- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مواجهات الشعوب وحكامها
الأمة صحت ووعت ولن تهدأ أو تستقر إلا تحت قيادة دولة الخلافة
الخبر:
قام المجلس العسكري في السودان، 25 تشرين الأول، بقيادة رئيسه عبد الفتاح البرهان بانقلاب على الحكم الذي يرأس هو قيادته العسكرية واعتقل معظم أركان الحكم في الدولة، ومن بينهم رئيس الوزراء حمدوك، وأعلن حالة الطوارئ. وفي 25 تموز الفائت أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، بتأييدٍ من الجيش، تجميد عمل مجلس النواب ورفع الحصانة عن أعضائه وإقالة رئيس الحكومة، وأصدر قرارات تُعّدُّ انقلاباً على الحكم القائم الذي هو رئيسه. وقد لقي الانقلابان في تونس والسودان معارضات سياسية وشعبية برهنت على وجود صراعات في كل من البلدين فيما بين الحكام وفيما بينهم وبين الشعب. وتدخلت أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها في البلدين باهتمام ومتابعة حثيثة، وقامت بتوجيهات للحكام الفعليين من القيادات العسكرية والسياسية. ولا يزال النزاع مستمراً في البلدين وينذر بتصعيد وتطورات في أكثر من اتجاه.
التعليق:
إن أوّل ما يُلاحظ في هذه الانقلابات، أنها ليست انقلابات مفاجِئة لجهات تعمل بالسر ضد الحكم القائم، ولا هي ثورات شعبية تسقط الحكم والحكام، ولكنها انقلابات يقوم بها الحكام أنفسهم على بعضهم وعلى تحركات الشعوب وثوراتها. ومن نافلة القول إن هذه الأحداث هي من تداعيات ما بعد الثورات العربية التي اندلعت أواخر عام 2010 في تونس وانتشرت بعد ذلك في غيرها. أي أنها من تداعيات الثورات المضادة التي حاصرت الثورات الشعبية وقضت عليها بالخداع والقوة، ما يدل على أن الشعوب التي انتفضت وثارت تدرك أنها قد خُدعت واستُثمِرت تضحياتها في تمثيليات خداعة وخطابات مشاعرية وشعارات جوفاء. ويدل أيضاً على أن الشعوب ما زالت تمتلك طاقة التحرك مرةً أخرى لرفع الظلم عنها وتحقيق الأهداف التي تتطلع إليها، والتي سبق أن ظهرت جلية، وهي استعادة كرامتها وعزتها واستقلالها بتطبيق الإسلام والتخلص من هيمنة الغرب وظلمه، ومن أفكاره وسياساته القذرة. وهذا يعني أن قناعات الشعوب وميولها وخياراتها التخلص من النفوذ الغربي. وهذا ما يثير دول الغرب المذكورة في الخبر، ويجعلها تنتفض خشية أن تُطرد من بلاد المسلمين، أو أن تفقد نفوذها وتخسر مصالحها. ولذلك نرى هذه التحركات الغربية الكثيفة والمتلاحقة، والاتصالات بالسلطات الفعلية في البلاد، والتداول بشأن ما يجري فيها على أرفع المستويات في الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
تجدر الإشارة هنا إلى الكذب المفضوح لدى هذه الدول، حيث إنها تتحرك وتتصل وتتدخل على مدار الساعة بقلق واضح، موجِّهةً السلطات العميلة والعلمانية لمحاصرة تحركات الناس وتقييدها، والإمساك بالأوضاع عن طريق الجيش وبالقوة، خشية أن تفلت من يدها، ثم تصرح بعكس ذلك وبادعاء الحرص على سيادة القانون وأمن الناس، وحريتهم في التظاهر والاختيار. وإن أدنى نظرة إلى ما يجري في بلاد المسلمين كليبيا واليمن وسوريا وغيرها يؤكد حجم كذب هذه التصريحات، وعِظَمَ فجور هذه الدول وسياسييها. بل إنه قد صار يُخشى أن ينفِّذَ المجلس العسكري السوداني، امتثالاً لأوامر أسياده الغربيين، مجازر بالشعب كما فعل السيسي في ميدانَيْ رابعة والنهضة.
إن ما يريد هذا التعليق الإشارة إليه، هو أن شعوب الأمة الإسلامية قد انتفضت نتيجة صحوتها على عقيدتها بوصفها عقيدة سياسية، حيث أخذ الوعي فيها حجمه الكافي لرفض نظم الفساد التي تكبلها، الغربية والغريبة عن عقيدتها وقناعاتها، ولتقرير نظام العيش والخيار السياسي الذي تريده، وقد بلغ هذا الوعي حد الدافع للعمل والتغيير الكبير المنشود. ولذلك فإذا فشلت التحركات أو الثورات في العقد الماضي، فإن الوعي على الأفكار والمفاهيم السياسية الإسلامية كفيل بالتحريك والدفع المرة تلو المرة إلى أن يتحقق الهدف بإقامة النظام الإسلامي، والتحرر من هيمنة الكفر، والتخلص من العملاء والخونة وتفاهاتهم.
يذهب بعض المراقبين إلى مجادلات حول الثورات العربية التي اندلعت في العقد الماضي، وكانت نتيجتها الفشل مع تكاليف باهظة: هل انتهت أم أنها مستمرة تخبو ولا تلبث أن تشتعل؟ ويذهب بعضهم إلى أنها لم تنتهِ، وأنها مستمرة ولا تنتهي إلا بانتصار الشعوب. ويذهب صاحب هذه السطور إلى أن الثورات كالمعارك، قد تنتهي إلى فشل وخسائر، ولكنها ليست نهاية التحركات، لأنها ليست الحرب، ولكنها معركةً فيها أو معارك. والواقع أن هذه الثورات انتهت، وأقيمت على أنقاضها أنظمة فاجرة استمرت لسنوات واستقرت كما في مصر وتونس. وقد كلفت خسائر كبيرة وإبادات كما في سوريا. ولكن الشعوب التي قامت بالثورات ما زالت حية، ومشحونة بطاقة الفكر الإسلامي ومفاهيمه الدافعة، والمحرِّكة نحو التغيير والقضاء على الحكم بالكفر، والتخلص من الحكام العملاء. والطاقة الفكرية هي أساس الطاقات، وأمُّها ومُفجِّرتُها، فإذا فشلت ثورة أو ثورات، فهي معركة فقط أو معارك وأحداث، تنتهي ولكن الحرب تستمرّ، وستعود الشعوب لتنتفض هنا وتثور هناك وتنفجر هنالك. ولن تهدأ الأمة التي وعت وصحت، إلى أن تتهيّأ لها الفرصة الحاسمة والقاضية، بأن تتوفر لها القيادة الواعية والحكيمة التي تستطيع احتواء هذه الطاقات ونَظْمَها في مشروع أو استراتيجية عمل مدروسة ومرسومة بخبرة ودقة، وبوعي سياسي على المعنى الحقيقي لغاية الأمة، وعلى حجم العقبات وقوى الأعداء ومكرهم. وهذا هو عمل، ومحل اهتمام، وتخطيط، كلِّ منظِّرٍ للتغيير والنهضة، ساعٍ إليهما، ومتصدِّرٍ لهما، بل هو مسؤوليته الكبرى وواجبه المحتَّم. ولا بد لهذا الأمر من العمل بموجب القاعدة الماسيَّة وهي وجوب العمل ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنون﴾ [سورة التوبة: 105]، ولزوم وحتمية أن يرتبط العمل بالفكر، أي بتفكير سياسي هادف يسبقه، وأن يكون الفكر والعمل كلاهما لأجل الغاية المقررة والمرسومة، وهي دولة الخلافة. الأمر الذي يقضي بأن يوطّد كلُّ قادرٍ من العاملين نفسَه، على أن يكون من المتصدّرين. ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيِتَنافَسِ المُتَنَافِسون﴾ [سورة المطففين: 26].
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمود عبد الهادي