- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الهجرة ليست غاراً ولا عنكبوتاً ولا يمامة، إنما دولة وقيادة وإمامة!
الخبر:
يكثر الكلام من بعض الدعاة وأهل العلم في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، أن الهجرة كانت مجرد هروب من الواقع المكي، وبحثاً عن الأمان واستقرار لعبادة الله، فهل هي حقاً كذلك؟!
التعليق:
بداية، لقد كانت لقريش الزعامة الدينية والتاريخية على الجزيرة العربية، وكانت لها الوصاية على الكعبة المشرفة، وكانت معظم المناطق تخضع لسيطرتها ونفوذها، ولا تخرج عن قوانينها.
جاءت دعوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، بمفاهيم انقلابية جديدة، تُخضع الواقع لما تريده، ولا تَخضع هي للواقع؛ فقد كانت دعوة صراع وهدم لكل أفكار الجاهلية، وكفاح لرؤوس الكفر والضلال، وتأصيل لعقيدة التوحيد وما انبثق عنها من أنظمة، لذلك كانت دعوة تغييرية جذرية.
لم تكن دعوته ترقيعية إصلاحية، تتلون حسب الواقع؛ فلم يتعايش سيدنا محمد ﷺ مع الواقع المكي الجاهلي بدعوى التدرج في الدعوة، ولم ينزل عند الشروط التي كانت تضعها قريش مبرراً ذلك بالمصلحة، ولم يشارك معهم في الحكم عندما عرضوا عليه ذلك، رغم شدة الأذى الذي تعرض له ﷺ وأصحابه رضوان الله عليهم منذ الصدع بالدعوة، مرورا بالحصار لمدة 3 سنوات في شعب أبي طالب، حتى أكل بنو هاشم ورق الشجر، فلم يبدل ولم يغير في طريقته ولم يخضع لهم، ولم يقل مضطراً للتنازل ولو قليلاً، رغم ما وصل إليه الحال من الضيق الشديد.
إذن حسب المفاهيم المعاصرة، لقد كانت دعوة خير البشر (تمردية) على النُظم الوطنية، خارجة عما يسمى العرف الدولي، لذلك كان محمد ﷺ وأصحابه رضوان الله عليهم حزباً محظوراً بواقع قوانين قريش، ونستذكر هنا قول أحد رؤوس الكفر عتبة بن ربيعة له ﷺ: "إنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فَرَّقت به جماعتهم، وسفّهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم"، أي أنك يا محمد متهم صراحة بتقويض نظام الحكم في مكة، وقد علم المُحنَّك السياسي عتبة ما سيكون لدعوة محمد ﷺ من شأن عظيم، فقال لقريش التي لم تسمع لقوله: "يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليكونَنَّ لقوله الذي سمعت منه نبأٌ عظيمٌ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به".
لم تكن دعوة خير البشر كهنوتية، إذ كان بإمكانه وأصحابه الهجرة جميعاً إلى الحبشة، وعبادة الله بشكل انطوائي تحت حكم النجاشي، والانعزال عن المجتمع، والعيش بأمان وسلام، والبقاء تحت حكم الكفر.
لم تكن دعوته وطنية، إذ لو كان وطنياً لالتزم بقوانين الوطن الوضعية، ولما جاء ليُغير عليهم طريقة عيشهم، ويهدد استقرارهم ويغير أحوالهم، ولما قاتل أهل "وطنه" فيما بعد في معركة بدر.
ولمّا تجمد المجتمع المكي أمام دعوة سيدنا محمد ﷺ، وتوفي عمه الذي كان يحميه، أخذ يطلب النصرة من القبائل المجاورة، صاحبة القوة والمنعة، وهذا مخالف للمفاهيم الوطنية، وقد كانت طلباً صريحاً لحماية دعوته، وإعطائه النصرة لإقامة حكم الإسلام، حتى هيأ الله له أنصار المدينة.
كانت الهجرة هي الحدث السياسي الأبرز في تاريخ الإسلام والمسلمين؛ ذلك أنه لم يكن للمسلمين دولة، والإسلام لا يقوم بدون طريقته، والأحكام لا تطبق بدون دولة؛ فكانت الهجرة النبوية انتقالا من مجتمع جاهلي إلى مجتمع اعتنق الإسلام، وقرر أن يجسد حضارته العريقة العابرة للحدود.
قال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس عمر فروخ