الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الخلاف بين قادة العسكر أدوار يؤدونها بدقة متناهية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخلاف بين قادة العسكر أدوار يؤدونها بدقة متناهية

 

 

 

الخبر:

 

قال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية العميد نبيل عبد الله، إن القوات المسلحة وقيادتها، ملتزمة بما تم التوافق عليه في الاتفاق الإطاري الذي سيؤدي إلى توحيد المنظومة العسكرية، وقيام حكومة مدنية، وقد أكد على الالتزام التام بمجريات العملية السياسية، والتقيد التام بما تم التوافق عليه في الاتفاق الإطاري، وأضاف الناطق الرسمي أن البعض يسعى لمكاسب سياسية من خلال المزايدة بمواقف القوات المسلحة، واعتبر أن ذلك محاولة مكشوفة للتكسب السياسي، والاستعطاف، وعرقلة مسيرة الانتقال.

 

التعليق:

 

لقد جاء هذا البيان بمثابة رد على خطاب قائد قوات الدعم السريع الذي ألقاه في قاعدة كرري العسكرية بمدينة أم درمان، والذي قال فيه: "ليست لدينا في قوات الدعم السريع خلافات مع الجيش" مضيفاً أن الخلاف هو بين من يريدون تسليم السلطة للمدنيين، وبين الذين يتمسكون بعدم ترك الحكم.

 

إن هذه المحطة من التراشق بالكلمات، وتبادل الاتهامات بين قادة الدعم السريع وبين قادة الجيش، هي الأخيرة من بين سلسلة من التراشقات وتبادل الاتهامات خلال الأسابيع الفائتة، وقد حظيت باهتمام بالغ، ومتابعة واسعة من المختصين، بل ومن عامة الناس، لما لهذا الاختلاف من خطر ليس على العملية السياسية فحسب بل حتى على الدولة بأكملها، وقد بالغ المحللون في التحليل والتشريح والتأويل، فسلكوا مشارب شتى، فمنهم من اعتبرها بداية لانهيار الدولة، ومنهم من استهان بها واعتبرها مجرد غبار عالق بين القوى الأمنية... إلخ

 

من خلال تتبع مسيرة البرهان وحميدتي، واجتماعهما على صعيد واحد إبان الحرب الأهلية في دارفور، يمكن فهم ما يجري الآن في الساحة، فقد تواطأ الرجلان مع آخرين على إسقاط البشير، ثم اتفقا على فض الاعتصام، وقتل المتظاهرين، ومن ثم محاولاتهما التفرد بالسلطة، وإبعاد الشق المدني بالكلية، وقد سعى محمد حمدان دقلو سعياً حثيثاً لإيجاد قاعدة شعبية لهما من رجالات الإدارات الأهلية، والطرق الصوفية، وأولئك الناقمين من أعضاء الحرية والتغيير. وبعد فشل ذلك المجلس، وقعا سوياً على الوثيقة الدستورية التي تقاسما فيها الحكم مع الحرية والتغيير، ثم اتفقا على الانقلاب الأخير في 2021/10/25م، في محاولة لإبعاد المدنيين عن السلطة مرة ثانية، ومع ذلك فقد عجزا عن تسيير دفة الحكم. وفي آخر المطاف وقعا على الميثاق السياسي الحالي، بعد ضغوط كبيرة من المحيط الإقليمي والدولي.

 

كانت أمريكا حاضرة في كل هذه الخطوات التي يخطوها البرهان وحميدتي، فباركت لهما إسهاماتهما في إسقاط البشير، وسكتت عن الجرائم الشنيعة التي تعتبر بحق جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، حيث قُتل المئات من الشباب وفُقد عدد كبير في عملية فض الاعتصام من أمام القيادة العامة للجيش، وقد امتنعت أمريكا أن تسمي ما جرى في 25 تشرين الأول/أكتوبر انقلاباً، وكل ذلك تم تحت سمعها وبصرها، ولم تدن أياً من تلك الجرائم، ذلك لأنهم رجالها تحافظ عليهم من المساءلة.

 

لذلك فمن غير المنطقي أن تسمح أمريكا للبرهان وحميدتي أن يختلفا في هذه الساعة الحرجة التي يشتد فيها الصراع مع بعض الأحزاب التي جعلت من سفارات الدول الأوروبية قبلتها التي تصلي إليها تستمد منها الخطط والنصائح لخوض الصراع مع الشق العسكري الموالي لأمريكا.

 

إن السير في الاتفاق الإطاري لا يصب في مصلحة أمريكا، وإن كانت تشجعه، ولا في مصلحة كثير من الدول الإقليمية، وهو ما دفع مصر لتكوين كتلة موازية لمركزي الحرية والتغيير، في مسعى لوضع مزيد من العراقيل ضد الاتفاق الإطاري. وأيضاً إن السير في تنفيذ هذا الاتفاق لا يصب في مصلحة حميدتي لأن الاتفاق يشترط دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وهو بمثابة وضع حبل المشنقة على رقبته، حيث يصبح بعد الدمج ضابطاً عادياً في الجيش مهما كانت رتبته، وقد يحال إلى المعاش.

 

كذلك تنفيذ الاتفاق الإطاري يجعل شركات الدعم السريع تحت ولاية وزارة المالية، ما يعني تجريد حميدتي من أي نفوذ يمكن أن يحصل عليه عن طريق المال، لذلك فمن سابع المستحيلات أن يقبل باستكمال الاتفاق الإطاري مهما كان الثمن.

 

أما الجانب الآخر وهو الجيش، والذي يمثله البرهان، فإن الاتفاق الإطاري يؤكد على هيكلته، ما يعني عند المدنيين، أن تكون كل القوات النظامية تحت إمرة رئيس الوزراء، وهذا خط أحمر لدى المنظومة الأمنية كلها، وقد قاله البرهان في أكثر من مناسبة، بأنه لن يسلم قيادة الجيش إلا لرئيس منتخب. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن للجيش عددا ضخما من الشركات الاستثمارية، فجعلها تحت ولاية وزارة المالية يعني جعلها تحت رحمة المدنيين الموالين لبريطانيا، وهو ما لا يمكن أن يُسمح به.

 

مما سبق يمكن القول إن الذي يجري بين قيادة الدعم السريع وقيادة الجيش، إنما هو توزيع الأدوار لعرقلة تنفيذ الاتفاق الإطاري، أو تفريغه من محتواه، عن طريق إعاقة أي محاولة من المدنيين لوضع اليد على القوات النظامية، وفي هذا الصدد قام البرهان بعمل استباقي تحت مسمى إعادة هيكلة الجيش، فألغى منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي هو في كل الحكومات في العالم يكون تابعاً لرئيس الدولة. إن هذا الخلاف الظاهر يحقق مكسباً آخر للبرهان حيث يكسبه ثقة عدد كبير من الضباط الذين ظلوا ناقمين على وضع الدعم السريع الذي اعتبروه جيشاً موازياً للجيش الرسمي للدولة.

 

إن هذا الصراع بين الأحزاب وبين العسكر، وهذه التجاذبات بين العسكر أنفسهم حوّلت حياة أهل السودان إلى جحيم لا يطاق، فبالرغم من تحملهم نتائجها الكارثية، فهي تشير بشكل لا لبس فيه إلى أن السياسيين وقادة العسكر غير مؤهلين لقيادة هذا البلد إلى بر الأمان والعيش الكريم، فعلى أهل السودان السعي الجاد لحل قضاياهم المتمثلة بشكل أساس في النظام الذي تدار به دفة الحياة. فقد تبدل الحكام في السودان مرات ومرات، منهم العسكر ومنهم المدنيون، وكان النظام الرأسمالي الذي يدار به الحكم هو القاسم المشترك بين الفريقين، وهمهم المصالح الشخصية، فلم يورث أهل البلد إلا الفقر والعوز.

 

وللخروج من هذه الدائرة الخبيثة، لزم التفكير بشكل مختلف تماماً، وبوصفنا مسلمين، فلا تعجزنا الحيل، فنظام رب العالمين الذي أنزله من فوق سبع سماوات بين أيدينا فلِم الحيرة إذن؟! قال ﷺ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَكْثُرُ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ».

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس حسب الله النور – ولاية السودان

آخر تعديل علىالخميس, 16 آذار/مارس 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع