- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الأحداث في قيصري التركية عصبية جاهلية
الخبر:
شهدت مدينة قيصري التركية أحداثا عصيبة مؤلمة، وذلك بعد أن أشاع بعض الشباب أن طفلة تركية قد تعرضت للتحرش من قبل شاب سوري لاجئ في المدينة. (وكالات)
التعليق:
بغض النظر عن حقيقة المُشاع أو الأسباب المباشرة للأحداث فإنها تدل على تغلغل النزعة القومية وهيمنتها على بعض جوانب الحياة وعلى وجه الخصوص الحياة السياسية.
من المشين أن نجد بعض المسلمين ما زالوا يهتفون للقوميات ويرفعون رايات وطنية، وتحركهم مشاعرهم العصبية القبلية متجاوزين بذلك أحكام الشرع في معاملتهم بعضهم بعضا، وقد سيطرت عليهم سموم العنصرية التي زرعها شياطين الاستعمار في بلاد المسلمين لتفريقهم وإضعافهم حتى يتمكن الكافر المستعمر من السيطرة عليها وإبقاء الأمة تحت هيمنته وسلطانه.
نعم، هذا ما أراده الكافر المستعمر وعمل لأجل تحقيقه قرونا طويلة، حتى تمكن بهذا السم القومي والسلاح العنصري أن يفتك بالأمة ويفرقها ويقسم البلاد على أنقاض دولة الخلافة، ويعطي كل جهة راية ويضع على كل دويلة أميرا مأمورا يكرس الفرقة ويعمل على تثبيت الحدود وحراستها بكل ما أوتي من قوة، حتى أصبح شغل الجيوش الفعلي هو حراسة هذه الحدود وحماية العروش. بل إن قوانينهم تُجرِّم من يُحقر راياتهم أو يسخر من أعلامهم الخرقة. ولتثبيت هذا نشروا الفكر القومي وروجوا للعنصرية في كل مناحي الحياة، وليس هذا مقتصرا على تركيا أو بلاد العرب، بل هي ظاهرة نلمسها في البلاد الإسلامية كافة.
اعتبار أردوغان أن الهجمات على ممتلكات السوريين واعتداء السوريين على العلم التركي في شمال سوريا، اعتباره أنها تأتي ضمن مخطط فوضى مدبر هو اعتبار خال من المضمون، وكلمة حق أريد بها باطل، لأن سياسته القائمة على الأسس القومية التي وضعها المجرم الخائن مصطفى كمال منذ أن قضى على دولة الخلافة هي السبب في هذه الخلافات وهذه النعرات الفاسدة المنتنة. وقد كان على أردوغان أن يبين للمعتدين والمعتدى عليهم أنهم إخوة في الدين لا تفرقهم حدود ولا يتنازعون على أرض، فبلادهم جميعا واحدة وأمتهم واحدة، ولا فرق بين سوري وتركي. لكنه بدلا من ذلك يوقع اللوم على المعارضة أو قوى خفية تعمل على زعزعة الأمن في البلاد؛ خشية منه على مقامه وسلطانه.
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾، ويقول: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.، فكيف نتلوا هذه الآيات صباح مساء ولا نتدبرها ونحققها واقعا في حياتنا السياسية والاجتماعية؟! وعن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ، رضي الله تعالى عنه يَقُولُ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي غَزْوَةٍ - قَالَ: يَرَوْنَ أَنَّهَا غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ - فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا للأنصار! وقال الْمُهَاجِرِيُّ: يَا للمهاجرين! فسمع ذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟» فَقِيلَ: رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ». وروى مسلم عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ».
إن الأحداث الجسيمة التي تمر بها الأمة الإسلامية هذه الأيام في فلسطين على وجه الخصوص، ومواجهة يهود مباشرة من قبل فئة ضعيفة في قتال وحصار وتجويع، وقد تكالبت الأمم من كل حدب وصوب على الإسلام تشويها وتحريفا ومحاربة، هذه الأحداث جديرة أن ترفع الغشاوة عن أبناء الأمة الإسلامية وتدفعهم للتوحد لمواجهة هذه الحملات الشرسة صفا كالبنيان المرصوص، ونصرة إخوانهم المستضعفين في غزة وهم يستصرخون الأمة لنصرتها، ولكن المؤسف أن نرى النزاع الأشد والقتال المحتدم دائر بين الأهل والإخوة في السودان وليبيا واليمن والعراق وسوريا ومصر وتونس وتركيا وغيرها من بلاد المسلمين!!
الأمة الإسلامية بمجموعها تتوق إلى استعادة سلطانها وتحكيم شرع الله لتكون كما كانت في الصدارة بين الأمم، ولكن فئات متسلطة وأخرى منتفعة وبعض المضبوعين هم الذين يحولون دون تمكين الأمة من سلطانها، فينبغي أن توجه سهام الصراع نحو هذه الفئات العميلة وأن تحارب أفكارهم الفاسدة التي يروجونها حتى لا يبقى لها أثر في المجتمع ويُكنسوا مع أفكارهم وتكشف مخططاتهم، وتستبدل بها أفكار الإسلام وتوضع أحكامه موضع التطبيق فتزول هذه الفروق المصطنعة وتمحى هذه الحدود الزائفة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. يوسف سلامة