الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
التدرج في تطبيق الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

 

التدرج في تطبيق الإسلام

 

 

الخبر:

 

ما زالت تداعيات نتائج الانتخابات التركية تلقي بظلالها على النقاشات الفكرية بين شباب ورجال العمل الإسلامي بمختلف توجهاته، فالمدونات الإلكترونية ومواقع التواصل وحوارات البرامج المصورة تضج بزخم من المقالات والكلمات، حيث تتباين وجهات النظر في تقييم التجربة المعاصرة لحكم أردوغان وحزبه، وذلك انطلاقا من جملة قواعد بعضها فاسد ومخالف لأصول الإسلام كقاعدة الغاية تبرر الواسطة، وبعضها صحيح في أصله ولكنه ينزل على غير مناطه كقاعدة أخف الضررين، أو قاعدة التدرج الحتمي في التطبيق الشامل للإسلام.

 

التعليق:

 

من المهم جدا لحامل الدعوة أن يمتلك التفكير النقدي العميق، وأن يسعى بكل قوة لرفع المستوى الفكري للمسلمين عامتهم وخاصتهم، وهذا يستوجب ضبط المفاهيم وتحرير معاني المصطلحات أثناء النقاش والدعوة، كي يمنع صاحب الرسالة وصول معان غير مقصودة من رسالته أو حدوث فهم مغلوط عند المتلقي، كما يتمكن من صناعة وعي كاف عند المخاطبين يُمَكِّنهم من الوقاية من مغالطات المضللين وتخليطِ المتعمدينَ إلباسَ الحق بالباطل، وتحريف المصطلحات الصحيحة والقواعد السليمة عن معانيها ومناطها الصحيح.

 

ولضيق المقام سأعرض لمصطلح واحد تضاربت الأفهام في دلالاته حتى انقسم بعض الفرقاء حوله بين رافض له بالكلية دون تحقيق، وبين من يستعمله أداة لفتح أبواب الشر، وتثبيت الباطل عوضا عن اجتثاثه، ألا وهو "التدرج في تطبيق الإسلام".

 

إن التدرج في تطبيق الإسلام وتنفيذ جميع أحكامه في الدولة والمجتمع، ليس أمرا مشروعا فحسب، بل هو أمرٌ حتمي لا مفر منه من الناحية العملية، إذ يستحيل على الدولة أن تنفذ جميع أحكام الشريعة وتحملَ الناس على تنفيذها بين ليلة وضحاها، فالدولة ليست حجرة صغيرة يمكن ترتيب ما فيها بدقائق أو ساعة من نهار، والمجتمع ليس طفلا صغيرا في غرفته يمكن للوالدين مراقبة أفعاله لحظة بلحظة وتدريبه على سلوكيات خاصة أو تنشئته على قيم معينة في سيطرة شبه كاملة، بل الدولة والمجتمع فضاء واسع من الناس والقضايا والمشاكل التي تحتاج إلى معالجات، وبعض هذه المشاكل متراكم في البلاد ومتجذر في النفوس عبر السنين، وبعضها واسع الانتشار لا يخلو منه حي، وبعضها معلن وبعضها خفي، وبعضها أخطر من بعض، ومعالجة هكذا مشاكل تحتاج لجهد كبير، وقوة وحكمة وتدبير، كما تحتاج لترتيب الأولويات، ومراحل في التغيير قد تحتمها طبيعة المشكلة، وهو ما فعله النبي ﷺ وفعله الصحابة من بعده عندما كانوا يباشرون تطبيق الإسلام فيبدؤون بالأخطر والأشدّ إلحاحا، وينجزون ما من شأنه التنجيز الفوري أو السريع وينتقلون لما بعده مما يحتاج إلى مراحل في تنجيزه، وهذه سنة كونية في كل شيء، سواء في الحكم والدولة وحياة الجماعات والمجتمعات، أم في حياة الأفراد وشؤونهم اليومية.

 

ولكن ألسنا نقول: إن الواجب على المسلمين حال وصولهم للحكم والسلطان تطبيق الإسلام بشكل فوري وجذري وانقلابي؟

 

الجواب: نعم دون شك. ولا تعارض البتة بين وجوب التطبيق الانقلابي الجذري والفوري للإسلام، وبين سنة التدرج الحتمية في تنفيذ ذلك وجعله واقعا محسوسا. لأن الدولة الإسلامية لا تكون إسلامية إن لم تجعل الإسلام من يومها الأول بل لحظتها الأولى، مصدرا وحيدا للأحكام والمقاييس، فتعتمد دستورا وقوانين مبنية على الإسلام وحده، تحل حلاله وتحرم حرامه، فتوجب الواجبات كلها بلا استثناء، وتحظر المحرمات كلها بلا استثناء.

 

ولعل سائلا يسأل: لماذا تنكرون إذاً على أصحاب مشروع "التدرج في تطبيق الإسلام" فعلهم، خاصة من يجعلون التجربة التركية الأردوغانية نموذجا لهذا التدرج؟

 

والجواب:

 

أولا: إن ما يزعمه هؤلاء من وصف عملهم في بعض بلاد المسلمين، أو وصف عمل أردوغان وحزبه بالتدرج المشروع والسنة المتبعة، هو تضليل للناس وتزوير للحقائق يصل إلى مرتبة الكذب، لأنهم لا يطبقون من الإسلام وحده ما يسعه الوقت اليوم ثم ينتقلون إلى غيره غدا، بل هم يشرعون الكفر وأحكامه من حيث المبدأ، فيجعلون التشريع للبشر ويفاخرون بالديمقراطية وعلمانية الدولة، ثم يعمدون للمحرمات والموبقات، والمعاهدات الخيانية، والجرائم في حق الإسلام والمسلمين، فيسنون القوانين لترسيخها وتنظيمها ويسخرون سلطان الدولة لتطبيقها، ويزعمون بعدها أن هذا هو مفهوم التدرج في التطبيق الذي عليه النبي وأصحابه وتحتمه سنن الكون.

 

ثانيا: إن التدرج المشروع لا يكون في سن القوانين وتحديد المقاييس بل لا بد للقوانين أن تكون شرعية لا غير، فلا تدرج في تشريع الكفر وصولا إلى تشريع الإسلام.

 

ثالثا: إن الاحتجاج الفاسد بتدرج التشريع زمن نزول الوحي على سيدنا محمد ﷺ، هو احتجاج باطل وخطر على العقيدة، فالنبي كان يبلغ التشريع الجديد لحظة نزوله ويأمر باتباعه ولا يعمل بالمنسوخ بعد النسخ، فلا يتدرج في تشريع ما نزل عليه، ولا يسمح بالحرام بعد تحريمه، وكذلك إجماع الصحابة الكرام على حمل الإسلام للناس كما هو بتمامه دون تبديل أو تغيير، وتعليمه للناس وتطبيقه عليهم وحده ونبذ كل ما يخالفه.

 

رابعا: إن التدرج في تنفيذ الأحكام الشرعية يكون بترتيب الأولويات حسب القدرات والإمكانيات وسعة الأوقات، وتنفيذ ما يحتاج إلى مراحل أولا بأول دون إبطاء، ولا يكون بتطبيق الكفر والمعاصي وحماية بل رعاية وجودها، بزعم أن تلك مرحلة ضرورية للتخفيف منها وصولا إلى حظرها.

 

خامسا: نعم يمكن للقاضي أثناء نظره في القضايا والنزاعات أن يراعي حداثة عهد الناس بالقوانين الجديدة، فيرفق بمن يستحق الرفق، ويعلّم الجاهل، ويقيل ذوي الهيئات عثراتهم، (وهذا باب واسع في الفقه لا يتسع له المقام)، ولكن هذا لا يجعل المحظور مشروعا ولا يعطي للباطل شرعية ولو مؤقتة بل ولا طرفة عين.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الشيخ عدنان مزيان

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع