- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بين مطرقة الحرب وسندان اللجوء
الخبر:
تتناقل وسائل الإعلام أخبارا يومية عن رجوع آلاف من اللاجئين من أهل السودان من مصر، تزامنا مع تقدم الجيش، ومصاعب المعيشة والتعليم. وتتزايد رحلات العودة الطوعية كل يوم.
التعليق:
كانت رحلة الخروج من السودان إلى مصر محفوفة بالموت بكل ما تعنيه الكلمة، لكنه هروب من موت محقق بسلاح المتصارعين، أو خوف من انتزاع شرف النساء والبنات، أو حتى موت بالأمراض، ونقص الغذاء والماء، إلى موت محتمل وبقسوة مماثلة، لكنه يظل الخيار الأفضل لإفلات عدد كبير من براثن إجرام المهربين من الجانبين السوداني والمصري أو العطش والجوع، واستغلال من متمّي الرحلة في مصر حتى يصل الناس، وقد فقدوا كل المدخرات، لا يملكون إلا الإسراع لإكمال إجراءات مفوضية اللاجئين، التي تشبه الاستعباد، لما يلاقيه الإنسان من طوابير طويلة قد تنفضّ بعدم تسجيله، ليعيد الكرة مرات عديدة فقط ليسجل لموعد أقله ستة أشهر! يكون فيها مهدداً بالترحيل القسري من السلطات المصرية، فيعيش في كابوس محاولات الإفلات من الترحيل إلى حين الموعد، ليعود لطوابير المفوضية. وهي حرب من نوع آخر، حيث الانتظار في الشمس أو تحت كرفانات بلاستيكية لا تقي من حر ولا برد، وبعد كل هذه المعاناة قد تنقص الأوراق الثبوتية فتعطى كرتاً أبيض مدته ستة أشهر، ولو حالفك الحظ واستطعت أن تخرج من السودان بأوراق ثبوتية، فتُمنح كرتاً أصفر مدته عام ونصف، أما الإقامة فمواعيدها بعد سنة على أقل تقدير.
هذا الكرت لا يحمي في كثير من الحالات، ويتم ترحيل حامله من الأراضي المصرية لأقل موقف سياسي، مثل رفع علم السودان، وبه منطقة حلايب.
أما المعيشة في مصر فهي بدون أي دعم من مفوضية الأمم المتحدة، وعدم وجود مصدر دخل، ولا عمل، هنا تجلت أبشع درجات الاستغلال خاصة في إيجارات الشقق، فقد تضاعف سعر إيجار الشقة إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف خلال فترة دخول أهل السودان، ولا يستطيعه إلا من حالفه الحظ، ولديه من يرسل له إعانة أو صدقة من خارج مصر، ناهيك عن اللوم الذي يوقعه البسطاء من أهل مصر على اللاجئين بأنهم سبب الغلاء وضيق العيش.
وقع الناس بين مطرقة الحرب وسندان وجودهم في مصر، فاختاروا الرجوع وإعادة أدراجهم رغم عدم استتباب الأمن والجوع والمرض، ما يثبت يقينا الحاجة الماسة إلى دولة تقي الناس ويلات الحرب، وعوز اللجوء، دولة يكون الإمام فيها جنة، حيث يشعر الإنسان بالحماية بلا مقابل.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار (أم أواب) – ولاية السودان