- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
عقيدة الإسلام وشريعته وليس مخالفة الفطرة
هي دوافع محاربة الشواذ جنسيا وفواحشهم وإزالة منكرهم
الخبر:
يزداد الترويج لأفكار وممارسات الشذوذ الجنسي بما فيه من فواحش إتيان الرجال للرجال والنساء للنساء، والتشجيع على تحويل الجنس من ذكر إلى أنثى وبالعكس، فوق ما في ذلك من فواحش الإباحية وخلع كل رداء للحياء. وقد بلغ الأمر حداً كبيراً من الخطر لأنه دخل مرحلة النشر الإعلامي والدعائي الذي يدخل كل البيوت ويشاهده الأطفال. وتعمل على نشره وتركيزه دول الغرب وبخاصةٍ أمريكا، في كل بلاد العالم بما فيها بلاد المسلمين ومجتمعاتهم. وكلها تحرص على الترويض القسري على هذه الفواحش وفرضِها بالقانون، وبالتعليم والإعلام والدعاية والمال وشتى الوسائل، بما في ذلك عملاؤهم والمنظمات التابعة لهم التي تتواصل مع الشباب والنساء والأطفال في حملات تغزو المدارس والبيوت والمؤسسات وحيثما يمكنهم ذلك. وتدل الوقائع على أن مروجي هذه الفواحش يزدادون نشاطاً وانتشاراً، في حين يزداد المسلمون الذين يواجهونها شعوراً بعبء المواجهة وصعوبتها وضعفها، وينتاب عامتهم شعورٌ بضعف جدواها بسبب الهجمة الغربية القوية والمنظمة والشاملة، ولا يُخفون ما ينتابهم من شعور العجز والخوف على دينهم وأولادهم وأحفادهم.
التعليق:
أما من حيث واقع هذه الهجمة والقائمين بها، فقد صارت حديث الناس في العالم بمختلف مللهم ونحلهم، وكأنها هجمة بجيوش من شياطين الإنس والجن معاً. وهي في واقعها حربٌ تاريخية ومفصليةٌ على الإسلام والمسلمين، وعليهم أن ينبروا لمواجهتها والتخطيط للقضاء عليها، لأنها انتهاك لعقيدتهم وقطعيات شريعتهم، ولأعلى مقاصدها وقيمها. فهي تنتهك الإسلام وحاكمية الله سبحانه وتعالى بشكل فائق الصلافة والفجاجة، وتنتهك العقل والنفس والعرض والكرامة الإنسانية. وهي في الوقت نفسه إعلان وتقريرٌ لانفلات الإنسان من كل قيد، وحتى من الإحساس نفسه، ومن أدنى أنواع الشعور الفطري أو الغريزي الذي حتى الأنعام تملكه. وينطبق على الداعين إلى هكذا فواحش والمروجين لها والسائرين فيها ضياعُ العقل، وعدمُ الفهم، وفقد التمييز أيضاً. وذلك أنهم يجادلون بأنه لا يوجد ذكر وأنثى، وبأنه لا يوجد فرق بينهما، وأن الفرد نفسه هو الذي يقرر لنفسه ماذا يريد أن يكون بغض النظر عن واقعه المحسوس. ومن بلغ به الحال أن يجادل في هذا بتبجح وإصرار، ينطبق عليه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾. فهم عمليّاً أضلُّ من الأنعام، وبإنكارهم الفرق بين الذكر والأنثى أو بين المرأة والرجل، فإن ضلالهم لا يقتصر على فقد العقل والفهم، بل هم يفقدون حتى الإحساس والشعور الذي تملكه البهائم والأنعام، التي تستفيد من أعينها وآذانها وسائر حواسها، في الإدراك الغريزي أو التمييز الفطري.
وهذه الطروحات انتهاك لحاكمية الله أي للعقيدة الإسلامية وقطعيات الشريعة، لأنها تحكيم للهوى بدل الشرع، وطمس للعقل والإحساس كما تقدم. قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾. وغنيٌّ عن الذكر أن ما يروجون له هو مما هو معلوم من الدين بالضرورة أنه من كبائر الفواحش. لذلك كانت هذه الهجمة وحملاتها العالمية، عملاً شيطانياً وحرباً على الله ورسوله ودينه وعباده، بغض النظر عن أهداف القائمين عليها. وكان المسلمون معنيين بها بشكلٍ خاص، وينبغي أن تكون بالنسبة لهم قضية مصيرية.
والواقع أن المسلمين يدركون أن هذه الحملات انتهاك لمقدساتهم وأعراضهم، ويتوفر فيهم رأي عام قوي رافض لها ويريد التخلص منها، ولكن أعمال المواجهة الجارية التي يقومون بها متفرقة وضعيفة ولا تصمد أمام إمكانات الأعداء. من ذلك مثلاً أن مجموعة من الشباب في مصر وغيرها بادروا إلى إنشاء صفحة في الفيسبوك في حزيران الفائت 2022، تحت عنوان "فطرة" لمواجهة المثلية الجنسية، ولقيت الصفحة تأييداً كبيراً وبلغ عدد متابعيها مليونين، فقامت إدارة الفيسبوك بإغلاقها بغير أي سبب أو سابق إنذار! هنا مصدر الخبر.
وبناءً على خطر هذه الحملات على المسلمين، وعلى وجوب مواجهتها والقضاء عليها، وعلى ما يعتري أعمال المواجهة الجارية من تفرق يضعفها، وأخطاء تضعف جديتها وجدواها، تنبه هذه المقالة إلى ثلاث نقاط:
الأولى: إن أعمال المواجهة الجارية دون الحجم والمستوى المطلوب بكثير. فهي قليلة جداً، ومتفرقة، وتكاد تكون فردية وحماسية أو شعورية، وإذا اتخذت شكل العمل الجماعي، فبواسطة مجموعات قليلة العدد والجدوى. ومع ما فيها من شروح صحيحة وبيان لأحكام شرعية، فهي في الأغلب الأعم بعيدة عن التخطيط الهادف، وليس فيها أكثر من "قل كلمتك وامشِ". بينما تظل تلك الحملات ماضية في غزوها وإفسادها. وإذا كان لأعمال المواجهة تأثير عليها، فليس أكثر من إبطائها أو تأجيل بعض أعمالها بسبب ضغط الرأي العام، لترجع بعد ذلك وقد ازدادت إصراراً وسفوراً واستفزازاً. والمراد بهذه النقطة أنه يجب على المتصدرين للمواجهة بجدٍّ وقصد أن يقوموا بالأمر بناء على نظر وتخطيط، وأن تكون غايتهم كبيرة لا تقل عن القضاء على حملات الفواحش والشذوذ قضاءً مبرماً. وهذا يوجب عليهم الاستقواء بالأمة، أفراداً ومجموعات وجماعات، وبما يمكن من مختلف طاقاتها، فهي المسؤولة أساساً عن حفظ الدين ومقاصده.
النقطة الثانية: أن تكون المواجهة على صعيدها الصحيح والكامل والشامل. أي أنها صراع بين الإسلام والكفر، أساسه العقيدة والأحكام الشرعية، ليكون الخطاب للأمة والناس جميعاً على أساس الإسلام وحده. وسبب هذه النقطة أن معظم الجهود المبذولة حالياً في هذه المواجهة - رغم تواضعها - ترفع شعار الفطرة، وأن الشذوذ يخالف الفطرة وما إلى ذلك. ومع أن هذا صحيح، فهو ليس الدافع الصحيح لهذه المواجهة. فالقضية في هذا الأمر هي أن الحاكمية لله وحده سبحانه وتعالى، ومصدر تعيين الحق والباطل في الأعمال والعلاقات هو الإسلام من غير نظر إلى موافقة الفطرة أو مخالفتها. وهي أيضا إبطال أفكار الحريات العامة والحرية الجنسية، وخزعبلات أنَّ الإنسان يملك جسده وما إلى ذلك. وعليه، فإن بناء المواجهة على مخالفة الفطرة خطأٌ كبيرٌ.
وقد يجادل بعض المستندين إلى موضوع الفطرة بأن هذه الهجمة الغربية مليئة بالشذوذ وتناقض الفطرة فعلا. وبأن الاستناد إلى مخالفة الفطرة يجلب تأييداً من غير المسلمين أيضاً، وربما يصرف عن المسلمين المواجِهين وصف التعصب وما إلى ذلك. والجواب أن هذا ينبغي أن يكون دافعاً لنبذ استخدام فكرة مخالفة الفطرة كلياً. فلا يصح اعتماد مناهج الكفر والكفار لنيل تأييدهم في المواجهة والصراع. إضافةً إلى أنه ينبغي الإسفار ودفع المسلمين إلى الإسفار بأنّ أي فكر أو تشريع يناقض الإسلام أو ليس منه فهو مردود بداهةً.
وأهم مما تقدم، ما في الأمر فوق ذلك من خطر خفي. وذلك أنّ بناء المواجهة على مخالفة الفطرة لا يخلو من إقرار خفي للكفر على منهجه في اتباع الهوى في التشريع بدل الشريعة الإسلامية. فاستناد المسلم إلى موافقة الفطرة في تحديد موقفه الشرعي يحمل معنى أن يقوم الإنسان بتشريع الأحكام بما يوافق الفطرة أو الواقع، وهذا اتباعٌ للهوى وليس للشرع، وهو شأن الكفار من دعاة العلمانية والديمقراطية وأضرابهم.
أضف إلى ذلك أنّ رفع شعار الفطرة في هذه المواجهة لا ينبه المسلمين إلى أنّ القضية مصيرية ومسؤوليتهم فيها خطيرة، فتظل طاقات المسلمين معطلة. والذي يفعِّل هذه الطاقات ويُدخِلها حلبة البذل والصراع هو وضع القضية في صعيدها الصحيح وهو أنها صراع عقدي شرعي بين الإسلام والكفر.
أما النقطة الثالثة فهي ترجع إلى الأولى، وهي أهمية وضع خطط مواجهة تحرك المسلمين للمواجهة المجدية. فلا يقتصر الأمر على بيان أحكام الإسلام في هذه الهجمات، ولا على الخطب والمحاضرات، ولا على مناشدات الجهات الرسمية، وإنما تُخاطَب أوَّلاً الجهات المتصدرة للمواجهة لأجل التعاون والتخطيط المسؤول، والاعتماد على طاقات المسلمين قدر الإمكان لمنع انتشار هذه الفواحش والمنكرات، ولإزالتها والقضاء على وجودها وفق منهج الاستطاعة. قال تعالى: ﴿وَتَعاوَنوا علَى البِرِّ والتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَديدُ العِقَابِ﴾. وروى مسلم عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن النبيَّ ﷺ قال: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمود عبد الهادي