- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
هل الانتخابات المحلية في تركيا مصيرية بالنسبة لأردوغان؟
الخبر:
صرح الرئيس التركي أردوغان يوم 2024/3/11 قائلا "هذه آخر انتخابات لي، وبموجب التفويض الذي يمنحه القانون، هذه هي انتخاباتي الأخيرة". وظهر تركيزه على كسب المدن الكبرى التي خسرها وخاصة إسطنبول. والتي قال عنها سابقا إن من يكسبها يكسب تركيا. بينما يزداد السخط عليه بسبب موضوعين مهمين هما الاقتصاد وغزة.
التعليق:
تصريحات أردوغان تظهر أنه يتحدث عن مصيره ومصير حزبه. حيث إن وجود حزبه مرتبط بشخصه، فإذا هو ذهب أو سقط فربما يندثر حزبه. فيريد استمرار حزبه من بعده والمحافظة على زعامته وتأثيره بعد أن تنتهي ولايته الثانية التي بدأت عام 2023 والتي تعتبر الأخيرة قانونيا وتنتهي عام 2028، إلا إذا تمكن من القيام بتعديلات دستورية على غرار التعديلات الدستورية التي أجراها المجرم بوتين في روسيا والذي وصفه بأنه صديقه العزيز. إذ تعاونا معا على إجهاض ثورة الأمة ضد النظام السوري الإجرامي برئاسة الطاغية بشار أسد. فوجه طعنة غدر لهذه الثورة كما وجه طعنة غدر لغزة التي كانت تأمل أن ينصرها فخذلها وساعد العدو عليها.
علما أن خذلانه لأهل غزة واستمراره في العلاقات مع كيان يهود وخاصة العلاقات التجارية على أعلى مستوى قد أثر على شعبيته كثيرا حتى في داخل تركيا، إذ إنه يمد العدو يوميا بثماني سفن محملة بكافة المواد كما أعلن وزير مواصلاته، بينما هذا العدو يمنع عن أهل غزة حتى شربة الماء أو لقمة الخبز وهو يمعن فيهم قتلا وفتكا، وخاصة الأطفال والنساء، وتدميرا لكل ممتلكاتهم. وأردوغان لا يكترث لذلك، إلا ببعض التنديدات المبتذلة التي لا تغني ولا تسمن من جوع. وكأنه تلقى جائزة من أمريكا على موقفه الغادر، بتعهدها أن تدعمه ولا تسقطه، ولا تضغط عليه في الناحية الاقتصادية التي أثرت على شعبيته بشكل ملحوظ.
فالناس يشكون من تردي أحوالهم المعيشية ومن الغلاء، فقيمة الليرة تنخفض باستمرار، والأسعار ترتفع باستمرار أيضا. والديون الخارجية تتراكم، خاصة الديون قصيرة الأجل لعام واحد أو أقل، حيث أعلن البنك المركزي في شهر كانون الأول 2023 أنها بلغت 226,6 مليار دولار. ولجلب السيولة لتسديد الديون رفع البنك المركزي النسبة الربوية لنحو 50%، ومعنى ذلك أيضا أن البنوك ستقرض الناس بنسبة ربوية أكثر من ذلك ما سيؤثر على سوق العمل وإقامة المشاريع.
وأردوغان ومن معه لا يكترثون بحرمة الربا وبأنهم في حرب مع الله ورسوله! علما أنه يطبق نظام الكفر منذ 22 عاما. فهذه الديون قصيرة الأجل كافية بأن تطيح بأردوغان وحزبه لولا الدعم الأمريكي، الذي ظهر بشكل علني عندما أعلنت شركات التصنيف الأمريكية الدولية فيتش يوم 2024/3/13 وستاندر آند بورز يوم 2024/3/27 توقعاتها بنمو الاقتصاد التركي بنسب مئوية أعلى لهذا العام والعام القادم. فهي تأتي قبل الانتخابات كشهادات مزورة لدعم حزب أردوغان.
فيظهر أن موقفه المتخاذل من غزة وعدم قطعه علاقاته مع كيان يهود وعدم قيامه بأدنى ضغط عليه له علاقة بتلقي الدعم الأمريكي بسبب وضعه الاقتصادي المتردي، وقد تعهد لأمريكا بالحفاظ على هذا الكيان. أي أنه باع غزة وفلسطين وأهلها مقابل حمايته من السقوط إذا رفعت الدعم عنه عندما يتحرك الدائنون بالمطالبة بسداد ديونهم قصيرة الأجل كما حصل مع حكومة أجاويد عام 2002.
فموضوع غزة والوضع الاقتصادي يضغطان بقوة على وضع أردوغان وحزبه، والأحزاب الأخرى بدأت تستغل هذين الموضوعين. إذ يبدو أن كسبه للمدن الكبرى أنقرة وإزمير واسطنبول بعيد المنال رغم الدعم الأمريكي له.
وإذا فشل في هذه الانتخابات فإن مستقبله ومستقبل حزبه على المحك، ويكون قد وضع قدمه على الحافة ليتجه نحو الهاوية. وهذا سيؤثر على زعامته في المستقبل، بأن لا يبقى له تأثير يذكر، فلا يستطيع أن يلعب دورا في تعيين الشخصيات في الحزب أو في الدولة أو توجيه السياسة عندما يصبح خارج الحكم، عدا اللعنات التي ستلاحقه بسبب موقفه المتخاذل والغادر لقضايا المسلمين والوعود الكاذبة بأنه سينصر الإسلام.
علما أن مصير الأحزاب التركية مرتبط بالزعامات، فعشرات الأحزاب الكبيرة والصغيرة اندثرت عقب ذهاب زعيمها. فهي عبارة عن تجمع أفراد لتحقيق مصلحة للوصول إلى الحكم وتقاسم المغانم، ولهذا فإن السمة التي تظهر عليها هي الولاء للزعامات والصراعات الشخصية. فأردوغان نفسه عمل على تصفية جل المؤسسين معه للحزب حتى يتفرد بالزعامة.
ويأتي آخرون ربما من داخلها ليشكلوا أحزابا أخرى على المنوال نفسه وللغاية ذاتها. وكل هذه الأحزاب يفرض عليها تبني أسس الجمهورية العلمانية الكمالية القومية الديمقراطية، ويحظر قانون الأحزاب التركي تأسيس حزب يستند إلى الإسلام أو يدعو إلى إقامة الخلافة.
ولهذا فإن هذه الأحزاب كلها لا تعمل على تحقيق نهضة الأمة وتغيير المجتمع تغييرا جذريا صحيحا، بل ترسخ الواقع السيئ الموجود في المجتمع منذ هدم الخلافة والشريعة وتزيد من تعقيداته ومشاكله. وجل تركيزها على تحسين الوضع الاقتصادي ولم تستطع تحقيقه، لأنها لا تدرك الكيفية الصحيحة لذلك، وجعلت الناس يركزون عليه ويلهثون وراء المكاسب المادية، دون الاهتمام ببناء شخصية الإنسان وبناء المجتمع وإقامة الدولة على أسس صحيحة، بل عمقت من فساد المجتمع والإنسان، والدولة بحد ذاتها فاسدة باطلة ينخرها السوس.
ولهذا احتاجت الأمة لحزبها المبدئي القائم على أسس دينها الحنيف والذي يستمد فكره وحلوله من الكتاب والسنة ويجعل إقامة الخلافة طريقة لتطبيقها، فيقوم بإيجاد الشخصيات الإسلامية ورجل الدولة ويعمل على بناء المجتمع ليكون مجتمعا إسلاميا تسوده القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية والمادية بالمستوى نفسه ومقياس الأعمال الحلال والحرام، فهي قائمة على مزج المادة بالروح أي إدراك الصلة بالله عند القيام بالأعمال، والمثل الأعلى نيل رضوان الله.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسعد منصور