- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
المادية تعيث فساداً في المجتمع وتتسبّب في انتشار الاكتئاب والقلق
(مترجم)
الخبر:
ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن حوالي 49.500 شخص انتحروا في العام الماضي في الولايات المتحدة، وهو أعلى رقم على الإطلاق، وفقاً للبيانات الحكومية الجديدة المنشورة يوم الخميس 10 آب/أغسطس. مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، التي نشرت الأرقام، لم تحسب بعد معدل الانتحار لهذا العام، لكن البيانات المتاحة تشير إلى أن حالات الانتحار أصبحت أكثر شيوعاً في الولايات المتحدة من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية.
التعليق:
أمريكا هي أغنى دولة على وجه الأرض، حيث يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 26.854 تريليون دولار، وفيها أكبر عدد من السيارات والأدوات والأجهزة والأشياء الشخصية في العالم. إن أرقام الانتحار التي أبلغت عنها مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها تطرح السؤال، لماذا الناس غير سعداء في أغنى بلد في العالم؟!
أنهى ما يقرب من خمسين ألف شخص حياتهم بالتخلي عن صراعات الحياة في العام الماضي وحده. علاوة على ذلك، هناك اتجاه متزايد على أساس سنوي في أعداد الأشخاص الذين ماتوا بسبب الانتحار. جميع المؤشرات لقياس نوعية الحياة والرعاية الصحية المتاحة لشعب أمريكا هي من بين أفضل عشرة مؤشرات في العالم. ومع ذلك، هناك الكثير من اليأس والمعاناة في الحياة!
ويستمر الدين في التصدي للإلحاد، إلى جانب حصره في دور يتقلص باستمرار في الحياة والمجتمع. وقد سمح هذا للنفعية بأن تصبح واحدة من الأفكار التأسيسية الفلسفية للحضارة الغربية وهي أن المنفعة هي مقياس الأعمال. تعتبر النفعية الممتلكات المادية للفرد فقط هي معايير السعادة والنجاح. وهذا يخلق عقلية القطيع للمنافسة الشرسة. إن النفعية تحرض على السباق نحو تراكم الثروة، على افتراض زائف مفاده أن المزيد هو الأفضل.
وقد أدى هذا التركيز الوحيد على المكاسب المادية، على حساب كل القيم الأخرى، إلى ظهور مجتمع حيث يعتبر الهروب من الواقع، من خلال تعاطي المخدرات الخفيفة أو القوية، سلوكا طبيعيا، فضلا عن النرجسية البائسة. لقد أصبح المجتمع الذي يعيش فيه الغربيون مضطربا، وقد انتشر فيها الشر وكل أنواع الفساد.
إن أي إنسان محترم سيشعر بالاختناق في مثل هذه البيئة. روبن ويليامز (1951 - 2014) ممثل كوميدي أمريكي، يعتبر أحد أعظم الكوميديين في كل العصور، وقد حصل على العديد من الجوائز بما في ذلك جائزة الأوسكار، وجائزتي Primetime Emmy Awards، وستة جوائز Golden Globe، وجائزتي نقابة ممثلي الشاشة، وخمس جوائز جرامي، مع ثروة صافية قدرها 50 مليون دولار، وعائلة وأطفال، ومهنة ناجحة، وكان لديه كل ما يمكن أن يشكل النجاح والسعادة بكل المعايير الغربية، ورغم ذلك شنق نفسه لينهي حياته!
اليوم، أصبح القلق والاكتئاب أسماء مألوفة في الغرب، حيث تشير أحدث التقديرات السكانية من التعداد السكاني لعام 2021 في بريطانيا، المنشور في 28 حزيران/يونيو 2022، إلى أن 14.7% من السكان، أي 56.5 مليون شخص، تلقوا وصفة طبية واحدة على الأقل للأدوية المضادة للاكتئاب في 2022/2021. وبالمثل، في أمريكا، كانت مضادات الاكتئاب ثالث أكثر الأدوية الطبية شيوعاً التي يتناولها الأمريكيون من جميع الأعمار في الفترة 2005-2008 والأكثر استخداماً من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18-44 عاماً. من عام 1988 إلى عام 1994 حتى عام 2005 إلى عام 2008، ارتفع معدل استخدام مضادات الاكتئاب في أمريكا بين جميع الأعمار بنسبة 400٪ تقريباً. هذا السباق نحو النعمة الزائفة له أثر أكبر على النساء، حيث الإناث أكثر عرضة مرتين ونصف لتناول الأدوية المضادة للاكتئاب مقارنة بالذكور.
لقد أصبحت هذه المادية النفعية لعنة على الوجود الإنساني، ترهق الإنسان في بذل جهود غير إنسانية، للحصول على تلك السعادة المزيفة. هذه السعادة لا توجد إلا في نهاية قوس الطيف الخيالي للحياة، فقط لتكتشف أنه على طول الطريق قد ضاع كل شيء آخر، إلى الأبد. إن هذا الواقع المتناقض، الذي يمكن أن يكون فيه المرء في أقصى درجات اليأس والتملك في الوقت نفسه، هو شهادة على حقيقة أن البشر لا يستطيعون ابتكار نظام قيم للمجتمع. المجتمع الراقي يتمتع بالتوازن الصحيح بين القيم المطلوبة في العمل، التوازن بين القيم المادية والإنسانية والأخلاقية والروحية.
لقد طلب الإسلام أن تنظم حياة الإنسان بما أنزله الخالق عز وجل. ولذلك فإن الشرع وحده هو الذي يحدد للمجتمع القيم في العمل الذي يستهدفه ويخصصه له وقت القيام به. وقد حلت الشريعة مشاكل الحياة بوضع الأوامر والنواهي عليها، وألزمت الإنسان أن يسير في هذه الحياة وفقها.
إن الله سبحانه وتعالى، كونه العليم الحكيم، هو وحده القادر على توفير نظام قيم متوازن ويؤدي إلى أفضل النتائج. وقد ضمت الشريعة الأخلاق في أحكامها لتحقيق القيم الأخلاقية حلاً عبقرياً، ينتج حتماً مجتمعاً متسربلاً بالمعايير الأخلاقية العالية. إلى جانب أن الأحكام الشرعية متسمة بالأخلاق.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس محمد أكمل – ولاية باكستان