمؤسسة إسلام فرنسا، وللحكومة التي توليها اهتماماً. فقد استلم الرئاسة في أيار 2017، وجعل هذا الأمر ضمن أولوياته. نشر موقع مونت كارلو الدولية في 2019/10/15 خبراً بعنوان "إسلام فرنسا في عهد ماكرون"، جاء فيه: "إنّ الأوضاع (الاجتماعية) لمسلمي فرنسا تغيرت بصورة تعاكس الصورة النمطية، إذ تمكنوا من جمع أموال، وارتقى مستواهم المادي، كما أنهم يتمسكون بالدين وبممارسة شعائره بصورة أكبر من آبائهم، وتنتشر المبادئ الأصولية والسلفية في صفوفهم". وجاء في مقال نشره مركز بيركلي في 2019/5/1 بعنوان "إسلامٌ صنع في فرنسا؟ مناقشة إصلاح المنظمات الإسلامية والتمويل الأجنبي للدِّين": "لا تزال الحكومات الفرنسية منذ الثمانينات تحاول دمج المسلمين الفرنسيين، ولكنها تفشل في تحقيق ذلك بشكل كامل، ويتفاقم فشلها في مواجهة التطرف والراديكالية".

 

يردد الرئيس الفرنسي ماكرون وأضرابه من الحكام والسياسيين الذين يحاربون الإسلام أنهم لا يحاربون الإسلام، ولكنهم يحاربون الأيديولوجية الدينية أو الإسلام السياسي، وأنهم مع حرية التدين، ولكنهم يواجهون التطرف. وهذا الكلام كذب لا يستحق الوقوف عنده. فالقضية حقيقة هي أن الإسلام يثير قلقهم، ولولا ذلك لما اتخذوا إجراءاتٍ ينقضون بها أسسهم الفكرية بذريعة الدفاع عنها، ويدوسون قواعدهم في الديمقراطية وحرية الفكر والتدين وسائر الحريات العامة بذريعة المحافظة عليها. فلبُ الموضوع فعلا ليس هو ما يثرثرون به من مزاعم أو ذرائع، وإنما هو معاداةُ أيِّ نظام أو توجهٍ سياسي يقوم على فكرةٍ أو عقيدةٍ أو أيديولوجيةٍ تتنافى مع العلمانية، أو فكرة فصل الدين عن الحياة والدولة. وتتضاعف هذه العدائية إذا كانت العلمانية هي علمانية فرنسا، وتتضاعف أكثر إذا كانت المواجهة مع الإسلام.

 

والقانون المذكور في الخبر أعلاه يأتي في هذا السياق، فهو يستهدف المسلمين الملتزمين بدينهم في فرنسا ويستهدف جلَّ مظاهر الإسلام، ويشكل بعمومه وكثرة ما يندرج تحته من أعمال ومظاهر يحظرها، جبهةً واسعة في محاربة الإسلام. وإذا كان ينذر بمزيد ضغوط على المسلمين في فرنسا، فسببه تقدم الإسلام في فرنسا، سواء من حيث إقبال الفرنسيين على الدخول فيه، أو من حيث الوعي على أنه نظام حكم ودولة، وعلى أنه البديل الحضاري العالمي الذي سيكنُس الرأسمالية الغربية وعلمانيتها، لأنها لا تصمد أمامه، لا في ميدان حوار ولا في ميدان صراع. لذلك، فإنّ هذا القانون يدل على فشل حربهم على الإسلام خلال القرن الماضي، وقرونٍ مضت. وهو بمثابة إعلان هزيمة الفكر العلماني في أعرق معاقله وأعتاها، وفشل دهاقنته في حروبهم على الإسلام وإفلاس أساليبهم في ذلك.

 

فهذا القانون من أعمال الصراع الفكري والحضاري، وهو إشارة خير للمسلمين إذا أحسنوا استغلاله. ويكون ذلك بالتمسك بالإسلام كله، فالحرب على الإسلام السياسي حرب على الإسلام وعقيدته. ويكون أيضاً ببيان فشل الحضارة الغربية وتهاويها أمام الإسلام، حيث اضطرّ أربابها لإهدارها بنقض أهم ما يتغنون به من أفكارها وقيمها، وهي الديمقراطية والحريات العامة. فمآل هذا القانون خيرٌ للمسلمين إذا تعاملوا معه بحكمة وصبر. قال تعالى: ﴿لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُم﴾ [النور: 11].

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود عبد الهادي

آخر تعديل علىالأحد, 01 آب/أغسطس 2021

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع