الأحد، 27 صَفر 1446هـ| 2024/09/01م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
أعمال شغب ضدّ المسلمين في بريطانيا  تومي روبنسون، وكيف تخلّص الثّعلب من براغيثه!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أعمال شغب ضدّ المسلمين في بريطانيا

تومي روبنسون، وكيف تخلّص الثّعلب من براغيثه!

(مترجم)

 

 

الخبر:

 

شهدت المملكة المتحدة أسبوعاً من أعمال الشغب العنيفة أو الفوضى في 37 بلدة ومدينة منذ مقتل ثلاث فتيات صغيرات في 29 تموز/يوليو 2024، أُلقي اللّوم فيه زوراً على مهاجر مسلم. وقد أُصيب العشرات من ضباط الشرطة على النحو التالي: ساوثبورت: 53، روثرهام: 51، هال: 11، سندرلاند: 4، بليموث: 3، ستوك أون ترينت: 3، ليفربول: 2، وايموث: 2، تامورث: 1. وتم القبض على المئات من مثيري الشغب، ويتم إصدار أحكام بالسجن على أولئك الذين ثبتت إدانتهم إما بالاضطراب العنيف أثناء أعمال الشغب أو باستخدام وسائل التواصل الإلكتروني للتحريض على العنف. والآن بعد أن هدأت أعمال الشغب، لا يزال السخط الهائل في المجتمع يغلي تحت السطح.

 

التعليق:

 

ولكن لماذا حدث هذا؟ هناك وجهتا نظر متعارضتان، ولكن كلتيهما غائبتان؛ الأولى هي أنّ لا شيء يمكن أن يبرّر العنصرية المعادية للمسلمين وأن أعمال الشغب كانت مدفوعة بمعلومات مضلّلة من قِبَل "اليمين المتطرف" وأضفى عليها تومي روبنسون، رئيس رابطة الدفاع الإنجليزية المنحلة، الاحترام. أما وجهة النظر الثانية فهي أنّ العنف الذي صاحب أعمال الشغب كان خاطئاً، ولكنه نابع من إحباطات مشروعة لدى الإنجليز البيض العاديين الذين يخشون المهاجرين المسلمين الخطرين الذين يسيطرون على بلادهم ويرفضون قيمهم البريطانية. ومن المؤكّد أن تومي روبنسون لعب دوراً كبيراً من خلال تنظيم المسيرات وإصدار مقاطع فيديو دعائية مطولة مثل سلسلة "اغتصاب بريطانيا" التي زعم فيها أنّ الجاليات المسلمة في بريطانيا تُسيء معاملة الفتيات البريطانيات فيما أسماه "جهاد الاغتصاب". وكانت دعايته التي تروج للخوف شديدة التحريض، ولكن لا بد أن شيئاً آخر قد جعل الناس يتقبلون رسالته إلى هذا الحد. فبينما كانت أعمال الشغب جارية، دعا أنصاره إلى التصرّف سلمياً، ومع ذلك كانت طبيعة خطابه مليئة بالإلحاح ورسم صورة شريرة، ليس فقط للمسلمين، بل وأيضاً للشرطة البريطانية والسياسيين ووسائل الإعلام التي زعم أنها تسمح للمسلمين "بالسيطرة" على بريطانيا. كلمات تحريضية، نعم، ولكن لماذا يكون الناس على استعداد لتصديقه؟!

 

أمّا بالنسبة للرأي الآخر، فإنّ أغلب الناس في المملكة المتحدة يزدادون فقراً بالفعل، وفي مثل هذه الأوقات من السّهل إلقاء اللوم على فقراء آخرين؛ مثل المسلمين. أمّا عن استيلاء المسلمين على بريطانيا، فهذا محض خيال. ولكن هذا ما يعتقده مثيرو الشغب ومن يؤيدونهم! وفي هذا الرأي، لم يجعل تومي روبنسون الناس يصدقون ذلك بل هو يزعم أنّ هذا حقيقة، وكان ببساطة يردّد ما يعتقده كثير من البيض ولكنهم كانوا خائفين للغاية من قوله.

 

إذن، يلقي البعض بالّلوم على تومي، ولكن تومي يلوم الناس؛ على الرّغم من أن تومي يقول إن الناس محقون لأن الإسلام والمسلمين سيئان إلى الحد الذي كان لزاماً علينا أن نفعل شيئاً، وأن الساسة البريطانيين ووسائل الإعلام تجاهلوا المشكلة.

 

إنّ أولئك الذين يعملون في وسائل الإعلام والحكومة ويتطلعون إلى إلقاء الّلوم على شخص ما بسبب معاداته للإسلام والكراهية ضدّ المسلمين يذكروننا بقصة قديمة للأطفال عن "الثعلب وبراغيثه". ففي هذه القصة يتخلّص ثعلب ماكر من براغيثه عن طريق عضّ قطعة من الصّوف والمشي ببطء في الماء. ومع تعمقه أكثر فأكثر، تزحف البراغيث إلى أعلى فأعلى على جسده لتحميه نفسها من الغرق، حتى يغمر الماء جسد الثعلب بالكامل وتلتصق البراغيث كلها برأس الثعلب. ثمّ يخفض الثعلب رأسه ببطء تحت الماء حتى يصبح أنفه فقط فوق الماء وتستقر عليه جميع البراغيث. وأخيراً، عندما ينزلق أنفه تحت مستوى الماء، فإن الملجأ الوحيد المتبقي للبراغيث هو قطعة الصوف التي يمسكها بأسنانه، وتقفز جميعها عليها؛ وعندها يترك الثعلب الصوف الذي يطفو الآن مع البراغيث، ويصبح قادراً على العودة إلى الأرض الجافة خالياً من براغيثه.

 

إنّ السّاسة ووسائل الإعلام الذين يشيرون الآن بأصابع الاتهام إلى تومي روبنسون هم هذا الثعلب. إنهم هم الذين أوجدوا أرضاً خصبة لتكاثر الكراهية ضدّ الإسلام والمسلمين منذ أيام حكومة توني بلير قبل عقدين من الزمان. إنّ هذه العنصرية هي البراغيث التي يريدون إلقاؤها على تومي روبنسون وأتباعه، الذين يشكلون الأداة غير المتعمدة، وإنّ كانت راغبة في ذلك، لتطهير أنفسهم مرةً أخرى بعد أعمال الشغب ومواصلة مهاجمة الإسلام والمسلمين كما فعلوا من قبل.

 

عندما انتخب بلير رئيساً للوزراء في عام 2001، عين ديفيد بلانكيت وزيراً للداخلية، وفي ذلك العام قام المسلمون في برادفورد بأعمال شغب رداً على مسيرة نظمها الحزب الوطني البريطاني اليميني المتطرف الفاشي. وألقى بلانكيت باللوم في أعمال الشغب على الاختلافات الثقافية التي فتحت الباب أمام وابل متواصل من التشهير الثقافي بالمسلمين. وقال لهيئة الإذاعة البريطانية: "لدينا معايير القبول، وأولئك الذين يأتون إلى وطننا ـ وهذا هو حاله ـ يجب أن يقبلوا هذه المعايير تماماً كما كان لزاماً علينا أن نفعل لو ذهبنا إلى أي مكان آخر". وقد تفاقم هذا الوضع مع معارضة المسلمين للحرب ضدّ العراق، وسنة بعد سنة، شدد الساسة البريطانيون من حزبي العمال والمحافظين على ضرورة تبني المسلمين "القيم البريطانية". وقد أسسوا ما يسمى بسياسة "المنع" للتجسّس على المسلمين، وخاصةً في المدارس، بحثاً عن أي علامات تشير إلى عدم كونهم بريطانيين بما فيه الكفاية أو أنهم يطلقون لحاهم فجأة. ولم يكن كافياً أن يلتزم المسلمون بالقوانين ويعيشوا في سلام مع من حولهم، بل كان لزاماً عليهم أن "يتكاملوا" بمعنى أن يتبنوا ما يسمى بالقيم البريطانية وأن يغيروا الأفكار التي تدور في رؤوسهم والمشاعر التي تدور في قلوبهم حتى يتمّ قبولهم.

 

في الفترة التي سبقت أعمال الشغب "البيضاء"، تمّ وصف الاحتجاجات السلمية ضدّ الإبادة الجماعية الاستعمارية الصهيونية ضد الفلسطينيين زوراً بأنها "مسيرات كراهية"، وتمّ وصف الفلسطينيين زوراً بالإرهابيين لمقاومتهم للاحتلال. إن الشراسة التي تمّ بها نشر هذه الاتهامات من قبل وسائل الإعلام والحكومة لا مثيل لها في التاريخ البريطاني. فقد تمّ حظر حزب التحرير بموجب قانون مكافحة الإرهاب دون أي نقاش عام تقريباً، وتم اعتقال العديد من الأشخاص وفصلهم من وظائفهم بتهمة معاداة السامية لمجرد إظهارهم تعبيرات التضامن مع الفلسطينيين. لقد عانى المسلمون بسبب هذا الهجوم عليهم، ولكن ماذا عن التأثير على بقية المجتمع؟ لا ينبغي الاستخفاف بتأثير هذه الدعاية على العقول غير المستنيرة. لقد نشأ جيل كامل من البيض وهم يتعرضون لقصف من وسائل الإعلام والسياسيين بوجهة نظر تجاه المسلمين مفادها أنهم لا يمكن أن يكونوا مواطنين صالحين وأنهم يخونون البلد الذي يعيشون فيه لأنّ قيم الإسلام تختلف عن القيم البريطانية. إنّ هذا يصوّر المسلمين على الفور باعتبارهم أدنى مرتبة لأنهم ضيوف الرجل الأبيض الذي فتح بلاده بسخاء للمسلمين. بطبيعة الحال، كان البريطانيون (الطيبون - البيض) هم الذين جاءوا إلى بلدان الجميع وأخذوا كل ما يريدون دون القلق بشأن ما يفكر فيه السكان الأصليون، ولكن هذا موضوع آخر!

 

من الذي يمكنه حقاً تعريف القيم البريطانية على أي حال؟ لقد كان هناك دائماً عدد كبير منهم، وهم يتغيرون بمرور الوقت. ما فعله تومي روبنسون هو محاذاة الصهاينة والقوميين الهندوس وغيرهم من الجماعات التي تكره الإسلام في حركة عبر الإنترنت على طول محور رواية "اغتصاب بريطانيا" التي يمكن أن يهضمها بسهولة العديد من البيض غير السياسيين الخائفين على مستقبلهم. والآن سيذهب أتباعه إلى السجن وقد ينضم إليهم قريباً، ولكن لسنوات قادمة سيواجه المسلمون في بريطانيا المزيد، وليس أقل، من العداء لإيمانهم بالإسلام.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. عبد الله روبين

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع