- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
لا تجلدوا ظهور الناس! الغلاء سببه عدم تطبيق شرع الله، وليس معاصي الأفراد
الخبر:
في ظل ما تعرفه الأوضاع من غلاء فاحش في كل السلع، بدأت تظهر علينا بين الفينة والأخرى، على وسائط التواصل مقاطع فيديو تدعو الناس للعودة إلى الله واجتناب المعاصي كي تنخفض الأسعار، وتعزو الغلاء إلى كثرة المعاصي الفردية وابتعاد الناس عن طريق الله.
التعليق:
لا خلاف على أن للمعصية شؤماً، وأنها تجلب الضنك والضيق وعسر العيش في الدنيا، وأن طاعة الله على عكس ذلك جالبة للبركة ويسر العيش والحياة الطيبة ليس في الدنيا فقط، ولكن في الدنيا والآخرة. لا نختلف على هذا، ولا نظن أن مسلميْن يملكان الحد الأدنى من الإيمان والعلم الشرعي يختلفان في هذا الأمر.
لكن ما نعيبه على هذه المقاطع أن تحصر المعاصي التي تجلب ضيق المعايش في المعاصي الفردية، وتحصر العودة المطلوبة إلى الله في أعمال الأفراد.
إن المتابع البسيط يدرك أن الغلاء الذي نعاني منه هو نتيجة مركبة من مجموعة أمور:
- ابتعاد عن التحاكم إلى شرع الله عموماً، وعن تطبيق النظام الاقتصادي في الإسلام خصوصاً.
- نهج سياسات اقتصادية وزراعية خاطئة.
- رهن البلاد بالخارج سواء في الاستيراد أو التصدير.
- نظام فاشل فاسد لإدارة الأسواق يدعم كثرة الوسطاء والمضاربين.
وهذه النقاط الأربع هي المعاصي التي توجِد الغلاء، وهي التي يجب أن نتوب عنها، ونعود إلى طريق الله بالإقلاع عنها. أما جلد ظهور الناس، وتكليفهم مسؤولية الغلاء بدعوى أنهم يرتكبون المعاصي، وتبرئة الدولة رغم أنها المسؤول الأول فهذه في حد ذاتها معصية تزيد استحقاقنا للغلاء.
إن في الأمة آلاف الصالحين بل عشرات ومئات الآلاف، فينا من يقيم الليل ويغض البصر وينفق بالليل والنهار ويتورع عن أكل الحرام ولا يتوقف عن ذكر الله،... أفرأيتم إن تضاعف عدد هؤلاء عشرات المرات، وبقيت سياستنا الاقتصادية كما هي، هل سيتغير من واقعنا شيء؟
إن البحث ليس في قدرة الله على الفعل أو إنجاز المعجزات، فالله قطعاً على كل شيء قدير، ولكن الله وضع في هذا الكون سنناً يجب على الناس السير وفقها، ومن هذه السنن ما يتحكم في وفرة المنتجات وأسعارها، ولا يمكن أن نسلك سياسة اقتصادية خاطئة ثم نتوقع أن تترفق أسعارنا لمجرد أننا نقيم الليل، ونعمر المساجد!
إن العودة إلى طريق الله التي سترفع عنا ما نعانيه من غلاء ومن ظلم ومن قهر ومن استباحة الأعداء لخيراتنا وأراضينا ودمائنا، هي العودة إلى تطبيق شرع الله في كل مناحي الحياة؛ في الحكم والاقتصاد والقضاء والتعليم والسياسة الخارجية و... والإتيان بالمخلصين ذوي الكفاية لوضع سياسة اقتصادية فعالة تثمن الإمكانيات وتحسن استغلالها وتنميتها، وتقطع أيدي الطامعين فيها، وتحسن توزيعها على الجميع، حينها لا تدعُ السماءُ من قَطرِها شيئاً إلَّا صبَّتْهُ مِدراراً، ولا تدَعُ الأرضُ من نباتِها شَيئاً إلَّا أخرجتْهُ، حينها فقط لن يبقى على ظهر الأرض محتاج، ونقول الأرض وليس المغرب أو بلاد المسلمين، بل الأرض كل الأرض.
هذه هي العودة إلى الله المطلوبة، العودة إلى الله المنتجة، أما أن نجاهر الله بالمعصية ونتحداه بتطبيق الأنظمة الوضعية والرضا بتقسيم بلاد المسلمين والتعامل بالربا وإظهار الزنا والسفور وشرب الخمور وموالاة أعداء الله، ثم نتوقع أن نعيش في بحبوحة من العيش إذا التزم الناس بالطاعات الفردية فهذا خداع للناس وضحك عليهم. ولو أمكننا أن نعيش في بحبوحة رغم كل هذا الابتعاد عن شرع ربنا، لما كان لنا في شرع الله حاجة أصلاً.
اللهم عجل لنا بفرجك، واجعلنا من شهوده قريباً.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الله